ـ عند السابعة من مساء أحد أيام عام 2013، أدار أحمد كومبيوتره الشخصي. كتب خبراً عن قصف لقوات الجيش أصاب مدنيين في الشيخ زويد. أرسل الخبر إلى مديره في القاهرة. نُشر الخبر. اعتُقل أحمد وأُحيل لاحقاً على محكمة عسكرية. ـ تدور اشتباكات بين الأمن ومسلحين في العريش. يكتب مراد عن الحادث. تُنشر أخبار عن سقوط قتلى في صفوف العناصر المتشددة. فيأتيه تهديد منهم بالاستهداف المباشر لو تكرّر ذلك. ـ يقترب شبانة من المسافة صفر. تدور اشتباكات بين الأمن ومسلحين في الشيخ زويد. يُحاصر في المنتصف. تُطلق عليه النار. يتعرض لتفتيش كلي، ثم يُهدّد بالمساءلة. الحالات الثلاث وقعت في شمال سيناء، شرقي مصر، على مدار السنوات الأخيرة الماضية، وتلخّص المعاناة التي يواجهها الصحافيون الذين يعملون على "أرض الفيروز".
"القوة الغاشمة" وصحافيو سيناء
يخوض الجيش المصري منذ الجمعة الماضية ما أسماها "عملية شاملة"، قال إنّها "تستهدف القضاء على البؤر الإرهابية وتحديداً في سيناء". وفي خضم الاهتمام الكبير بالعملية التي تتم التعبئة لها إعلامياً تحت هاشتاغات منها "#المهمة_حماية_الوطن"، و"#سيناء_2018، لم يجد المتابعون صحافيين ينقلون الأحداث من خارج البيانات الصادرة عن المتحدث العسكري باسم الجيش المصري. هذا الوضع ليس جديداً بل عمره أعوام. ففي سيناء العمل الصحافي شبه "محرّم".
بين القانون والتضييق
لا يقتصر الأمر فقط على منع الصحافيين من العمل بحرية في هذه المنطقة الملتهبة، بل وصل الأمر إلى استهدافهم مباشرةً من أطراف مختلفة، بداعي اختراقهم حاجز الصمت، بما لا يرضي هوى هذه الأطراف. تُبرّر أجهزة الأمن حظر نشر أية أخبار عن عملياتها في سيناء، باستثناء ما تصدره هي، بأنّه للحفاظ على الأمن ومنعاً لإثارة البلبلة. ومن أجل وضع إطار قانوني، تضمّن قانون مكافحة الإرهاب الذي نشرته الجريدة الرسمية في 16 أغسطس 2015، تغريم كل مَن يبث أو ينشر معلومات "غير حقيقية" عن الاعتداءات أو العمليات العسكرية بالمخالفة للرواية الرسمية من الجهات الرسمية، مع إمكانية منعه من مزاولة المهنة لمدة عام. يُقابَل ذلك بانتقادات من حقوقيين يرون أنّ من حقهم ومن حق الصحافيين العمل بحرية وشفافية لنقل ما يحدث إلى الرأي العام."زنزانة الصحافيين"
هناك العديد من الأمثلة لصحافيين تعرضوا للاعتقال أو التهديد بسبب نشرهم معلومات مسّت بما يراه طرف ما خطاً أحمر. ولا يمكن اعتبار التضييق على الصحافيين في مصر مقتصراً على سيناء فقط بل يسري في مناطق مختلفة، ما يفسّره البعض على أنّه نهج عام ضد حرية الصحافة. وأصدرت لجنة حماية الصحافيين الدولية، في ديسمبر الماضي، تقريراً جاء فيه أنّ مصر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عدد الصحافيين المعتقلين. ويقول التقرير إنّ 20 صحافياً مصرياً كانوا قيد الاعتقال حتى نهاية العام الماضي، وتحدّث عن أوضاع سيئة يعيشونها في السجون. يرى رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحافيين سابقاً الحقوقي خالد البلشي أنّ مصر تشهد حالياً مناخاً سيئاً يقيّد حرية العمل الصحافي، وأنّ على الدولة الالتزام بواجبها في توفير المناخ الآمن لهم. في 29 نوفمبر 2015، ألقت أجهزة الأمن القبض على الصحافي إسماعيل الإسكندراني، ووجّهت نيابة أمن الدولة العليا إليه تهمة نشر أخبار كاذبة. الإسكندراني مهتم بشؤون الجماعات الإسلامية في سيناء، وجرى الربط بين اعتقاله وبين المعلومات التي كان ينشرها بشأن المواجهات، وسقوط ضحايا مدنيين في الاشتباكات. وبعد سلسلة من قرارات تجديد الحبس، تقرّر في 6 يناير الماضي إحالته إلى المدعي العسكري."غير مسموح لأي صحافي بأن يمارس عمله في شمال سيناء، سواء بحيازة كاميرا والسير في الشارع أو بكتابة خبر يرصد ما يحدث على الأرض هناك، وإلا فحريته معرضة للخطر"...
"الحصول على المعلومة صعب في شمال سيناء والتصوير مغامرة لأنك ممكن أن تفقد حياتك بسبب صورة"...طلب رصيف22 تعليقاً من مركز حرية الفكر والتعبير، فأجاب في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "اعتقال الإسكندراني يندرج ضمن حملات التعدي على حرية التعبير وحرية العمل الصحافي". ويقول البلشي لرصيف22: "حرمان الصحافيين من العمل بحرية في سيناء هو نوع من منع تداول المعلومات، والحكومة وضعت قانوناً لذلك، ومَن يتعدى ذلك يعرّض نفسه للحبس". ويذكر أنّ بعض الصحافيين أُلقي القبض عليهم لمجرد "هويتهم السيناوية"، متحدثاً عن أنّ سبب اعتقالهم هو عملهم بالصحافة، وليس على خلفية قضايا سياسية ولا على خلفية انتهاكهم قرارات عسكرية. ويوضح البلشي أنّ بعض الصحافيين اعتُقلوا لفترات طويلة، وأحيلوا على محاكمات عسكرية عقاباً لهم على نشر معلومات بعيداً عن الروايات الأمنية. ويشير إلى أنّ النقابة كانت قد تدخلت في أزمات الاعتقال، وكان محاميها يحضر الجلسات للدفاع عنهم، مؤكداً أنّ ما يفعلونه هناك ليس جرماً، وأنّ من حق المواطنين معرفة كل الأخبار. ولفت إلى أنه كان يتابع شخصياً مع هيئة الدفاع قضاياهم، لكنّ النقابة لم تعد تفعل ذلك الآن.
أبو دراع... قلم واعتقال
بينما كان الجيش يواجه متشددين في العريش، كان أحمد أبو دراع يؤدي عمله بنقل الأخبار. وحدث أن "سقطت قذائف على مدنيين ووقعت ضحايا"، كما قال، فكتب الخبر وأرسله ونشرته صحيفة "المصري اليوم" المقرّبة من النظام في مارس 2013. كان ذلك سبباً لاعتقال أبو دراع، ومحاكمته عسكرياً. وُجّهت إليه اتهامات بنشر أخبار كاذبة عن الحملة الأمنية بسيناء في الخارج، ودخول منطقة عسكرية دون تصريح، وتصوير مجرى قناة السويس دون تصريح، ونشر أخبار كاذبة عن هدم منازل. نجاد البرعي، محامي أبو دراع، نفى جميع هذه الاتهامات، وقال إنّ موكّله قدّم أشكالاً كثيرة من التعاون مع الأمن، ما ينفي عنه اتهامه بالتآمر. ونفى عنه كذلك اتهامه بتصوير المجرى الملاحي لقناة السويس، ووصف ذلك بأنّها "اتهامات مرسلة". وفي وقت نظر القضية أمام المحكمة العسكرية، تضامنت نقابة الصحافيين مع أبو دراع، وقالت إنّ الجماعة الصحافية متعاونة مع الأمن في مكافحة الإرهاب. وقضت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية في 5 أكتوبر 2013 بحبس "المتهم" لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وتغريمه 200 جنيه. يقول أبو دراع لرصيف22 إنّ نشر هذا الخبر جاء في بداية العمليات العسكرية في سيناء، ولم يكن مقبولاً لدى الأمن الحديث عن أخطاء في هذه المرحلة تحديداً. ويضيف أنّه اقتيد إلى النيابة ومن ثمّ إلى السجن الحربي. ويحكي عن تجربة اعتقاله: "أسأل الله ألا يكتب ذلك على أحد. لقد كان الأمر قاسياً جداً. قضيت الاعتقال في زنزانة انفرادية. أنا لم أكن مجرماً، لقد كنت ناقل أخبار. وربما هذا ما هوّن عليّ كل هذه المصاعب". ويعتبر الصحافي أن سبب حبسه هو نشره أخباراً لم يكن الأمن يريد نشرها. وعن نشر الخبر على صفحات صحيفة مقربة من النظام (المصري اليوم)، يجيب أبو دراع: "المسؤولون وقتها لم يكونوا على علم بأبعاد هذا النشر". ويذكر: "غير مسموح لأي صحافي بأن يمارس عمله في سيناء، سواء بحيازة كاميرا والسير في الشارع أو بكتابة خبر يرصد ما يحدث على الأرض هناك، وإلا فحريته معرضة للخطر". ويوضح أنّ الصحافيين جميعهم لا ينزلون من منازلهم، ويكشف أنّه منذ بدء العملية الشاملة التي أطلقها الجيش الجمعة الماضية، لم تُنشر أية أخبار عنها.
حجازي... المسافة صفر
في 2017، أثناء اشتباك بين الأمن ومسلحين في مدينة العريش، وضع القدر الصحافي مراد حجازي عند المسافة صفر. هاجم مسلحون بنكاً في مدينة العريش، وللصدفة يسكن "حجازي" خلف البنك الذي تعرض للهجوم، وأصبح أقرب ما يكون إلى خط الاشتباك. يقول حجازي لرصيف22 إنّه أصعب موقف واجهه خلال تغطيته لأحداث سيناء، فقد تلقى تهديدات من المسلحين بعدم نشر أية معلومات تنال منهم، بما في ذلك وصفهم بـ"التكفيريين" وليس بـ"المجاهدين". ويوضح أنّ تهديدات المسلحين للصحافيين تأتي في أغلب الأحيان بشكل ضمني، من خلال إبلاغهم أن مَن يقف في صف قوات الأمن، سواء بالسلاح أو حتى بالكلمة، يضع نفسه في دائرة الاستهداف، فيجدون أنفسهم مضطرين إلى إخفاء بعض الحقائق. ويضيف أنّ أي صحافي يعمل في سيناء، يكون على وعي بالمحاذير التي لا يمكن تجاوزها، وبأنّ أية مخالفة لبيانات الأمن تودي بصاحبها إلى التحقيق. ويحكي مراد موقفاً آخر حدث معه بعد تخطي "الخطوط الحمر"، ويقول إنّه توصل وزملاؤه إلى معلومات عن مقتل مسلحين بعد اشتباكات مع الأمن في 2016، ونشر تلك المعلومات، وبعدها تعرّضوا لتهديدات من مسلحين، معيداً التذكير بأنّ أغلب هذه التهديدات تأتي ضمنية.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع