شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رجل اقتلع عينيّ زوجته في الأردن… متى سنحظى بإرادة سياسية لحماية النساء؟

رجل اقتلع عينيّ زوجته في الأردن… متى سنحظى بإرادة سياسية لحماية النساء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 9 نوفمبر 201904:36 م

لا أبالغ لو قلت إنني رأيت الخبر التالي: "رجل يقتلع عيني زوجته في محافظة جرش" في جميع صفحات الجرائد الرسمية وفي مواقع الأخبار اليومية وفي صفحات الأصدقاء، وسط استنكار تام للجريمة البشعة، وتعليقات تندد بهذا الفعل الوحشي.

حدثت هذه الجريمة يوم الجمعة الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وقد صدر بيان عن الأمن العام يفيد أن حادثة الاعتداء نتج عنها عمى بنسبة مئة بالمئة وتم القبض على الزوج. مثل هذه الحالات من التعنيف والاعتداء على المرأة تنتشر سريعاً في الأردن وتتناقلها وسائل الإعلام، ويتصدر الحديث عنها والتذكير بالقوانين الرادعة لها خطابات الجمعيات النسوية، إلّا أنها لم تتوقف بل إنها تتزايد في ظل الجهل المجتمعي والإنكار الدائم تحت عنوان: حالات فردية، والخوف من الوقوف أمام المشكلة وتفكيكها وتحليلها، لأن المجتمع ككل أضعف من أن يعترف بأن المصدر الأساسي لهذا الجرم وغيره، هو التربية الذكورية وعدم الثقة بالمرأة كإنسان كامل.

وسط البيئة المجتمعية الحاضنة للذكر والداعمة لسلطته على كل النساء المحيطات به؛ أخت، أم وزوجة، يمكننا التنبؤ بحجم الخطر الذي تتعرض له النساء، هذه البيئة التي تجرم المرأة التي تفكر في الانفصال عن زوجها وتجنّد آلاف القامعين لهذا القرار، وتحفّه بعدد لا نهائي من المتاعب والنتائج إن اتخذ، كما تفترض أن فعل الانفصال هذا سينتج عنه امرأة "منحلّة أخلاقياً"، بالإضافة لعدم قدرتها على تربية أولادها، البيئة نفسها التي تعطي الرجل الحق باتخاذ القرار عن مكان ونوع العمل المسموح أن تمارسه أخته –إن سمح لها بالعمل- وتمنحه الحق في مراقبتها وتتبع سلوكها، وقتلها في حال وجود علاقة تربطها برجل ما، تندد بحادثة الأمس وتطالب بأقسى العقوبات على الزوج.

لكن الأحداث الماضية من تعنيف وقتل للنساء لم ننسها بعد: إن المجتمع الرافض والمستنكر للأفعال اللاإنسانية هذه هو من عبّد الطريق لها ووضع سوراً عالياً حولها يُدعى العادات والتقاليد والعيب، نسبة لا بأس بها من الرجال المستنكرة لاقتلاع عيني الزوجة يوم أمس، هي نفسها التي ستقوم بفعل قمعي آخر تجاه إحدى نساء العائلة إذا قررت أن تعيش لوحدها، أو أن تنزع حجابها.

عدد ضحايا العنف من النساء في الأردن، في إحصائية نشرت في آذار/ مارس 2019 عن وزارة الشؤون المدنية هو 5240 حالة، وبينت الاحصائية أن المستفيدات من دور إيواء النساء المتعرضات للعنف هو 810 نساء فقط. توجد خمسة دور للحماية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية الأردنية، وتصريحات مستمرة من الوزارة عن نيتها بفتح دور جديدة وتغطية كافة مناطق المملكة، بما أن الدور الحالية تغطي منطقة العاصمة عمان ومحافظة إربد فقط، والكثير من المهمشات والمسحوقات تحت عجلات الذكورة والتعنيف متواجدات في المناطق النائية والقرى البعيدة المنسية.

كشفت دراسة قام به المجلس الوطني لشؤون الأسرة مؤخراً، أن العنف الجسدي هو الأكثر انتشاراً في الأردن بنسبة تقدر بـ86%، وذكرت الدراسة أن الذكور هم من يرتكبون الأفعال العنيفة في أغلب الحالات.

يُسمع هذا الحديث ويتم يتداوله بشكل دائم في المجتمع الأردني، جميعنا نتحدث لبعضنا عن قصص النساء التي نسمعها نقلاً عن محامين أصدقاء، أو عن أقارب ومعارف، ونتداولها في الحديث الذي نجرّم فيه الرجل ونصفه بأقذع العبارات، متناسيات تماماً أننا كنساء نشكّل للرجل النموذج الأول، وربما أنه يتعلم العنف من تراخي بعض الأمهات وتهاونهن معه إن أول أمر يسمعه الطفل الذكر هو: دير بالك على أختك منيح، مما شكل في وعيه الأصلي أنها لا تملك حماية نفسها بالتالي هو أكثر معرفة متى يحميها وكيف..

في تصريح للأستاذة سلمى النمس، الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة، عبر صفحتها في موقع فيسبوك حول جريمة أمس قالت:

"لن أتحدث عن فظاعة ما حدث في جريمة جرش، ببعدها الوحشي واللاإنساني، لأنني افترض أن كل إنسان بالغ عاقل لديه أدنى درجة من الإنسانية لن يختلف على ذلك. وإذا سأل أي كان نفسه: "بس أبصر شو عاملة؟"؛ فليراجع نفسه وإنسانيته وقيمه قبل أن يتفوه بها في العلن".

إن النساء العاملات في مجال حقوق المرأة وحمايتها من العنف هن الأكثر تعرضاً للتنمر والإساءة بين كل النساء، بل والمتهمات دائماً بتبعيّتهن لجهات ممولة مشكوك في أمرها، والعجيب في كل هذا أن المجتمع بأكمله يسأل من يوم أمس: أين المنظمات النسوية؟

حالات العنف ضد المرأة هي بتزايد في ظل إنكار دائم تحت مسمى: حالات فردية، والخوف من مواجهة المشكلة، لأن المجتمع أضعف من أن يعترف بأن المصدر الأساسي لهذا الجرائم هي التربية الذكورية وعدم معاملة المرأة كإنسان 

كل ما يمكن أن يقال في ظل الجريمة البشعة التي حدثت في جرش، هو أننا جميعاً نتشارك المسؤولية عما حدث، وكل محاولة لتمكين المرأة ودعمها في مشروع استقلالها ستحدث فارقاً، وستنقذ بصر وحياة امرأة أخرى

إن العمل ضمن هذه البيئة المعقدة والمزاجية والتي تكيل بمكيالين، واحد مع المرأة والآخر ضدها، لا يمكن أن تحل فيها قضية العنف ضد المرأة ومن الصعب جداً أن تخف نسبة العنف على الأقل، وأضافت سلمى النمس: "الآن سيأتي أحدهم ويقول ماذا فعلتم؟ الحقيقية هي أننا أُرهقنا واستُنفذنا وتعبنا من المعارك الجانبية التي نواجهها عندما نقوم بأي جهد مؤسسي! الحقيقة هي: لا تستطيع مؤسسة واحدة- لا زالت الحكومة مترددة بالاعتراف بها أصلًا مؤسسياً، وحتى لو تم الاعتراف بها - لا تستطيع أن تحدث ثورة قيمية في المجتمع في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية في تحدي منظومة معقدة ومتشابكة تبرر العنف وتحميه! منظومة لا زالت تحمل خطاباً يُفصّل العدالة حسب رؤيته للمرأة ككائن فاقد للأهلية، ويرفض مفهوم المساواة والحقوق! ويفرض وصاية الرجل على المرأة. ثقافة معشعشة مؤسسياً واجتماعياً تعيد إنتاج العنف والتمييز، نواجهها كل يوم في كل اجتماع علني أو مغلق! أقول لكم نحن لم نختر هذا العمل لأنه مصدر رزق، ولكننا اخترناه لأننا نرفض الظلم ونرفض التمييز ولأن العيش بكرامة وأمان حق".

هل فكرنا في عواقب الأمر لو كان الرجل هو الضحية في حادثة أمس وقد اقتلعت عيناه تماماً؟ هل يمكن التنبؤ بحجم سيل التجريم والتخوين للمرأة المجرمة التي تقدم على فعل كهذا؟ ربما كانت ستعلو المطالبات لقمع أكبر للمرأة.

لا أمان للمرأة ولا حرية لها في دول لا تساويها بالرجل، ولا تعترف بأهليتها في تربية أطفالها عند الانفصال مثلاً، كل القوانين التي تقف مع المرأة تخبئ خلف ظهرها قوانين أخرى تمنعها من السفر برفقة أولادها إذا رفض ولي الأمر، وتحرمها من حضانتهم إذا قررت الزواج بعد انفصالها، وتحكم لهم بمبالغ مادية لا تتناسب مع مستوى الحياة في الأردن كنفقة، وعلى الأم أن تدبر نفسها، لذا تختار المرأة أن تصمت في الكثير من الحالات، لهذا بالذات خسرت امرأة بصرها على يد زوجها، عن أي إرهاب وسوداوية وغل نتحدث؟

كل ما يمكن أن يقال في ظل الجريمة البشعة التي حدثت في جرش، هو أننا جميعاً نتشارك المسؤولية عما حدث، على المرأة أن تتعلم في المدرسة ما هي حقوقها ولمن عليها أن تلجأ إن انتهك حقها في أبسط الأشياء، علينا نحن تقع الآن المسؤولية، كل معلومة صغيرة أو كبيرة تقدم للفتيات الصغيرات عن حقوقهن مهمة، وكل محاولة لتمكين المرأة ودعمها في مشروع استقلالها ستحدث فارقاً، وستنقذ بصر وحياة امرأة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image