شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"بثّ الأمان مجهود متعب"... كيف تتعامل أردنيات مع أطفالهن في ظلّ كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 14 أبريل 202006:46 م

في الوقت الذي بات فيه كل شيء استثنائياً أو غريباً أو حتى دخيلاً على نمط الحياة في العالم، بسبب تبعات فيروس كورونا، وفي الوقت الذي أصبح الشعور بالخوف مما هو آت حاضراً لدى الأطفال، فإن الوقوف على تأثير كل ذلك على الأطفال أمر يستحق الوقوف عنده.

فالأردن اليوم مثل غيره من دول العالم، يعيش حالة حظر تجول، كإجراء احترازي من قبل الدولة لحصر الفيروس، ومن الطبيعي أن تخلق حالة الحظر هذه نمطاً مختلفاً في حياة الجميع، سواء الموظفون/ات، والحياة الأسرية بشكل عام، وأيضاً الأطفال، الذي بات التفكير بأهمية بث الأمان في نفوسهم لحمايتهم من أي عقبات نفسية لا تحمد عقباها مستقبلاً، أمراً يشغل بال الأمهات.

يعيش أطفال أردنيون اليوم حياة لا تشبه حياتهم الطبيعية، كما الأطفال في أرجاء العالم، فهم لا يذهبون إلى المدرسة مثلاً، ولا ينتظرون عطلة نهاية الأسبوع لمكافئتهم من أهاليهم بمشوار ما، وأصبحت بيوتهم ليست فقط مكاناً يأويهم، بل أيضاً باتت الأمكنة التي تعيش فيه الأمهات تحديات عديدة، تتمحوّر  حول كيفية التعامل معهم أثناء الأزمة المستمرة، تسليتهم، التخفيف عنهم، تعليمهم، بثّ الأمان والأمل بغدٍ أفضل... وتفاصيل أخرى تثقلها صافرات الإنذار التي تطلق الساعة السادسة من مساء كل يوم في جميع محافظات الأردن، والتي تذكرهم بأن حياتهم لم تعد كالسابق.

جهد متعب لتمرير الشعور بالأمان

أسيل قبج، أم أردنية لطفل اسمه يوسف من ذوي التوحد وفرط الحركة، تقول لرصيف22: "كل يوم، وقبل إطلاق صافرات الإنذار بخمس دقايق، بحضر يوسف إنه ماما هلأ في منبّه رح يرن وعمو الشرطي رح يحكي ممنوع نطلع على الشارع".

وتتحدث أسيل عن التحديات التي تعيشها أمهات أردنيات اليوم لزرع الشعور بالأمان لأطفالهن، وسط الحالة التي يعيشها الأردن من حظر التجول، الذي يبث الخوف مجرد ذكره، وتضيف: "ما بتتصوري قديش صعب تفهمي طفل في هاي الظروف ليش إحنا بالبيت وممنوع نطلع أو نتحرك وليش ما في مدرسة"، معتبرة أن الأم في هذه الظروف تبذل جهداً متعباً لتمرير شعور الأمان لأطفالها، حتى أن هذا الجهد تختلف درجته من أم لأخرى، "مثل حالتي أنا، باعتبار أن ابني يعتبر من ذوي الاحتياجات الخاصة"، تقول.

فيوسف، كما تضيف أسيل، وكون لديه فرط في الحركة، فمن الصعب جداً أن يتقبّل أنه ملزم بالبقاء في المنزل من دون مدرسة أو أي نشاط في الخارج، وتتابع: "بحاول ألهيه من حالة الضجر اللي بتصيبه لأنه محشور بالبيت بإنه يحضر الأخبار معي، وشوي شوي صار يحب الموضوع وبحس بالأمان بمجرد إنه شاف وزير الصحة على التلفزيون، حتى إنه صار يحمل لعبة الميكروفون ويقلده كيف بحكي".

وعن أهمية توعية الأطفال بالنظافة الشخصية، وأن الالتزام بها هو بحد ذاته شعور بالأمان، تقول أسيل: "صرت أعلم ابني أهمية التعقيم طوال اليوم، خصوصاً بس يطلع يلعب في حديقة البيت، وإنه لازم نغسل إيدينا لنضلنا بصحة منيحة".

يعيش أطفال أردنيون اليوم حياة لا تشبه حياتهم الطبيعية، فهم لا يذهبون إلى المدرسة مثلاً، ولا ينتظرون عطلة نهاية الأسبوع لمكافئتهم من أهاليهم بمشوار ما، وأصبحت بيوتهم ليست فقط مكاناً يأويهم، بل أيضاً باتت الأمكنة التي تعيش فيه الأمهات تحديات عديدة، تتمحوّر حول كيفية التعامل معهم أثناء الأزمة المستمرة

بثّ الأمان يبدأ من الأم

"موضوع بث الأمان للأطفال يبدأ من الأم"، بحسب ما تقوله هبة حمّاد لرصيف22، وهي أم لطفلتين، حيث أكدّت على أن مهمة تعزيز الشعور بالأمان لابنتيها، أمر قامت به قبل أن يصل فيروس كورونا إلى الأردن.

حتى الأبحاث التي تتحدث عن المرض كانت قليلة في تلك الفترة، بحسب ما تشير إليه هبة، وتتابع: "من أول ما سمعت عن كورونا، من لما كان في الصين، وقبل كل الدراسات والأبحاث، وحتى قبل وزارة التربية والتعليم في الأردن، بلشت أوعي بناتي على خطورة الإصابة بكورونا وأهمية حماية أنفسنا منه".

حتى بعد أن بدأت وزارة التربية والتعليم بحملاتها التوعوية لطلاب المدارس، لم يخفف ذلك من جهد الأم هبة في ضرورة خلق حالة من الشعور بالأمان لابنتيها، فمن وجهة نظرها أن التربية والتعليم تخاطب ملايين الأطفال، ولن يكون تركيزها عليهم بقدر ما هو عليه من قبل الأم لأطفالها.

"لا أتعامل مع فيروس كورونا وأنا أتحدث عن الوقاية منه لبناتي بأنه مرض سيقتلهن"، تقول هبة، مشيرة إلى أن تركيزها في توعيتها لهن من مخاطره هو من باب الوقاية من الإصابة منه، وإصابة من نحب، فمثلاً ووفق ما تقوله: "بعلمهم أهمية الاستمرار في التعقيم والتركيز على النظافة الشخصية طول الوقت، عشان تيتا اللي بحبوها وبخافوا عليها ولأنها عندها حساسية... حرام يعدوها إذا ما عقموا حالهم طول الوقت".

حتى أدوات الوقاية مثل المعقمات والكمامات، حرصت هبة على جعلهم أدوات باعثة للفرح لبناتها وليس الخوف، حيث قامت بجعلهن يخترن ألوان "بناتية" للكمامات، كذلك ألوان المعقمات، مع إضافة عطور عليها حتى تكون ذات رائحة تناسب أذواقهن.

وتبين أيضاً أهمية دور الأم في حماية أطفالها من تتبع الأخبار التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي غالباً ما تكون إشاعات تبث الخوف لمتابعيها، وتتابع: "حتى بهاد الشي بكون حريصة إنه بناتي يتابعوا أخبار مستجدات كورونا في الأردن من المصادر الرسمية وتحديداً من وزير الصحة، وبلشت ألاحظ إنهم صاروا يتابعوا المؤتمرات الصحافية اللي بتعقدها الحكومة كل يوم، وما بردوا على الإشاعات اللي بتوصلهم عن طريق الواتساب".

"بدأت ألمس أن بناتي لم يعودوا يتعاملوا مع كورونا أنه شيء قاتل، ولمست مدى وعيهن بأهمية الوقاية"، تقول هبة، وتستشهد بمثال عندما كانت ابنتها تنظر من النافذة ووجدت أطفالاً يلعبون في الشارع، حيث علقت بقولها لأمها: "حتى لو ما في شرطي موجود غلط يلعبوا في الشارع لأنه خطر على حبايبهم".

وتختم هبة حماد بعودتها للتأكيد أن بث شعور الأمان للأطفال في زمن كورونا يبدأ وينتهي من الأم والأب، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أن يكون بطريقة فرض القوانين على الأطفال، بل يعتمد على طريقة إيصال المعلومة لهم بطريقة محببة، حيث ترى أنها إذا كانت بطريقة "فرض صف من القوانين" من الوارد جدا أن تنمو رغبة التمرد على هذه القوانين عند الطفل.

"هذه فترة مؤقتة"

ديما محبوبة، صحافية وأم لطفلين، تقول لرصيف22 عن تجربتها مع أطفالها ومحاولاتها لنزع فتيل الخوف من كورونا فيهم، خصوصاً في الفترة الحالية، أي مرحلة حظر التجول: "طبيعي كون أطفالي اعتادوا كثرة التحرك والاختلاط بالآخرين في المدرسة، إنهن يستاؤوا من حالة فرض بقائهم في المنزل هذه الفترة، لكنني دايماً بحكيلهم أن هذه فترة مؤقتة ومو أبدية، بحيث أنها ليست نمط حياة أبدي لهم، وبأكدلهم هالشي من خلال التوضيح إلهم بإنه الأمر ما بخصنا بس إحنا، إنما كل الناس هيك".

كما أنها تقوم بتشجيعهم على تحمّل هذه الحالة، وأنهم إذا أثبتوا قوة تحملهم ستقوم بمكافئتهم، وتنوه إلى زاوية أنه في الوقت الذي كانت فيه أجهزة الآي باد معضلة للأهالي في السابق، لأنها تشغل الأطفال وتجعلهم يتعلقون بها على حساب أشياء أخرى أكثر أهمية، باتت اليوم وفي مرحلة حظر التجول مصدراً مفيداً جداً، مثل مسألة التعليم عن بعد، والتي تحدث اليوم لطلاب المدارس الخاصة في الأردن، بحيث أصبح الآي باد اليوم يشغل وقتهم بالتالي يعزز شعورهم بالأمان.

كما تحرص ديما على ألا تشغل التلفاز أمام أبنائها خوفاً عليهم من سماع أخبار زيادة أعداد مصابي كورونا في الأردن، وتفاصيل هذا المرض، وتكتفي بقولها لطفليها: "في مرض برا ولازم نضل بالبيت وطول الوقت نغسل إيدينا"، وعندما شعرت أن هناك حالة من الخوف عندما يسمعون نداءات الشرطة في الخارج قالت لهم: "الشرطة بدها نضل بالبيت عشان خايفة على صحتنا".

وتؤكد ديما أن الأمر ليس بالهين على الأمهات في هذه الفترة الصعبة، وختمت بقولها: "فهمت ولادي إنه الوضع مؤقت، بس ما بأملهم متى رح يخلص".

"تترك الأحداث غير السارة أثراً نفسياً سلبياً لدى الأطفال، إذ أصبحوا يشاهدون أحداثاً مؤلمة تتعلق بحياة الناس وتحبس الأنفاس خوفاً من القادم، وكل ذلك أدى إلى توتر وضغط نفسي كبير انعكس على تصرفاتهم وسلوكهم اليومي حتى أثناء متابعة عمليات التعلم عن بعد"... الخبير الأسري، د.عايش النوايسة في حديث لرصيف22

التقرّب من الأطفال

الدكتور عايش النوايسة، وهو خبير أسري، يقول لرصيف22: "أفرزت الأزمة الأخيرة تغييراً كبيراً ومفاجئاً في طبيعة حياة الأطفال في المجتمع الأردني، وتغيّرت طريقة تعلمهم وحتى لعبهم، إذ تغيرت طبيعة الحياة اليومية لهم وأصبحوا، نتيجة الإجراءات الحكومية المتعلقة بحظر التجول، ملزمين على المكوث في البيت وعدم مغادرته، ولديهم تساؤلات كثيرة عما يجري ولماذا كل هذا؟".

ويضيف: "إن الطريقة المثلى في التعامل مع الأبناء في مثل هذا الظروف تتمثّل في التقرب منهم ومشاركتهم أفكارهم وألعابهم وتشجيعهم على الجوانب الإيجابية في الحياة، ولا بد من الحد من استخدامهم للإنترنت بشكل كبير، والاستفادة من الوقت المتاح في التقرب من الأبناء وبناء علاقة إيجابية معهم".

ويعتبر الدكتور النوايسة أنه على الأسر العمل على تقليل ساعات المشاهدة الإخبارية، وتوجيه الأطفال نحو البرامج الوثائقية والتعليمية، وذلك لتخفيف حدة التوتر اليومي، ومحاولة تهيئتهم إلى مرحلة ما بعد انتهاء المرض، وعلى المؤسسات التعليمية والمرشدين والمعلمين العمل أثناء فترة الحظر التواصل مع الطلبة ونشر الأفكار الإيجابية، وتوجيه الأطفال إلى أن هذا الحدث هو استثنائي ولن يتكرر، وأن القضاء على المرض بيدنا من خلال العناية بالنظافة الشخصية وغيرها.

الأحداث غير السارة لها بعد نفسي سلبي

وعن تبعات الحالة الاستثنائية على نفسية الأطفال مستقبلاً، سألت الدكتور النوايسة، وأجاب: "من المعروف أن الأحداث غير السارة تترك أثراً نفسياً سلبياً بعيد المدى لدى الأطفال، إذ أصبح الأطفال يشاهدون أحداثاً مؤلمة تتعلق بحياة الناس وتحبس الأنفاس خوفاً من القادم، وكل ذلك أدى إلى توتر وضغط نفسي كبير انعكس على تصرفاتهم وسلوكهم اليومي حتى أثناء متابعة عمليات التعلم عن بعد".

ونوّه في حديثه إلى أن هناك جانباً متعلّقاً بالحظر والبقاء في البيت لجميع الأسرة تحت ضغوط نفسية كبيرة، والتي تؤدي إلى مشاحنات منزلية كبيرة بين الأزواج ، بالتالي هي غالباً ما تنعكس على علاقتهم بالأبناء، فالصراخ على ضجيج الأطفال سيد الموقف اليومي في هذه الفترة لدى كثير من الأسر، كما أن صوت صافرة الإنذار وبقائها لفترة طويلة تولد خوفاً داخلياً لدى الطفل، وتصبح مرتبطة بحدث مزعج لديهم، وكما أن تواجد الأسر ولساعات طويلة أمام شاشات التلفاز لمتابعة آخر تطورات انتشار المرض يولد خوفاً وهلعاً داخلياً لدى الأطفال.

ونصح الدكتور النوايسة أنه وعند بدء الدوام المدرسي والعودة إلى المدارس، على الجميع في المؤسسات التعليمية العمل على تبني برامج توعوية ونفسية تعيد للأطفال التوازن النفسي، وتعالج الخلل الذي حدث نتيجة هذه الأزمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard