سخرية وبهجة
إذا نظرت من السطح على ردود أفعال الغزيين على عدم وصول فيروس كورونا إلى القطاع المحاصر، قد تلحظ سعادة وبهجة، على الرغم من إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، بعد تسجيل إصابات في بيت لحم وطولكرم، ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لإعلان حالة الطوارئ، تبعها تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وتنفيذ سلسلة من الخطوات الوقائية والاحترازية لمنع انتشار الفيروس.
من ناحية أخرى، سجلت الأماكن العامة في غزة تواجد المئات من المواطنين الذين خرجوا برفقة أبنائهم، خاصة إلى الملاهي ومدن ألعاب الأطفال، وكما اصطف آخرون على الكورنيش، المكان الأكثر استقطاباً للمواطنين، وبات المشهد مشابهاً لأيام العيد، فوصف بعض النشطاء المشهد: "غزة تشهد ثاني أيام عيد كورونا".
سجلت الأماكن العامة في القطاع المحاصر تواجد مئات المواطنين، برفقة أبنائهم، خاصة الملاهي، والكورنيش، ما دفع بعض النشطاء لوصف المشهد بأن "غزة تشهد ثاني أيام عيد كورونا"
ولم يقتصر نشاط الغزيين على ذلك، بل يمكنكم ملاحظة تجمع مواطنين في المقاهي والمطاعم دون أي تدابير احترازية، وخاصة ضد التلامس المباشر في هذه الأماكن كونها مغلقة، وذلك على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية من سهولة انتقال الفيروس بين مدخني الشيشة.
"يمزحون وينشرون الطمأنينة"
تباينت الآراء حول عدم حضور كورونا في غزة، مرجعة السبب للحصار الذي يمنع الفيروس من تخطي الحدود، لتسجل منصات التواصل الاجتماعي جملة من الردود الساخرة حول الحصار وكورونا، حيث ربط البعض بين الحصار وعدم تسلل كورونا إلى غزة.
يرى الصحافي محمد السيقلي، أن الحديث عن أن هناك فوائد للحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاماً، وأن الحصار حال دون تسجيل حالات كورونا في قطاع غزة، وجنّب الغزيين الأوبئة والأمراض، ضرب من ضروب اللاعقلانية، ذلك أن الحصار لم يكن سبباً في عدم إصابة أهالي غزة بفيروس كورونا، فهناك العديد من الدول ليست محاصرة ولم يصبها الفيروس، وهناك محافظات في الضفة لم تسجل أي إصابة.
"الحديث عن أن للحصار فوائد فيه شيء من اللغط، وربما أن الغزيين يتحدثون عن الأمر إما من باب المزاح وإما لبث الطمأنينة"، يقول السيقلي.
ويختلف مع السيقلي المحامي يوسف الحداد، فيقول لرصيف22: "إننا لا ننكر أن الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي جريمة دولية يعاقب عليها القانون، إلا أن لهذا الحصار فوائد وله إيجابيات على قطاع غزة، في ظل انتشار فيروس كورونا العالمي، إذ إن هذا الحصار جعل من قطاع غزة مكاناً آمناً، بل الأكثر أمناً في العالم".
بينما يرى الباحث القانوني، عبد الله شرشرة، أن سخرية الغزيين تعكس "قلقاً من المجهول"، يقول لرصيف22: "الناس في قطاع غزة يتناولون المسألة بخليط من السخرية والقلق من المجهول، أحيانا السخرية هي وجه من أوجه القلق ذاته، فالناس عاشوا عقداً من الزمان كانوا خلاله في منتصف بؤرة توتر عالمي، أما الآن فهم يعيشون في منطقة آمنة، فيما أصبح العالم الذي كان الهجرة إليه حلماً هو بؤرة تفشي مرض خطير يهدد العالم أجمع.. هذا يدفع الناس للسخرية من هذا الواقع، من جانب آخر، المسؤولون الحكوميون يبالغون في ثقتهم بأن الوضع في قطاع غزة جيد، والسخرية من هذه المسألة هي وجه من أوجه القلق، الخوف وانعدام الثقة المغلفة بطابع ساخر".
"السخرية تعكس القلق والخوف وانعدام الثقة".
ويعلق الكاتب مصطفى إبراهيم، في حديث لرصيف22: "حتى الآن لا إصابات معلنة في غزة، وربما نجح الحصار في حمايتها إلى حد ما حتى اللحظة من تسلل كورونا إليها، ويبدو أن الحصار بقساوته قدّم لأهل غزة شيئاً من الوقاية التي ما زالت مدار بحث ومناكفات".
وقد اعتاد المواطنون في غزة النظر دوماً للافتة تكمن على "مفرق السرايا"، أحد أهم المفارق في المدينة، لما تحمله من رسائل لدول العالم أو لحدث وطني، ولكن الملفت قيام أحد المصممين بإعداد صورة مركبة لصورة اللافتة كتب عليها، على لسان فيروس كورونا: "أهل غزة لا داعي للقلق، يا أهل غزة لا داعي لأعمال الوقاية والطوارئ في قطاع غزة، فلن أقترب من غزة، ومن هذا الشعب المحاصر المغلوب على أمره، وسأقيد وأفرض الحصار على كل حريات الدول التي شاركت بحصار غزة سأجعلهم يحاصرون أنفسهم مثلما حاصروا غزة".
ودفعت هذه الصورة المركبة التي نشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي النشطاء للتعليق عليها، بأن فوائد الحصار هروب كورونا للدول الأخرى وعدم وصوله لقطاع غزة.
"صياد وجدي عنده العلاج"
بشكل معاكس، تأخذ أغلب وسائل الإعلام العاملة في فلسطين الفيروس على محمل الجد، لتنطلق جملة من البرامج والمواد الإعلامية لنشر الوعي بين صفوف المواطنين، ولكن في زاوية أخرى سُجلت العديد من الردود الساخرة.
لم تتوقف المذيعة حياة أبو عيادة، العاملة في "إذاعة الشعب" عن الضحك خلال حديثها لرصيف22، فقد بادرت بإرسال بعض الردود التي امتزجت بالسخرية، تقول: "خلال حديثي مع أحد المواطنين الذين تواصلوا مع (صوت الشعب)، دار بيننا الحوار التالي:
= ألو صوت الشعب
- تفضل معك.
= انا صياد وعندي علاج للكورونا
- من وين جبته؟
=جدي أعطاني الوصفة قبل ما يموت
- طيب وشو المطلوب
= بدي اطلع على الهوا أطمن العالم، ما تقلقوش يا جماعة احنا بنحلكو، بس بمقابل وجاهز للحديث عن العلاج".
وقال لها أحد المواطنين أيضاً: "أنا لو أصبت بفيروس كورونا شو أساعد بانتشار هذا الوباء في غزة، وبالذات قياداتنا".
تعلق أبو قيادة: "يجب على الناس الشعور بمخاطر الوباء لتجنب أي فعل يساهم بانتشاره".
بين الوقاية واللا مبالة
لم تسجل أي إصابات في غزة، في المقابل قام بعض أصحاب المحلات التجارية، المنشآت الصناعية، البنوك والبلديات، باتخاذ إجراءات احترازية، من خلال تعقيم المرافق بمطهرات، ونشر الوعي بين الزائرين من خلال توزيع نشرات توعوية، وإلزام الضيف بتعقيم يديه من خلال وضع عبوة تعقيم عند مدخل المؤسسة أو المحل التجاري.
"راسل مواطن إعلامية بإذاعة محلية: "لو أصبت بفيروس كورونا كيف أنشره بين قياداتنا؟"
وبات هناك صنفان في قطاع غزة من الناس، صنف يأخذ فيروس كورونا ومخاطر تفشيه على محمل الجد، حيث يتخذ إجراءات وقائية في إطار الوقاية من الفيروس، ويحرص على نشر ثقافة الوعي بالفيروس، لكن في المقابل هناك من يأخذ الأمر على محمل السخرية ولا يبالي.
يوضح الصحفي سفيان الشوربجي، رؤيته حيال ردود الأفعال المفرطة في تساهلها مع خطورة كورونا، في حديث لرصيف22: "الشعب الفلسطيني بغزة دوماً يأخذ الأمور بكل بساطة، ولكن كيف ستكون حقيقة المشهد عقب اكتشاف إصابة بفيروس، سنشاهد وضعاً مختلفاً، جراء ظهور حرص كبير من قبل المواطنين بعدم التجمع في الأماكن العامة وخاصة الأسواق، وستظهر علامات الخوف، وستغيب الراحة الموجودة والسخرية".
على الرغم من تأخر اتخاذ قرار مسؤول من قبل حكومة حماس في غزة، إلا أن وكيل وزارة الداخلية والأمن الوطني، اللواء توفيق أبو نعيم، أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده، إغلاق معابر قطاع غزة بشكل كامل في كلا الاتجاهين، إلا في الحالات الطارئة جداً، والتي تتم دراستها بشكل منفرد، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية من الفيروس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع