لئن تمكن فيروس كورونا المستجد من تعطيل عروض السينما والمسرح وكل الفنون في القاعات والمهرجانات، وجعل كل دولة تطوّق نفسها بعدد من الإجراءات والتدابير، إلا أنه لم يتمكن من إيقاف الفنان عن قيام بدوره تجاه جمهوره ووطنه.
اجتاح كوفيد-19 العالم، وخلَّف آلاف الضحايا، وحّد الفنانين التونسيين أكثر من أي وقت مضى، على ضرورة معاضدة جهود الدولة، وجعلهم يضطلعون بدور تحسيسي وتوعوي، كل حسب طريقته وإمكانياته.
"أضع كل ثروتي تحت تصرف بلدي"
وتحت شعار "شد دارك...نحن معاك"، انطلقت تفاعلات مشاهير تونس مع أول النداءات التي وجهتها وزارة الصحة التونسية بعد تسجيل أول إصابة بالبلاد في 2 مارس 2020، من أجل دعم القطاع الصحي، فمنهم من قرَّر الانخراط في حملة التحدي للتكفل بالعائلات ضعيفة الدخل، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومنهم من قام بدعم المستشفيات بالمواد الطبية الضرورية من معقمات ومواد تنظيف وأقنعة، ومنهم من اختار التبرع لصندوق 1818 الذي خُصِّص لدعم مستشفيات البلاد لمكافحة الفيروس المرعب.
وفي مبادرة أولى، قام مغني الراب كريم الغربي، المعروف بـ"كادوريم"، بشراء آلاف القفازات والكمامات والسوائل المطهرة، وتوزيعها على المستشفيات، ووحدات الحماية المدنية في مختلف محافظات تونس.
"فكرة حملة الفنانين الجماعية جاءت بعد تشابه مقترحاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تمحورت حول ضرورة دعم مجهود الدولة في مكافحة جائحة كورونا" الفنانة التونسية زازا لرصيف22
وقال "كادوريم"، في تصريحات للإعلام المحلي، إنه يضع "كل ثروته تحت تصرف تونس"، كدعم منه لجهودها في مكافحة انتشار كورونا، مُشدِّداً على أنَّه يعمل بالتنسيق مع جهات تونسية وأخرى أجنبية مختصَّة في الخارج، لتزويد عدد من الفئات الفقيرة وأصحاب دخل المحدود بالمساعدات اللازمة، حتى يتمكنوا من الالتزام بإجراءات الحجر الصحي العام الذي فرضته الحكومة في 20 مارس.
ودعا كادوريم، وهو طليق ابنة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الشعب التونسي للبقاء في المنازل واحترام الإجراءات الوقائية اللازمة، مقابل قيامه بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية بمدهم بالمواد الغذائية اللازمة وبما يستحقونه في حياتهم اليومية.
بالتنسيق مع جمعية "ناس الليل" الخيرية، انطلق مغني الراب في تنفيذ حملته الخاصة تحت شعار "شد دارك وأنا نتكفل بقوت صغارك"، إي "الزم بيتك وأنا أتكفل بأكل أطفالك".
وتوضيحاً لهذه المبادرة، قال رئيس الجمعية، معز بوخريص، إن كادوريم قام بتمويل وتوفير الإمكانيات الضرورية لاقتناء المواد الغذائية اللازمة لتوزيعها على العائلات المحتاجة في هذا الظرف الاستثنائي.
ويؤكد بوخريص في تصريح لرصيف22 أن "ناس الليل" بالشراكة مع الهلال الأحمر التونسي، قامواً بتنفيذ هذه الحملة في كامل محافظات البلاد، مشدداً على تواصل عمليات التوزيع لتشمل الآلاف العائلات.
ويدعو بوخريص في هذا الإطار، كافة مشاهير تونس لضرورة الاقتداء بكادوريم وبما يقوم به من أجل أبناء وطنه.
وعن المجهود الذي يقوم به فنان الراب التونسي، تقول منوبية النكاعي، ناشطة بالمجتمع المدني ومشاركة في هذه الحملة، إن كادوريم لم يقتصر على الدعم المادي الكبير فقط، وإنما يقوم أيضاً بمتابعة ومراقبة عمليات التوزيع عبر تواصله الهاتفي اليومي مع القائمين على الحملة، وفق تصريحها لرصيف22.
هذا واجبنا...ولن نتخلَّى عن تونس
وعلى خطى كادوريم، تقود الفنانة منال عمارة، بالشراكة مع الممثلة فريال يوسف، الفنانة "زازا"، أميمة طالب، المنتجة خولة السليماني وعدد من الفنانين الآخرين، حملة تبرعات لدعم المستشفيات والعائلات محدودة الدخل، وقامت مع زميلاتها بتجنيد صفحاتهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي لصالح هذه الحملة.
وفي حديث لرصيف22، قالت الفنانة "زازا" إن فكرة "حملة الفنانين الجماعية جاءت بعد تشابه مقترحاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي"، والتي تمحورت حول ضرورة دعم مجهود الدولة في مكافحة جائحة كورونا.
وتؤكد الفنانة التونسية أن خولة السليماني قامت بتجميعهن في مجموعة على تطبيق واتساب، ومن ثم انطلقن بالتعاون مع رئيسة جمعية one day one dream وباستغلال علاقاتهم وحساباتهم عبر تطبيق إنستغرام في جمع التبرعات الضرورية.
"تمكنا من جمع 27 ألف دولار لشراء معدات ومعقمات للمستشفيات".
وتشير زازا إلى أنها تمكنت ومعها زميلاتها إلى اليوم من جمع قرابة 80 ألف دينار تونسي (نحو27 ألف دولار أمريكي)، تم بفضلها اقتناء عدد من المعدات الطبية والمعقمات وتوزيعها على المستشفيات، منها مستشفى الرباطة بالعاصمة ومحافظة قفصة، وبرمجة مساعدات أخرى لمستشفيات محافظتي باجة والكاف.
ووفق زازا، فقد تم اقتناء الأقمشة الضرورية لصنع الكمامات الطبية، بعد تكفل عدد من الخياطات بخياطتها، وتم توزيعها على الإطارات الطبية بالمستشفيات وأعوان وزارة الداخلية والبلديات والحماية المدنية، بهدف حمايتهم أثناء أداء مهامهم.
وعن تواصل هذه المبادرة خلال الأيام المقبلة، تقول الفنانة التونسية: "سندعم بلدنا ونقف معها ونقوم بواجبنا إلى حين انتهاء الأزمة الاستثنائية التي تمر بها".
إضافة لجمع التبرعات ودعم المستشفيات، تكفلت زازا وأصدقاؤها بـ 200 عائلة فقيرة لمدة شهر: "زازا 20عائلة، أميمة 100 عائلة، خولة سليماني 20 عائلة وفريال يوسف 60 عائلة".
مبالغ مالية لدعم صندوق 1818
من جانبها، تبرعت الفنانة لطيفة العرفاوي بمبلغ 100 ألف دينار تونسي، لفائدة وزارتي الصحة والداخلية، وتكفلت بإيواء التونسيين العالقين في مصر في فندق بالقاهرة، مع إقامة مفتوحة إلى أن تم إجلاؤهم إلى تونس يوم 29 مارس 2020.
وجندت لطيفة حساباتها الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتعريف بكيفية التبرع لفائدة صندوق 1818 المخصص لمكافحة فيروس كورونا المستجد ودعم القطاع الصحي.
وحثت لطيفة في هذا السياق، الفنانين والإعلاميين ورجال وسيدات الأعمال على ضرورة التبرع ودعم بلادهم في هذه الأزمة، مقترحة على وزارة الثقافة وزملائها الفنانين بالقيام بجولات فنية حال انتهاء الأزمة، والتبرع بكامل مداخيلها لوزارة الصحة.
تبرعات بمبالغ مالية، وتكفّل بأسر، وتعويضات للمتضررين، وحملات دعم منسقة، ومقترحات لإقامة حفلات بعد الانتهاء من أزمة كورونا عائدها لدعم قطاع الصحة... ما يقوم به فنانون تونسيون
وقالت لطيفة في تغريدة على تويتر "أحب أقترح على وزارة الثقافة التونسية وكل حبايبى زملائي الفنانين والفنانات والإعلاميين والإعلاميات أن نقف وقفة عز مع تونسنا الخضراء، وأن تقوم كل مهرجانات هذا الصيف لو الظروف أحسن طبعاً بجولات فنية كلها لصالح صندوق يخصص لمساعدة وزارة الصحة".
بدورهما، تبرعت كل من الممثلة درة زروق، المقيمة في مصر بـ50 ألف دينار، وهند صبري ب50 ألف دينار تونسي لفائدة صندوق1818.
وقدرت التبرعات لفائدة هذا الصندوق، الذي خصص لدعم القطاع الصحي عقب النقائص الكبيرة المسجلة في مستشفيات البلاد، بـأكثر من 27 مليار، وفق ما أعلن عنه التلفزيون الرسمي.
الرقص للتشجيع على البقاء في المنزل
وعلى عكس الفنانين الذين بادروا بدعم جهود الدولة مادياً، اختارت الفنانة الاستعراضية نرمين صفر، الرقص لدعم بلادها في هذه الأزمة العالمية، وأطلقت، عبر صفحتها الرسمية بالفيسبوك، تحدياً تحت اسم "رقصة الكورونا".
وتسعي نرمين من خلال "رقصة الكورونا" لتشجيع التونسيين على البقاء في منازلهم والالتزام بالحجر الصحي الشامل، امتثالاً لقرار الحكومة التونسية.
مبادرة الفنانة الاستعراضية المتمثلة في بث وصلات رقص مباشرة، قوبلت بترحيب كبير من قبل التونسيين، إذ حققت إحدى سهراتها رقماً قياسياً تجاوز 150 ألف مشاهدة، بعد أن شاهدها في السهرة الأولى أكثر من 90 ألف متابع.
وترى نرمين في حديث لرصيف22، أنها تلعب دوراً هاماً للترفيه على التونسيين في ظل الأجواء الكئيبة والحزينة التي تعيش على وقعها شعوب العالم بسبب كوفيد19.
وتقول نرمين عن تجربتها: "نجحت في شد انتباه المشاهدين في تونس والعالم العربي، من خلال الرقص الذي أدخل البهجة والفرحة على قلوبهم".
"تمكنت من إبعاد التونسيين عن الخوف".
وتشير في هذا السياق، إلى أنها تمكنت بفنها الاستعراضي من إبعاد التونسيين عن الضغط النفسي والخوف الذي يعيشونه، بعد إجبارهم على البقاء في منازلهم وغلق المقاهي والملاهي الليلية.
ودعما لحملة "شد دارك" (الزم بيتك) التي أطلقتها وزارة الصحة، تؤكد نرمين أن الجلوس في المنزل يخلق ضغطاً نفسياً ويزيد من الخوف لدى التونسي، لذلك قررت تشجيعهم على البقاء في المنزل، مقابل تقديمها وصلات رقص مباشرة، والتواصل معهم يومياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حين انتهاء أزمة فيروس كورونا.
وبعد أن حققت نسب مشاهدة قياسية، قررت نرمين القيام بالبث الحي عبر اليوتيوب، من أجل تحقيق أرباح مادية والتبرع بها لفائدة القطاع الصحي في البلاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...