انتقادات حادة وُجّهت إلى مسؤولي منظمة الصحة العالمية، لا سيما مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على خلفية أزمة تفشي فيروس كورونا. وقد بلغت حد اتهام المنظمة بـ"التواطؤ" مع الصين لمنحها "امتيازات سياسية".
ويعتقد الآلاف أنه كان ممكناً تفادي مثل هذه الخسائر المادية والبشرية- أو التقليل منها- لو تعاملت الصين، وتالياً منظمة الصحة العالمية، مع الأزمة بشكل "أكثر جدية ومهنية" منذ البداية.
دعوات إلى الإقالة
تزعم عريضة دولية تستهدف جمع مليون توقيع، عبر منظمة "change.org"، أيّدها نحو 800 ألف شخص، أن "المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قلّل من شأن تفشي الفيروس"، قائلة: "نؤمن بقوة أنه لا يصلح لدوره مديراً عاماً للمنظمة ونطالبه بالاستقالة الفورية من منصبه".
وأوضحت العريضة أن سبب ذلك راجع إلى رفض غيبريسوس "في 23 كانون الثاني/ يناير عام 2020، إعلان تفشي فيروس كورونا في الصين كحالة طوارئ صحية عالمية". وأضافت: "يشعر الكثير منا بخيبة أمل حقيقية. نعتقد أن منظمة الصحة العالمية من المفترض أن تكون محايدة سياسياً، ولكن المدير العام الحالي للمنظمة يؤمن بشكل أعمى فقط بالوفيات والأرقام التي قدمتها الحكومة الصينية".
وأشار نائب رئيس الوزراء الياباني تارو أسو إلى الالتماس، موضحاً أن إطلاقه جاء عقب مخاوف من اضطرار منظمة الصحة العالمية إلى تغيير اسمها إلى "منظمة الصحة الصينية".
تهمة "التركيز على الإيجابيات"
الأسباب الواردة في العريضة ليست إلا نزراً يسيراً من الانتقادات الموجهة إلى المنظمة الأممية في تعاملها مع الأزمة، وتحديداً في ما يتعلق بموقفها من الصين إذ اتُهمت بـ"غض نظرها عن السلبيات".
بحسب تقرير مطوّل لمجلة "فورين بوليسي"، فإن الصين بعد الإنكار الأولي والتستر استوعبت بنجاح تفشي كورونا، لكن ليس قبل أن تُصدّر العديد من الحالات إلى بقية العالم.
ومما جاء في التقرير: "برغم أكاذيبها التي يُعتقد أنها لعبت دوراً حاسماً في تأخير الاستجابة العالمية للفيروس وخلّفت النتائج الكارثية الحالية، تحاول الصين الاستفادة من قصة نجاحها في مواجهة الفيروس بغية الصعود إلى موقع أقوى في الهيئات الصحية الدولية".
واعتبرت المجلة الأمريكية أن بكين نجحت في توجيه منظمة الصحة العالمية التي تتلقى تمويلاً من الصين، حيث ظلت المنظمة "تكرر المعلومات الواردة من السلطات الصينية من دون انتقاد أو تدقيق، متجاهلة تحذيرات الأطباء التايوانيين غير الممثلين في المنظمة".
وعندما بدأت الصين الإبلاغ يومياً عن عدد أقل من الإصابات الجديدة، أعلنت "الصحة العالمية" الفيروس التاجي "جائحةً عالمية"، في 11 آذار/مارس الماضي، بينما كان قد انتشر على نطاق واسع عالمياً.
برغم ذلك، استمرت المنظمة في "بث رسالة بكين"، بحسب وصف المجلة، إذ قال خبراء "الصحة العالمية"، في شباط/فبراير الماضي، بعدما زاروا الصين: "في مواجهة فيروس لم يكن معروفاً من قبل، ربما بذلت الصين أكثر الجهود طموحاً ونشاطاً واحتواءً للمرض في التاريخ".
دعوات في أماكن مختلفة من العالم إلى إقالة الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية بتهمة "التواطؤ مع الحكومة الصينية" و"تغليب السياسة على المهنية الطبية"... جولة على أداء المنظمة خلال أزمة كورونا وما قبلها
ولدى التوصية باتباع سياسة الصين لمكافحة الأوبئة للعالم، تجاهلت منظمة الصحة العالمية العوامل الخارجية السلبية، بدءاً بالأضرار الاقتصادية مروراً بالفشل في علاج العديد من المرضى غير المصابين بالفيروس التاجي، والتبعات النفسية لانتشاره، وصولاً إلى التكلفة الباهظة لحقوق الإنسان.
وصرّح مدير المعهد الصيني في جامعة "SOAS" في لندن ستيف تسانغ، لـ"فورين بوليسي"، بأن "أعظم نجاح للصين كان في جعل منظمة الصحة العالمية تركز على الجوانب الإيجابية لتعاملها (مع الفيروس) وتتجاهل الجوانب السلبية. مع تقديم المنظمة تعامل الصين بشكل إيجابي، أصبحت الحكومة الصينية قادرة على جعل حملتها الدعائية لتجاهل أخطائها تبدو ذات صدقية".
وفي تقاريرها المتعاقبة، شددت المنظمة على أن تعامل الشعب الصيني مع الأزمة جاء "شجاعاً". وفي حين قد ينطبق هذا على الكثيرين، تشير تقارير إلى أن البعض الآخر كان مدفوعاً على الأرجح بالخوف من قسوة العقوبات المقررة على مخالفي الإجراءات التي وصلت إلى السجن مدى الحياة.
مكاسب سياسية للصين
بحسب "فورين بوليسي"، فإن الصين خرجت من هذه الأزمة بـ"كلمة مسموعة، ليس لدى منظمة الصحة العالمية فحسب، بل أيضاً في السياسات الصحية لدى المزيد من بلدان العالم".
وأضافت المجلة: "هذا أيضاً أمر مهم لمبادرة ‘الحزام والطريق‘ الصينية ولأنشطتها في البلدان الأفريقية".
في سياق متصل، لفت الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود في ألمانيا تانكريد ستوب إلى أن دولاً عدة مثل لاوس وكمبوديا وتايلاند "لا يمكنها الهروب من نفوذ الصين".
وتجدر الإشارة إلى أنه بينما أغلقت كمبوديا حدودها أمام العديد من الدول الغربية، منذ منتصف آذار/مارس الماضي، بدأت تدريبات عسكرية شارك فيها مئات الجنود الصينيين، وقد اختتمت قبل أيام.
هل المنظمة مضطرة إلى المهادنة؟
على الجانب الآخر، يلتمس طرف آخر للمنظمة العذر في تعاملها مع الصين مع إشارة إلى أن "السياسة والاقتصاد ليسا بعيدين عن الصحة العالمية".
ويرى بعض هؤلاء أن المنظمة مضطرة إلى مهادنة السلطات الصينية، باعتبار أنها المصدر الرسمي الأكثر اطلاعاً على فيروس كورونا الذي لا يزال العلم والطب حائرين بشأنه.
وكثيراً ما وقعت "الصحة العالمية" في صراع بين مهمتها الواسعة لخدمة حاجات الصحة العامة في أنحاء العالم وبين الحقائق السياسية المرتبطة بتمويل المنظمة المكونة من 194 عضواً.
في عام 2014، وُصف أداء "الصحة العالمية" خلال أزمة إيبولا بـ"الفاشل جداً"، واتُهمت المنظمة بـ"ارتكاب سلسلة من الأخطاء الفادحة" في التعامل مع تفشي المرض، أبرزها الانتظار خمسة أشهر لإعلان "حالة طوارئ للصحة العامة ذات أهمية دولية"
وتعتمد موازنة المنظمة على نوعين من المساهمات: إجبارية من الأعضاء، وطوعيّة تمثل النسبة الكبرى من التمويل عادةً. وتأتي المساهمات الطوعية غالباً من بعض أكثر الدول الأعضاء نفوذاً، والمنظمات غير الحكومية والخيرية.
وعادة ما توجّه الجهات المانحة تمويلها نحو أغراض معيّنة، قد لا تتوافق مع الحاجات الملحة للصحة العامة في العالم، لكن أحد أسباب عدم رغبة ممولي المنظمة في منحها المزيد من المرونة في إنفاق تبرعاتهم هو أنهم لا يثقون بها، إذ عرقل الروتين البيروقراطي المتبع كثيراً قدرتها على الاستجابة لأزمات الصحة العامة العالمية.
وهذا نفسه ما عرّض المنظمة في مناسبات عدة لاتهام بأنها تفضّل أجندات أكثر الجهات المانحة قوة، إذ عقب تفشي فيروس H1N1 عام 2009، اتُهمت بتكييف استجابتها لتجاري المصالح الصيدلانية.
"الصحة العالمية" وأزمات سابقة
بالعودة إلى الانتقادات الموجهة إلى منظمة الصحة العالمية التي أُسست عام 1948، كإحدى الوكالات الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بتنسيق السياسة العالمية في مجالها، يتبيّن أنها تعرضت لانتقادات عديدة برغم تصدرها الكفاح العالمي ضد الأمراض المعدية منذ تأسيسها.
ومعروف أن إنجازات المنظمة بدأت عام 1980 بإعلان القضاء على "الجدري"، ثم لعبت دوراً فعالاً في القضاء على شلل الأطفال، ولقي سعيها إلى مكافحة السارس وفيروس زيكا "استحساناً".
في المقابل، اعتُبرت استجابتها الفاترة لتفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا عام 2014، "فاشلة جداً"، واتُهمت حينذاك بـ"ارتكاب سلسلة من الأخطاء الفادحة" في التعامل مع تفشي المرض، أبرزها الانتظار خمسة أشهر بعد ظهور الحالات الأولية لإعلان "حالة طوارئ للصحة العامة ذات أهمية دولية".
تُذكّر أزمة إيبولا بالأزمة الحالية على صعيد انتقاد المنظمة، لكن المفارقة أن أزمة إيبولا مهدت الطريق لانتخاب غيبريسوس مديراً عاماً للمنظمة عام 2017، خلفاً للصينية الكندية مارغريت تشان، ليصبح أول مدير عام للمنظمة من أصل أفريقي، وهو الأول الذي يشغل المنصب آتياً من خلفية سياسية غير طبية. وليس خافياً أن الأزمة الراهنة تهدد بإطاحته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون