شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"هنالك فيروس آخر يصيب الفقير والضعيف فقط"... أين أثرياء الأردن من أزمة كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 24 أبريل 202004:55 م

في هذا الوقت الحرج الذي يعيشه العالم كله، كشفت الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالأردن من جراء أزمة كورونا، عن الأقنعة التي اعتاد أثرياء البلد ارتداءها في المحافل الدولية والإقليمية، على أغلفة المجلات الاقتصادية وفي الصالونات السياسية، فمع أول "قصعة" على خصر الأردن اقتصادياً بسبب الفيروس، سقطت تلك الأقنعة عن وجوه أصحابها الأثرياء، أظهرت زيف شعاراتهم الوطنية واختبأت الوجوه خلف أسوار قصورهم.

قرابة الشهر والنصف مضى على حظر التجول في الأردن، أدى إلى شلل العديد من القطاعات الحيوية اقتصادياً، بادرت الحكومة خلال هذه الفترة للبحث عن حلول لتخفيف حدة وطأة هذا الشلل على العاملين في تلك القطاعات، حيث أصدرت عدة قرارات، من خلال أوامر قانون الدفاع الذي أقرّت تنفيذه، مثل صناديق، لجان ومنافذ تساعد المتضررين من تبعات حظر التجول، كانت اقتطاعات العاملين و"تحويشة" صناديق مؤسسة الضمان الاجتماعي هي منافذ تلك الحلول، في حين غابت، وما تزال، جيوب الأثرياء عن المشهد.

أين أغنياء الأردن؟ سؤال طرحته على خبراء ومراقبين أردنيين للحصول على إجابات لإعداد هذا التقرير، اتفقت أغلبية الإجابات والتفسيرات على أن هذا الاختفاء ليس بمحض الصدفة، بل هو أشبه بقرار عن سبق الإصرار والترصد، تختلف أسبابه وتجتمع على حقيقة ثابتة، بأن بعض أثرياء الأردن يظهرون في الرخاء ويختفون في الشدائد.

صراع الحياة

أين أثرياء الأردن؟ لماذا هذا الاختفاء العجيب؟ أجاب على سؤالي بسؤالين، الناشط والخبير بالشأن الاقتصادي، مجدي السعدي، قائلاً: "عند إصدار أمر الدفاع الخاص بتشكيل صندوق همّة وطن، (كان رئيس الوزراء عمر الرزاز، قد أصدر أمر الدفاع رقم 4، الذي أنشأ صندوقاً لدعم المجهود الوطني لمكافحة وباء فيروس كورونا، ومواجهة آثاره يسمى همّة وطن) كانت الدولة تريد أن تقول للأثرياء: نحن لا نستطيع أن نتحمل كلفة الجائحة وحدنا، وتم تشكيل هذا الصندوق وقيمة ما وصل إليه من تبرعات بحدود 70 مليون دينار"، وهذا رقم متواضع إذا ما عرفنا أن حجم الودائع بالبنوك يصل الى 35 مليار، كما يقول مجدي.

ويضيف: "رؤوس الأموال في الأردن بنت معظم ثرواتها من خلال عملية التحول الاقتصادي، الخصخصة واقتصاد السوق المفتوح، ووصل تعويض مباني لأحد رؤوس الأموال بفعل الخصخصة إلى 30 مليون دينار، في الوقت الذي كانت مبانيه لا تتجاوز قيمتها السوقية 8 مليون، دفعتها الدولة، أو بالأحرى دافع الضرائب الأردني!"، حتى أن أصحاب رؤوس أموال الذين حققوا أرباحاً من قطاعي الطرق والإنشاءات، لم يتبرعوا بفلس واحد، أو كانت تبرعاتهم رمزية مقارنة بما يملكون، بحسب قوله.

قد يبدو الحديث بهذه الطريقة صراعاً طبقياً، بحسب ما يراه مجدي السعدي، ولكن في حقيقته هو صراع الحياة، صراع الوطن والوطنية، وهذا الصراع، إذا سلمنا جدلاً أنه صراع، فهو الصراع الوحيد النبيل في تاريخ البشرية.

ويرجّح أن كلفة كورونا ستصل لعشرات المليارات، والدولة كما يقول، بدأت بالفقير والموظف البسيط، ونحن ننتظر متى سيتم فرض ضريبة مقتطعة على هذه الثروات، هذه الثروات التي جنيت في أوقات الرخاء وحان الوقت لأن يتحمل أغنياء الأردن مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية، ويختم بعبارة: "ثمة دين للبلاد على جميع أثريائه سداده".

"عيب عليكو"، كان عنوان فقرة إذاعية للصحافي والحقوقي جهاد أبو بيدر، قبل أيام، والتي وُجهت لأثرياء الأردن الغائبين عن حراك الهبة "الفزعة" الوطنية لمساعدة الأردن بالوقوف على قدميه، أمام الرياح العاصفة التي تجتاحه اقتصادياً.

"عيب عليكو، بلدكو بحاجتكو"، كما جاء في صراخ الصحافي أبو بيدر، عبر أثير الإذاعة التي يعمل فيها، حيث قام مواطنون بحفظ هذه الفقرة على شكل فيديو تم تداوله على نطاق واسع بين المواطنين، ربما كان بمثابة "فشة خلق" لهم، لا سيما عندما صرخ أبو بيدر مرة أخرى وقال للأثرياء: "سقطتوا في أهم اختبار للوطن، ليش؟ لأنك خاين وبخيل وجبان، ولأنك بتتعامل مع الوطن إنه المكان يالي بتسرق منه وبتهرب برا".

أين أغنياء الأردن من أزمة كورونا الاقتصادية؟ سؤال طرحته على خبراء ومراقبين أردنيين للحصول على إجابات لإعداد هذا التقرير، اتفقت أغلبية الإجابات والتفسيرات على أن هذا الاختفاء ليس بمحض الصدفة، بل هو أشبه بقرار، تختلف أسبابه وتجتمع على حقيقة، بأن بعض أثرياء الأردن يظهرون في الرخاء ويختفون في الشدائد

"ليسوا بحجم المسؤولية"

وفي حديث مع أبو بيدر لرصيف22، وإجابة على سؤال أين أغنياء الأردن؟ أجاب: "أثبت عدد كبير من أثرياء الأردن أنهم ليسوا بحجم المسؤولية في حال حدث في البلاد مصاب، عدد قليل منهم انتفض لمساعدة بلده لمواجهة جائحة كورونا، لكن للأسف، الأغلبية كما النعام وضع رأسه في حفرة ولم يخرجه، وهذا سيعطي الدولة والشعب درساً قوياً في كيفية معاملة الأثرياء مع القضايا الوطنية".

ويضيف: "المشكلة أننا نرى أثرياء العالم كيف يتبرعون، في الوقت الذي لم يتحرك فيه أغلبية من لحم كتافهم من الأردن، بالعكس اختفوا اختفاء كاملاً، وأثبتوا أنه عندما تكون البلد في حالة رخاء يظهرون بمظهر الأبطال، وفي الشدائد يظهر زيفهم".

الدكتور قاسم الحموري، وهو خبير اقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد في جامعة اليرموك، وقبل أن أختم سؤالي عن سبب غياب أثرياء الأردن، أجاب أنه كان من الأولى أن تبدأ الاقتطاعات قبل رواتب العاملين من أرباح أثرياء الأردن، الذين تشكّلت ثرواتهم بسبب التسهيلات التي قُدمت لهم على مدار الحكومات الأردنية المتعاقبة، من خلال الإعفاءات الضريبية والجمركية، العطاءات الحكومية والسكوت عن تهربهم الضريبي، والسكوت أيضاً عن مبالغاتهم في رفع الأسعار، كل ذلك شكل ثروات طائلة بيد مجموعة لا تزيد عن الـ5% من سكان الأردن.

ويضيف: "اليوم، الاقتطاعات التي فرضتها الحكومة لتخفيف حدة أزمته الاقتصادية من جراء كورونا، جاءت على حساب رواتب الموظفين الذين رتبوا التزاماتهم على قدر رواتبهم"، وهنا ينوّه إلى "غائب" آخر عن المشهد، وهو البنوك، التي وكما يقول، حققت الأرباح خلال الأعوام القليلة الماضية، في وقت كانت أغلبية الأنشطة الاقتصادية تعاني من الضمور والتراجع، بسبب القوة الاحتكارية التي منحت للبنوك، وقدرتهم على رفع الفائدة على المدين دون موافقته، حتى البنوك غائبة كما يقول.

وكان من الأجدى، يستكمل الدكتور الحموري حديثه، أن تقبل البنوك بما يسمى بالسنة صفرية الربح في هذه الفترة الحرجة، مقابل تقديم تسهيلات بدون فوائد للأعمال الصغيرة والمتوسطة، وإعفاء صغار المقترضين من الفوائد لمدة عام.

هنا قاطعت حديثه وسألته: "حسناً، لماذا لم تقم البنوك بذلك؟ ولماذا لا يبادر الأغنياء بالتبرع؟"، أجاب الحموري: هناك نوعان من الفيروس، نوع صحي يصيب الغني والفقير والقوي والضعيف، وآخر فيروس اقتصادي يصيب الفقير والضعيف والمعوز فقط!".

ويتابع: "لذلك تجدين تفاوتاً في التصدي للفيروس الاقتصادي، في ظل عامل مهم أيضاً ينبغي عدم تجاهله، وهو التقاعس الحكومي في إلزام الأثرياء بأن يدفعوا فاتورة الفيروس الاقتصادي.

 أطلق ناشطون وناشطات أردنيون/ات، حملة على موقع تويتر، تصدّر وسمها #فليدفع_الأغنياء_فاتورة_كورونا لمدة يومين، وجهوا رسائلهم/ن من خلال تغريداتهم/ن إلى الحكومة، بأن تجبر الأغنياء على إنقاذ الوطن من أزمته الاقتصادية، بدلاً من اللجوء إلى جيوب المواطنين من خلال الاقتطاعات التي فُرضت على رواتبهم/ن

#فليدفع_الأغنياء_فاتورة_كورونا

وفي سياق الحديث عن فاتورة الفيروس الاقتصادي، أطلق ناشطون وناشطات أردنيون/ات قبل فترة، حملة على موقع تويتر، تصدّر وسمها #فليدفع_الأغنياء_فاتورة_كورونا لمدة يومين، وجهوا رسائلهم/ن من خلال تغريداتهم/ن إلى الحكومة، بأن تجبر الأغنياء على إنقاذ الوطن من أزمته الاقتصادية، بدلاً من اللجوء إلى جيوب المواطنين من خلال الاقتطاعات التي فرضت على رواتبهم/ن.

وكانت "جماعة عمان لحوارات المستقبل، وهي جماعة فكرية سياسية، قد أصدرت بياناً مؤخراً، دعت من خلاله إلى إعداد "قائمة سوداء" بأسماء الأثرياء والشركات والبنوك التي لم تتبرع لمقاطعتهم حكومياً وشعبياً، عدم التعامل معهم، مقاطعة منتجاتهم وسحب المساهمات والأرصدة من الشركات والبنوك التي لا تساهم في دعم الجهد الوطني، لأنها لم تقف مع الوطن في الأوقات الحرجة".

التبرع ثقافة اجتماعية تعززها القيم والقوانين

ما المشكلة بأن يبادر أغنياء الأردن بالتبرع لمساعدة الوطن؟ سألت الخبير والمحلل الاقتصادي، الدكتور مازن مرجي، أجاب بأن التبرع في نهاية المطاف هو ثقافة اجتماعية تعززها القيم والقوانين أيضاً، مثل قانون ضريبة الدخل الذي يسمح بذلك.

وأضاف: "الغني اليوم يسأل نفسه ليش أنا أتبرع مو غيري؟ فضلاً عن أن هناك حالة من الخوف تجتاح الكثير من الأغنياء، إذ يرون إذا ما ساهموا في التبرعات فإنهم سيصبحون مكشوفين لجهات معينة مثل دائرة الضرائب، ناهيك عن أن ثقافة التبرع ليست موجودة أساساً لدى عدد لا بأس منه من أثرياء الأردن"، يختم مرجي حديثه.

قرأت مرة عبارة مكتوبة على جدار في بلد عربي: "لا تسمح لأي عرص شبعان يقولك أصبر على الجوع"، تذكرتها وأنا أتابع قرارات الحكومة لعلاج الأزمة الاقتصادية والتي اتخذت جيوب المواطنين، "الغلابة"، منفذاً، ولاحظت أن المقولة التاريخية "الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء"، باتت تتجلى في سلوك أغنياء الأردن اليوم بـ"التطنيش"، وهو ما يجب على الدولة أن تلتفت إليه، تحسباً بأن يختلّ السلم المجتمعي الذي بناه الأردنيون خلال مائة عام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image