شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
استغلالٌ وجشعٌ واحتكارٌ للبضائع… تجار زمن الكورونا في غزة

استغلالٌ وجشعٌ واحتكارٌ للبضائع… تجار زمن الكورونا في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 مارس 202007:14 م

صبيحة يوم الأحد الماضي، انتقل سائد المدهون الذي يقطن مخيّم جباليا، شمالي قطاع غزة، إلى السوق المركزية لشراء احتياجات أسرته الأسبوعية من طعام وشراب ومستلزمات صحية وغيرها، لكنه فوجئ بارتفاع أسعار السلع، وحين سأل أكثر من بائع عن السبب سمع أن "التجار الكبار" مسؤولون عن ذلك، فوحدهم من يمتلكون التحكم بالأسعار وتحديدها.

اشتكى المدهون في حديثه لرصيف22: "الأسبوع الماضي، زرت السوق وكانت الأسعار طبيعية، لكن الأمر اختلف قبل يومين؛ وعادت بي الذاكرة لأجواء التصعيد الإسرائيلي الذي ما إن كان يبدأ حتى يتجه بعض التجار، لرفع الأسعار واستغلال حاجة الناس"، مبيناً أنه كان مضطراً لشراء بعض الحاجيات بسعر السوق، لكنه فعل ذلك بامتعاضٍ شديد، "ولو كان لدينا في البيت الحد الأدنى من الأصناف لما اشتريتُ شيئاً"، على حدّ وصفه.

بدورها، أشارت صابرين ياغي التي تقطن في حي تل الهوا، جنوبي مدينة غزة، إلى أنها تنظر باستهجان شديد لأمر ارتفاع الأسعار الذي علمت فيه بدايةً من خلال منصات التواصل الاجتماعي، ثمّ شاهدته واقعاً حين زارت أحد المولات التجارية التي تقع على مقربة من سكنها، قائلة "بالنسبة لي، فكرة وصول جائحة كورونا أهون من مشاهدة تلك التصرفات غير الأخلاقية التي تتجاوز كل القيم والمعايير الإنسانية".

استغلال حاجة الناس

أعلنت وزارة الصحة في غزة، فجر الأحد الماضي، تسجيل إصابتين بفيروس كورونا لشخصين كانا عائدين من الخارج، يخضعان للحجر الصحي الإجباري المُقام على أرض مدينة رفح، جنوبي القطاع، ومنذ ذلك الحين زادت مخاوف الناس من خطر تفشي الفيروس في القطاع، الأمر الذي دفع بكثيرين ليُسارعوا نحو المتاجر والأسواق، لكن الجميع فوجئ بارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال ساعات معدودة.

ومن بين الأصناف التي اشتكى مواطنون من ارتفاع أسعارها كانت المنتجات الحيوانية التي تشمل الأجبان والألبان واللحوم المصنعة، حيث أن أحد التجار الذي يحتكر وكالة بعض الأصناف المستوردة رفع سعر توريد الكرتونة الواحدة حوالي 20%، كما أن بعض المزارع رفعت أسعار الخضار مثل البندورة والخيار والفلفل والبصل والبطاطا.

ورفعت بعض الصيدليات والشركات الطبية أسعار مواد التعقيم والكمامات والقفازات المطاطية بنسبة تتجاوز الـ30%، واتجهت بعض مزارع توريد البيض لرفع سعر الكرتونة التي تحتوي على ثلاثين بيضة لحوالي 35% فوق السعر الأصلي، إضافة لأن هناك الكثير من التجار الذين يعملون على التلاعب بأسعار البقوليات والحبوب، وفقاً لما تداوله ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي.

وعلى عكس ذلك، ذهبت بعض الشركات والمحلات لطمأنة المواطنين من خلال بيانات وتصريحات نشرتها عبر منصاتها الإلكترونية، مؤكدة فيها أنها لن ترفع أسعار منتجاتها وبضائعها، مهما تبّدل الحال، كما ذكرت أنها "ملتزمة أخلاقياً ومجتمعياً" تجاه حقوق سكان القطاع عليها.

بعد الإعلان عن إصابتي كورونا في غزة، ارتفعت أسعار مواد التعقيم والكمامات بنسبة تتجاوز الـ30% في بعض الصيدليات، وزاد سعر كرتونة البيض حوالي 35% فوق السعر الأصلي، كما ارتفعت أسعار الحبوب والخضار لدى العديد من التجار 

وفي حديثٍ لرصيف22، ذكر التاجر أبو لافي الذي يملك محلاً لبيع المواد الغذائية، وسط مدينة غزة، أنه لا يتوقع أن يكون الارتفاع الحاصل في أسعار بعض السلع ناتج عن الأزمة المالية أو ارتفاع سعر صرف الدولار كما يروّج البعض، وذلك لأن الارتفاع أصاب بعض السلع، دون الأخرى، وهذا بحد ذاته يؤكد على أن عملية التلاعب بالأسعار أمرٌ داخلي مرتبط ببعض كبار التجار في غزة.

أما التاجر إسماعيل قديح الذي يملك متجراً في مدينة خان يونس، جنوبي القطاع، فقد بيّن لرصيف22 أنه لا يزال ملتزماً بالأسعار القديمة، لأنه يمتلك مخزوناً جيداً من جميع الأصناف، يكفيه لسد احتياجات زبائنه لأيام طويلة قادمة، مشيراً إلى أن تدافع الناس إلى السوق هو من دفع بعض التجار لممارسة الاستغلال بحقهم، لأنهم يدركون جيداً طبيعة المجتمع الغزي الذي بات يعيش القلق من أي تطور، لاسيما وأنه عاش حالة الطوارئ لفترات طويلة.

والقطاع الذي يعيش منذ 14 عاماً حصاراً إسرائيلياً خانقاً يواجه مشكلة دخول البضائع في كثير من الأوقات، والقيود المفروضة على مرور عشرات الأصناف عبر معبر "كرم أبو سالم" المخصص للبضائع، بالإضافة إلى العراقيل على حركة التجار من وإلى القطاع عبر حاجز "إيرز" الواقع أقصى شمال القطاع والمخصص لتنقل الأفراد، الأمر الذي يؤثر على الحركة الاقتصادية بشكلٍ عام، ويساهم أساساً في وجود عجز بكميات البضائع المتاحة للسكان.

إجراءات حكومية لمحاربة الاستغلال

من جهته، أوضح رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف في بيانٍ صحافي أن الحكومة تساند الحملات الشعبية التي تهدف لكشف التجار والشركات المستغلة، مبيناً أنهم أصدروا تعليمات عن طريق وزارة الزراعة، لضمان استقرار أسعار المنتجات، كما عملوا على اعتقال أحد التجار المستغلين، والذي تم تداول اسمه في أكثر من قضية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولفت معروف إلى أن النيابة العامة ومعها الجهات المختصة الأخرى حررت 43 محضراً بحق تجار مخالفين، كما أجبرت 40 تاجراً على توقيع تعهدات قانونية تُلزمهم بعدم التلاعب في الأسعار، وتضعهم تحت طائلة القانون إذا ما قاموا بذلك.

"عادت بي الذاكرة لأجواء التصعيد الإسرائيلي الذي ما إن كان يبدأ حتى يتجه بعض التجار، لرفع الأسعار واستغلال حاجة الناس"... تجار في غزة يستقبلون خبر الإعلان عن إصابتي كورونا في القطاع برفع أسعار المواد الأساسية

وأشار الناطق باسم وزارة الاقتصاد عبد الفتاح موسى إلى أن الطواقم التفتيشية التابعة لهم، تعمل على مدار الساعة لكشف التجار المتلاعبين، موضحاً، في حديث لرصيف22، أنهم أصدروا قراراً بوقف تصدير الخضار من القطاع، لأجل تحفيز السوق المحلي، ولتبقى الأسعار في متناول المواطنين، ودعا المواطنين للتبليغ عن أي تجاوز يلاحظونه لدى المتاجر.

وغرد عشرات من الصحافيين والناشطين على منصات التواصل، منذ بدء الأزمة، بمنشوراتٍ استنكرت غلاء الأسعار وجشع التجار وممارسة بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية، حيث كتب الصحافي نضال الوحيدي عبر فيسبوك: "الحرب ضد الاستغلال عبر رفع أسعار المنتجات بالتزامن مع كل محنة تمرّ بها البلاد، أمرٌ جميل؛ لكن الأهم من ذلك هو مكافحة المتسولين باسم الشعب، الذين يجمعون المال دون حسيب أو رقيب".

وجاء ذلك في إشارةٍ منه لبعض الممارسات الناتجة عن "جمعية الفلاح" الخيرية، التي ظهر ملاكها وموظفوها في حملات تعقيم وفحص حرارة، جابت شوارع غزة، دون اتباع الإجراءات الصحية والقانونية، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية لإيقاف أنشطة تلك الجمعية، وتوجيه إنذار بإغلاق المركز الطبي التابع لها.

ومنذ اتجاه لجنة المتابعة الحكومية لإعلان حالة الطوارئ، وتعطيل المدارس، وإغلاق عدد كبير من المرافق العامة، انطلقت حملات مجتمعية ميدانية وإلكترونية عملت باتجاهين، الأول دعا كبرى الشركات والمؤسسات للالتزام بواجباتها المجتمعية تجاه سكان القطاع وتقديم المساعدات لهم، ليتمكنوا من الصمود في مواجهة خطر الفيروس.

أما الثاني، فاستغل الحالة القائمة لأجل جمع التبرعات الخارجية، وصدّر نفسه كعاملٍ فاعل في الميدان، يصطف إلى جانب الجهات المعنية لمواجهة الأزمة، لكن الإجراءات الحكومية عملت على مكافحة الظاهرة، كما شنّ ناشطون أكثر من هجومٍ على شخصيات حكومية وأصحاب شركات يلتزمون الصمت تجاه الأزمة رغم قدرتهم على المساعدة بشكلٍ فعّال.

يُذكر أن القدرة الشرائية لدى المواطنين في غزة تُعتبر من بين الأضعف عالمياً، وذلك بسبب ارتفاع نسبة الفقر التي بلغت وفقاً لبيانات وزارة التنمية الاجتماعية حوالي 75% العام الماضي.

وفي البيانات الصادرة عن اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة، تبيّن أن المواطنين في القطاع يعيشون انعدام الأمن الغذائي بنسبة وصلت لـ70%، إضافة إلى تجاوز نسبة البطالة حد الـ70%.

ليست المرّة الأولى

ليست هذه المرة الأولى التي يستغل فيها تجار غزيون المواطنين، ففي أوقات كثيرة عاش القطاع حالة طوارئ شهدت ممارسات مماثلة، وذلك على الرغم من تأكيد الجهات الحكومية في كل مرة أنها تحاول الحد من تلك الظاهرة، من خلال اتخاذها لإجراءات صارمة، تصل أحياناً للاعتقال وإغلاق نقاط بيع ومتاجر وتعطيل عمل مؤسسات.

ليست هذه المرة الأولى التي يستغل فيها تجار غزيون المواطنين، ففي أوقات كثيرة عاش القطاع حالة الطوارئ شهدت ممارسات مماثلة.

وخلال العدوان الإسرائيلي الذي عاشه القطاع عام 2014 لمدة 51 يوماً، عانى المواطنون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي شملت الدقيق والسكر والأرز والعدس وغيرها، بشكلٍ جنوني، وصل حد عدم توافرها للمستهلكين، وذلك على الرغم من أن المعابر الإسرائيلية، كانت تعمل آنذاك على مدار الساعة، وكانت تدخل عبرها مئات الشاحنات المحملة بالبضائع والمساعدات يومياً.

ومن أوجه الاستغلال الأخرى التي شهدها أهل غزة خلال الحرب وبعدها مباشرة الارتفاع الجنوني في إيجارات المنازل، حيث اضطر المواطنون الذين تدمرت منازلهم نتيجة القصف الإسرائيلي لاستئجار منازل بديلة، لحين إعمار منازلهم. وقتذاك، وصل ثمن إيجار البيت الواحد شهرياً لأكثر من 200 دولار، مع أنه لا يتجاوز الـ130 دولار في أحسن الأحوال.

وفي عام 2012 خاض المواطنون كذلك، جدلاً كبيراً مع مشكلة ارتفاع الأسعار التي بدأت بمجرد تغيّر أسعار الدولار في السوق آنذاك، وأشارت بعض التقارير الصحافية إلى أن أسعار سلع متنوعة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً. حينها، عملت الجهات الحكومية على مكافحة الأمر، لكن دون جدوى فعلية، لاسيما وأن نقاط وأماكن البيع في القطاع منتشرة بشكلٍ واسع، ويصعب السيطرة عليها بصورةٍ كاملة.

بدوره، ذكر المختص في الشأن الاقتصادي ماهر الطبّاع لرصيف22 أن الارتفاع الحاصل في الأسعار لا يمكن تبريره بتلك الأسباب، لعدد من العوامل، أولها أنه أصاب أصنافاً دون غيرها، كما أن ارتفاع الأسعار تزامن بشكلٍ كبير مع الإعلان عن الإصابات في غزة، إضافة لأنه ركز على المواد والسلع الأساسية التي يُقبل المواطنون على شرائها خلال أوقات الأزمات بشكلٍ كبير، وغير اعتيادي.

ولفت خلال حديثه إلى أن مواجهة ذلك الارتفاع تتم عبر الإجراءات الحكومية المشددة التي لا تتساهل أبداً مع تصرف يقع ضمن الإطار، حتى لو كان صغيراً، إضافة إلى إمكانية أن يُساهم الرأي العام في الحد من تلك التصرفات من خلال مقاطعة الشركات المستغلة ومحاربتها، عبر الشراء من المنافسين، منبهاً إلى أن إدارة الحكومة في غزة للأزمة تسير حتى هذه اللحظة بشكلٍ صحيح يتناسب مع الحالة التي يعيشها الناس.

ورأى الكاتب محمد لقان أن الأزمات يجب أن تدفع المواطنين للتكاتف والتضافر مع بعضهم، لمواجهة الأخطار، لكن "ما نراه اليوم للأسف الشديد هو جشع وطمع من تجار لا يمتلكون ضميراً ومشاعر إنسانية"، لافتاً إلى أن الناس في القطاع كانوا يأملون أن يراعي التجار حالتهم، وأن يكونوا لهم سنداً وعوناً، ويقدموا لهم المساعدات والاحتياجات بأسعارٍ منخفضة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image