"المؤامرات كالجراثيم: تتكاثر في كلّ لحظة وفي كلّ مكان، ولا يمكن إبادتها، وإنما يمكن العمل على تقوية المناعة في أجسادنا لصدّها"، هكذا وصف الرئيس السوري بشار الأسد ما يجري في سوريا عام 2011 بعد اندلاع الاحتجاجات بثلاثة أشهر.
بعد تسع سنواتٍ من حديث الرئيس بشار الأسد عن "جراثيم" مجازيّة تنتشر في بلاده، تحدّث وزير الصحة في نظامه عن الجراثيم، لكن هذه المرة في سياقٍ مختلفٍ تماماً، قال: "الحمد لله، الجيش العربي السوري طهّر الكثير من الجراثيم الموجودة على أرض سوريا".
كلام الوزير نزار وهبة يازجي جاء في معرض "رسالة طمأنة" وجهها، في 10 آذار / مارس، للمواطنين الّذين "يتخوّفون" من انتشار فايروس كورونا في سوريا.
معلوم أن عدد الإصابات بمرض كوفيد-19 الناتج عن كورونا فايروس المستجدّ فاق الـ200 ألف في 156 دولة، وأودى بحياة حوالى 8000 شخص حتى الآن، بحسب جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل تعتّم الحكومة على إصاباتٍ أم لا تدري بوجودها أصلاً؟
لكنّ اليازجي لا يزال يصرّ على عدم وجود أي إصابة بفيروس كورونا في سوريا. تشاركه في هذا الرأي منظمة الصحة العالمية التي قالت: "لم يتمّ رصد أيّ حالة للإصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا"، بحسب ما نقلته قناة روسيا اليوم. وأضافت المنظمة: "بات ممكناً إجراء فحوص في كلّ الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة، ومناطق شمال الغرب، التي تسيطر عليها المعارضة".
طبيب سوري: "يذكّرني تعامل الحكومة السورية مع فيروس كورونا بأولئك الّذين يخرجون في برد الشتاء القارس من دون معطف أو ‘بالشورت والتي شيرت’… ما الفائدة من استعراض العضلات هذا؟"
برغم ذلك تتخذ سوريا إجراءات احتياطية فاقت ما اتّخذته بعض الدول التي ظهرت لديها إصابات بالفيروس: أغلقت الحكومة المطاعم، والمقاهي، والحانات، ومحالّ الوجبات السريعة، والحدائق، ودور السينما، والمسارح، والنوادي الليلية، وصالات الأفراح والعزاء، والنوادي الرياضية، وملاهي الأطفال، وصالات ألعاب الأطفال، ومقاهي الإنترنت. كما علّقت الدوام في الجامعات، والمدارس، والمعاهد التقانية العامة والخاصة.
تثير هذه الإجراءات شكوك السوريين. يتناقل الناس كلاماً عن احتمال وجود حالات تغطّي الحكومة السورية عليها، خصوصاً في ظلّ حالة الحرب التي تعيشها البلاد، واستمرار دخول أجانب، تحديداً من إيران والعراق ولبنان قبل منع سوريا الحركة والطيران مع تلك الدول وغيرها.
"يذكّرني تعامل الحكومة السورية مع فيروس كورونا بأولئك الّذين يخرجون في برد الشتاء القارس من دون معطف أو ربما 'بالشورت والتي شيرت'… ما الفائدة من استعراض العضلات هذا؟"، قال مؤيَّد الحايك، طبيب سوري مقيم في تركيا، مصراً على أن هنالك "مئات الحالات" في سوريا، لا تعلن عنها الحكومة التي هي الآن "في ورطة" بحسب رأيه.
وأضاف: "ما أخشاه هو أنّ الحكومة تعتقد فعلاً أن بإمكانها احتواء الحالات الموجودة من خلال إجراءات الوقاية فقط. فات الأوان على ذلك".
استخفاف بالأمراض وعدم توفّر الفحوص
يؤيد طبيب في إحدى مستشفيات العاصمة السورية رأي الحايك، إلّا أنّه يخالفه بشأن إعلان الحكومة.
"عدم تسجيل إصابات لا يعني عدم وجودها،" قال الطبيب، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه لا يملك تصريحاً من إدارة المستشفى.
وأضاف: "حتى لو كانت الحكومة صادقةً في إعلانها أنّ لا إصابات مسجّلةً حتى اليوم، إلّا أن المشكلة تكمن في عدم إمكان الناس من تسجيل إصاباتهم".
“غير خطر” وأغلب الحالات "عرضية تشبه نزلة البرد ولا تحتاج علاجاً"… تعرف أكثر على فيروس كورونا مع الإعلام الرسمي السوري
وفي حين تتخذ الحكومة إجراءاتٍ تعلّق بموجبها مختلف أوجه الحياة العامة، لا تتيح الفرصة للمواطنين ممن تظهر عليهم أعراض المرض لفحص أنفسهم في المستشفيات، ولا تتعامل بجدية مع خطورة هذا الفيروس في خطابها الإعلامي.
بحسب مصدرين طبّيين يعملان في مناطق سيطرة النظام، لا توجد أجهزة فحص للكشف عن الفيروس إلا في دمشق. وإذا أحسّ مواطنون بأعراض كوفيد-19 في سائر المناطق، ينبغي لهم إرسال مسحات (عينات طبية) إلى العاصمة لتحليلها.
يقول الطبيب في العاصمة إنّ معظم المستشفيات الحكومية لا تطلب تلك المَسحات أصلاً.
وتابع: "يعاملون المرضى باستخفاف، ويصفون لهم أدوية الإنفلونزا العادية من دون فحص لفيروس كورونا".
يمتد الاستخفاف بالفيروس إلى المؤسسات الإعلامية الحكومية. نشرت جريدة تشرين لقاءً مع "اختصاصي في علم الفيروسات الطبية وعلم المناعة والأمصال" اسمه مجد نزار بريك هنيدي، الذي قال إن فيروس كورونا "غير خطر" ونسبة الشفاء منه "تتجاوز الـ97 %"، وأغلب الحالات "عرضية تشبه نزلة البرد ولا تحتاج علاجاً".
ويتحدث أطباء وغير أطباء عبر الشاشات التلفزيونية والإذاعة السورية الرسمية بشكل مستمر، قائلين إن كوفيد-19 مرض عرضي ولا داعي للقلق منه، وهذا ما يجعل المواطنين مترددين في إجراء الفحوص اللازمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...