تقدم محام مصري ببلاغ إلى النائب العام ضد مؤسس صحيفة "المصري اليوم" ومالكها صلاح دياب، ورئيس تحريرها عبد اللطيف المناوي، يتهمهما فيه بـ"الخيانة العظمى" عقب سلسلة مقالات مثيرة للجدل كتبها الأول باسم مستعار هو "نيوتن".
جاء البلاغ بعد ساعات من قرار للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتغريم الصحيفة 250 ألف جنيه (نحو 16 ألف دولار أمريكي)، وإحالة رئيس تحريرها إلى التأديب ووقفه عن العمل والظهور الإعلامي حتى انتهاء التحقيق، ووقف "نيوتن" عن الكتابة.
تُعيد هذه الحادثة التذكير بمدى الحذر المرتفع الذي تتعامل به السلطات مع المواضيع التي تتناول سيناء، ومع الشكاوى التي تكررت سابقاً بشأن حجم التعتيم الإعلامي والإشاعات التي رافقت الحديث عما يدور في تلك المنطقة.
"خيانة عظمى" وإعدام
في تفاصيل قضية "نيوتن" التي نقلتها صحيفة "أخبار اليوم"، فإن المحامي بالنقض و"الدستورية العليا" طارق محمود تقدم في 22 نيسان/أبريل ببلاغ إلى النائب العام ضد دياب والمناوي متهماً إياهما بـ"جريمة الخيانة العظمى في حق مصر".
قال محمود في بلاغه إن الصحيفة نشرت في 12 نيسان/أبريل "مقالاً مشبوهاً" عنوانه "استحداث وظيفة"، لكاتب يطلق على نفسه "نيوتن"، موضحاً أن المقال تضمن مطالبة بـ"اعتبار شمال سيناء إقليماً مستقلاً عن الدولة المصرية وأن يكون له حاكم لمدة ست سنوات له سلطات رئيس الجمهورية ويُمنح حكماً ذاتياً وحدوداً جغرافية وهيكلاً إدارياً ووظيفياً مستقلاً عن مركزية الدولة".
ولفت إلى أن المقال طالب أيضاً بـ"أن تكون لهذه الدولة (يقصد سيناء المستقلة) ميزانية مستقلة منفصلة عن ميزانية الدولة المصرية، وتكون مستقلة سياسياً واقتصادياً عن مصر ويحق لها عقد الاتفاقيات والعلاقات الثنائية المشتركة مع الدول الأخرى من دون الرجوع للدولة المصرية".
وجاء في البلاغ أن هذا "يعني انفصال شمال سيناء عن مصر نهائياً بما يدعم مخططات أجنبية وجهات معادية لمصر لتفتيت الدولة المصرية وسيادتها وتحويلها لدويلات منفصلة".
"امتدح جهود تنمية إسرائيل لسيناء إبان احتلالها"… مقالات باسم مستعار تُحيل مالك صحيفة "المصري اليوم" ورئيس تحريرها إلى النائب العام بتهمة "الخيانة العظمى"
وختم محمود البلاغ بالدعوة إلى تطبيق المادة 77 من قانون العقوبات المصري على المدعى عليهم، وهي تنص على "الإعدام لكل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها".
عقوبات بالجملة
ومساء 21 نيسان/أبريل، قال "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" إن مقالات "نيوتن" تعدّ "نشراً وبثاً للضغينة" وتمثّل "انتهاكاً صارخاً لأحكام الدستور وتمرداً على مبادئه عبر ‘حملة ممنهجة‘ تبنتها الصحيفة، وهذا ما يمثل سقطة مهنية جسيمة تستوجب الجزاء".
واعتبر المجلس أن "الحملة (سلسلة المقالات) قدمت نموذجاً سلبياً لحرية الرأي والتعبير يستهدف الهدم لا البناء، ويضر بالوطن ولا يعلي مصلحته، وينشر الفرقة ولا يعزز تلاحمه وصلابته".
أما القرارات "العقابية" فقد تضمنت إلزام الصحيفة وموقعها الإلكتروني بنشر اعتذار واضح عن المخالفات التي ارتكبتها خلال ثلاثة أيام، فضلاً عن إزالة المحتوى المخالف من موقعها الإلكتروني ودفع الغرامة المالية وحجب العمود الذي نُشرت فيه المواد المخالفة مدة ثلاثة أشهر، وإحالة رئيس تحرير الصحيفة إلى المساءلة التأديبية في نقابة الصحافيين وحظر ظهوره إعلامياً إلى أن تنتهي المساءلة.
كذلك قرر منع ظهور كاتب المقالات المثيرة للجدل، دياب، في جميع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية مدة شهر، وإحالة الواقعة إلى النائب العام بغية إجراء تحقيق في الشق الجنائي.
ماذا جاء في مقالات "نيوتن"؟
في المقال الأول، دعا "نيوتن" إلى تعيين حاكم لسيناء لمدة ست سنوات على أن يلتزم خلالها "الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة، والابتعاد عن ميزانية الدولة والنظم والقوانين المطبقة فى دول ناجحة مثل سنغافورة أو ماليزيا أو هونغ كونج، لتصبح سيناء منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة"، متسائلاً هل تلقى دعوته إلى "حكم شبه ذاتي" الاستجابة المفترضة أم لا.
رجل الأعمال المصري صلاح دياب دعا إلى تحويل سيناء إلى "منطقة اقتصادية خاصة ومستقلة" ومنحها "حكماً شبه ذاتي"، ليواجه تهمة "الخيانة العظمى"، في وقت تعيد قضيته التذكير بحساسية التطرق لموضوع سيناء
وبيّن أن دعوته تهدف إلى تحويل سيناء "قاطرة لتقدم مصر"، محذراً من "الذين يعتبرون سيناء خطاً أحمر لتظل مهجورة جرداء أو ملعباً مفتوحاً للجماعات المتطرفة والصفقات المشبوهة".
وفي مقال نشره في 14 نيسان/أبريل، ورد: "لعل فى مفارقة اقتطاع ‘إسرائيل‘ لسيناء خلال السنوات الست بين عامي 1967 و1973، فضلاً عن ‘طابا‘ حتى جرى استعادتها مرة أخرى، خير دليل على ما فى سيناء من إمكانات هائلة. ألا يدعو للتأمل أن تصنع ‘إسرائيل‘ فى سيناء ما لم تستطع مصر فعله خلال تاريخها المديد؟".
رد الصحيفة
خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب، مقدم برنامج "الحكاية" على قناة "إم بي سي مصر"، دعا المناوي إلى تخطي حدود الحساسية والغضب من استخدام بعض التعبيرات وصولاً إلى الاتهام بـ"التخوين والعمالة"، لافتاً إلى أن كاتب المقالات، موضع الجدل، أوضح قصده لاحقاً إذ اعترف أن لفظ "حاكم سيناء"، الذي استخدمه فيها، قد لا يكون التعبير الأمثل.
وقبيل صدور قرارات "الأعلى للإعلام"، أوضحت "المصري اليوم" في افتتاحيتها في 21 نيسان/أبريل أنها ومؤسِّسها كانا عُرضة، خلال الأسبوعين الأخيرين، لـ"هجمة إعلامية كاسحة".
وأضافت: "ما ورد فى عمود نيوتن، الذي أثار الجدل، اجتهاد يؤخذ منه، ويُرد عليه"، مشيرة إلى أنها لن ترد على ما قيل لأنه لا يتماشى مع التحديات التي تواجهها البلاد.
الجدير ذكره أنه كان قد قبض على دياب عام 2015، ووُجِّهت إليه اتهامات عدة بالفساد والاستيلاء على المال العام، وهذا ما اضطره إلى تسوية القضية عام 2019 برد الملايين من الجنيهات إلى الحكومة.
كذلك تورط ونجله عام 2017 في قضية حيازة سلاح من دون ترخيص، لكنهما بُرّئا منها لاحقاً لانتفاء سلامة إجراءات الضبط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...