شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
دفاع المرأة عن نفسها جريمة في مصر... أحكام حبس تلاحق نساء واجهن مغتصبين

دفاع المرأة عن نفسها جريمة في مصر... أحكام حبس تلاحق نساء واجهن مغتصبين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 8 نوفمبر 201902:29 م

بين الحين والآخر، يُثار جدل في الشارع المصري حول جرائم الشرف. وفي الفترة القريبة الماضية، اهتم الرأي العام المصري بقضيتين كانت بطلتيهما ربة منزل في قرية مصرية فقيرة في العقد الثاني من عمرها، وفتاة قاصرة مقيمة في إحدى قرى محافظة الجيزة.

تتشابه القصتان في بدايتيهما وفي سير التحقيقات حولهما، إذ ارتُكب فعل قتل في كل منهما، دفاعاً عن النفس ضد محاولة اغتصاب. لكن نهايتي القصتين مختلفتان حتى الآن، إذ حُكم على السيدة الأولى بالمؤبد بعد حبس احتياطي دام أكثر من عام، بينما أخلي سبيل الطفلة القاصرة والتي عُرفت إعلامياً بـ"فتاة العياط"، بعد حبس احتياطي دام نحو أربعة أشهر على ذمة القضية.

في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، أمر قاضي الأحداث في محكمة شمال الجيزة بتسليم "فتاة العياط" إلى ولي أمرها، على أن تستمر محكمة الطفل في محاكمتها بتهمة قتل سائق "ميكروباص" حاول الاعتداء عليها.

وكانت بداية القصة في 12 تموز/ يوليو الماضي، حين قامت الطفلة أميرة مرزوق بتسليم نفسها لأفراد قسم شرطة العياط، ودخلت عليهم وملابسها ملطخة بالدماء، وتحمل سكيناً، وأبلغتهم بأنها قتلت سائق سيارة ميكروباص حاول الاعتداء عليها، قائلة: "قتلت سواق كان عايز يعتدي عليا".

وقالت المحامية دينا المقدوم، عضو هيئة الدفاع في قضية فتاة العياط، لرصيف22 "إن النيابة أخلت سبيل الطفلة على ذمة القضية بعد أن تسلمت النيابة تقرير الطب الشرعي الخاص بالقضية، والذي أكد أن الفتاة قامت بارتكاب الجريمة بمفردها، وذلك في انتظار تحديد موعد جلسة للمحاكمة ستعقد في محكمة الطفل في الجيزة".

كما أشارت إلى أن الحبس الاحتياطي الذي قضته الطفلة ما هو إلا إجراء ضروري تقوم به النيابة أثناء التحقيق خاصة في جرائم القتل "حتى تتبين الوقائع للمحكمة وتتأكد من انتفاء مبرر استمراره".

في القصة الثانية، عاقبت محكمة جنايات الزقازيق في الشرقية ربة منزل بالسجن المؤبد، وهي أقصى عقوبة بعد الإعدام، على خلفية اتهامها بقتل فلاح حاول اغتصبها تحت تهديد السلاح بعد أن اقتحم منزلها في غياب زوجها، كما حكمت على زوجها وخاله بالسجن لمدة عام واحد لكلٍ منهما، بتهمة المشاركة في إخفاء جثة المجني عليه.

وطعنت دعاء (20 عاماً) المجني عليه بعدما حاول اغتصابها، هي التي تقطن وزوجها بالإيجار في الطابق الأرضي لمنزله. وكان قد حاول معاكستها قبل الواقعة بنحو 20 يوماً، إلا أنها صدته، فما كان منه إلا أن استغل غياب زوجها عن المنزل، وحاول اغتصابها بعدما هددها بسكين، فاستلت سكيناً وطعنته ثلاث طعنات أودت بحياته.

حيثيات الحكم أكدت أن القاضي استند إلى سمعة المتهمة الطيبة، مقارنةً بسمعة المجني عليه، والذي كان سيئ السمعة، على حد وصف التحريات الجنائية.

واستندت المحكمة في حكمها الصادر بعد نحو عام من حبسها الاحتياطي، إلى المادة 234 من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه "يُعاقب بالسجن المؤبد كل مَن قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد".

إخلال بمبدأ "الدفاع الشرعي"

وقال المحامي في الاستئناف العالي لمجلس الدولة ورئيس الوحدة القانونية في مؤسسة قضايا المرأة، إن شروط الحبس الاحتياطي تنتفي في حالة فتاة العياط وهي الخوف من هروب المتهم والخشية من الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود أو بالعبث بالأدلة أو القرائن المادية أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها، أو عدم وجود مسكن بعنوان ثابت للمتهم.

وأكد أن ما حدث مع فتاة العياط وربة المنزل فيه إخلال بمبدأ الدفاع الشرعي عن النفس وكأن النص القانوني غير مفعل في حالة ما إذا كان المتهم امرأة، مؤكداً أن الرجال الذين يتهمون بجرائم الشرف يحاكَمون بنفس القانون ويحصلون على البراءة في أغلب الأوقات.

ووفقاً لقانون العقوبات المصري فإن الدفاع الشرعي هو حق يتيح للشخص استخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرء خطر يهدد النفس أو المال بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر.

ونصت على حق الدفاع الشرعي عن النفس المواد من 245 إلى 251 من قانون العقوبات. ومن شروط الخطر الذي نص عليه القانون أنه لا يجوز للمدافع أن يرد إلا كل ما هو خطر يمكن أن يشكل ضرراً، وإذا كان الاعتداء مستمراً بحيث يكون قد بدأ ولم ينته بعد، فإذا ما انتهى لا يجوز.

ووفقاً لمواد القانون ذاته، إذا كان الخطر الذي يتعرض له الشخص "مشروعاً"، فإنه "يقع عليه التزام بتحمله دون أن يتصدّى له، وإلا اعتبر سلوكه جريمة"، كما في حالة الأب الذي "يستعمل حقه في تأديب ابنه بالضرب" أو "الزوج الذي يؤدب زوجته بالضرب".

"لا شرف في جرائم الشرف"

وتعليقاً على ذلك، قالت المحامية انتصار السعيد، رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون: "لا شرف في جرائم الشرف"، وأضافت أن "مواد قانون العقوبات نفسها والتي تنص على حق الدفاع عن النفس ميّزت بين المرأة والرجل ولذلك لا أستغرب حينما يتم الحكم على امرأة تعرّضت للاغتصاب أو تم اغتصابها بالفعل".

"وكأن القانون المصري غير مفعل في حالة ما إذا كان المتهم امرأة"، فالرجال الذين يتهمون بارتكاب جرائم الشرف يحاكَمون ويحصلون على البراءة في أغلب الأوقات، بينما المرأة التي تدافع عن نفسها ضد الاغتصاب قد تنال حكماً مؤبداً
"من حق المرأة الدفاع عن نفسها ضد مَن يحاول اغتصابها، وهذا أمر طبيعي، لكن القانون المصري أكد على ضرورة وقوع الفعل والاستمرار فيه حتى يتسنى للمرأة الدفاع عن حقها دون أن يُحكم عليها، وهذا أمر منافٍ للمنطق"

وأشارت إلى أن مؤسستها، وهي أحد أعضاء هيئة الدفاع عن فتاة العياط، أكدت أنه في الوقت الذي يحتفي فيه المجتمع بالرجال الذين يرتكبون جرائم قتل للدفاع عما يسمونه الشرف، خاض الإعلام والرأي العام حملة شرسة ضد فتاة العياط وانتشرت قصص وأقاويل تمس سمعتها وغير صحيحة بالمرة.

وعلقت على حكم المؤبد الذي صدر ضد ربة المنزل: "لا أرى فرقاً بين الاغتصاب والمحاولة، ففي الحالتين من حق المرأة الدفاع عن نفسها وهذا أمر طبيعي لكن القانون معيوب، إذ أكد على ضرورة وقوع الفعل والاستمرار فيه حتى يتسنى للمرأة الدفاع عن حقها دون أن يحكم عليها، وهذا أمر منافٍ للمنطق".

وأشارت إلى أن جرائم الشرف في مصر فيها تمييز بشكل فج، سواء على المستوى القانوني أو المجتمعي، فالمجتمع يحتفي بالرجل الذي يقتل زوجته بسبب الخيانة أو ابنته بسبب ما يسمى الشرف أما في القانون فقد "نصت المادة 61 من قانون العقوبات على إباحة التأديب بما لا يخالف الشريعة الإسلامية".

وأكدت أن "المجتمع لا يزال ينظر للمرأة نظرة دونية وهو ما يترجَم في العنف الذي يقع على النساء سواء من الأزواج أو الأسرة أو المجتمع".

"هيمنة ذكورية"

بدورها، قالت المحامية دينا المقدومي إن "العنف يمارس في منطقتنا العربية نظراً للهيمنة الذكورية"، مشيرةً إلى أنه "يتمثل أحياناً في التخويف والترهيب والاعتداء السلبي الخفي كالإهمال أو الحرمان الاقتصادي أو الإيذاء النفسي أو الجسدي".

وأكدت أن الوقت حان لنبذ ووقف العنف ضد المرأة والأطفال، وطالبت بضرورة "تشريع قوانين في منتهى الحسم للحد من هذه الجرائم".

وتعيد الباحثة في علم النفس والاجتماع في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية سوسن الفايد المشكلة إلى أساسها وتقول إن "المجتمع أصبح في دائرة عنف لا تنتهي فالعنف يولد عنفاً، وأكدت أن غياب الترابط المؤسسي وتقديم مشروع حقيقي يرتقي بتفكير المواطن وثقافته ساهم في انتشار العنف ضد المرأة في المجتمع المصري".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard