رغم مرور السنوات وتغيير التقاليد والطقوس، والحداثة التي شهدتها إيران طوال العقود الأخيرة، لكن هناك الكثير من التقاليد التي لا يزال الإيرانيون يقومون بها، خاصة التقاليد المتعلقة بحلول العام الإيراني الجديد والربيع. "جهارشنبه سوري"، هو أحد الاحتفالات التي لم يتمّ نسيانها في إيران حتى يومنا هذا.
مازال احتفال "جهارشنبه سوري" يعتبر مقدمة لاحتفالات عيد العام الإيراني الجديد أو "نوروز" -أو كما هو معروف لدى العرب "نيروز"- حيث يليه بعد بضعة إيام.
و"جَهار شنبه سوري" بالجيم الفارسية (Chaharshanbeh souri) هو احتفال يقام ليلةَ الأربعاء الأخيرة من الشهر الأخير من العام الإيراني أي مساء الثلاثاء الأخيرة من العام، حيث يستقبل الإيرانيون فصل الربيع ويودّعون فصل الشتاء من خلال إقامة هذا الاحتفال.
يعود مصدر كلمة "جَهارشنبه سوري" إلى اللغة الفارسية القديمة، ويحمل معاني عدة. كلمة "جهارشنبه" هي اسم يوم الأربعاء في اللغة الفارسية، وكلمة "سوري" في الأدب الفارسي تعني السرور والفرح عبر إقامة الاحتفال، وبذلك "جهار شنبه سوري" تعني "احتفال الأربعاء". ولمفردة "سوري" معاني أخرى في الفارسية، منها "اللون الأحمر الداكن"، وهكذا تعني "جهارشنبه سوري"، "الأربعاء الحمراء".
وعن سبب اختيار ليلة الأربعاء لهذا الاحتفال، يقال بأن فجر الأربعاء بين الإيرانيين القدماء كان ساعة خلق الشمس، وفي أحد التقاويم القديمة تمّ تحديد فجر الأربعاء كبداية العام، ولذلك اعتبر هذا اليوم يوماً خاصاً. ويرمز يوم الأربعاء إلى الفصول الأربعة التي تنتهي في هذا الوقت، وقد يعود اختيار ليلة الأربعاء لاحتفال "جهارشنبه السوري" لأحد هذه الأسباب.
"جَهار شنبه سوري" بالجيم الفارسية، هو احتفال يقام ليلةَ الأربعاء الأخيرة من الشهر الأخير من العام الإيراني أي مساء الثلاثاء الأخيرة من العام، حيث يستقبل الإيرانيون فصل الربيع ويودّعون فصل الشتاء من خلال إقامة هذا الاحتفال
منذ القِدَم وحتى اليوم، يضرم الإيرانيون النّارَ في هذه الليلة، في مكان محدّد، ويتركون هذه النّار مشتعلة حتى طلوع الشمس، ويقومون بالقفز من فوقها ليلقوا فيها أمراضهم ومشاكلهم، ويأخذون منها الدفءَ والطاقة، ويرددون أشعاراً تقليدية هي: "لوني الأصفر منكِ ولونُك الأحمر منّي"، و"اذهب يا حزن وتعال يا فرح. اذهب يا فقر وتعال يا رِزق"، و"يا ليلة الأربعاء، أعطيني حاجتي.".
وفي الحقيقة إن إضرام النار عادة تعود إلى الدين الزرادشتي، وذلك لأن الزرادشتية يقدّسون النّار. وإيقاد النار عند الإيرانيين القدماء كان أمراً متداولاً كثيراً في المراسم الدينية والوطنية، لأن النار كانت تعتبر مقدّسة بالنسبة لهم، وكانوا يعتقدون أن النار مظهر النور وعظمة الخالق، وأن نور الخالق يطهّر أيّ قذارةٍ ورِجس.
أما رماد نار "جهارشنبه سوري" فكان يُعتبر غيرَ سعيد لدى الإيرانيين القدماء، لأن الناس عندما يقفزون من فوقه يحرقون أمراضهم وهومهم فيها، لذلك كان يتمّ جمع الرماد من النيران، ورميه في الماء عند نهاية الاحتفال.
ولهذا الاحتفال، كالاحتفالات الإيرانية الأخرى، مكسّراته الخاصة، وهي مزيج من 7 أنواع من المكسّرات والفواكه المجفّفة، منها الجوز، واللوز، والفستق، والزبيب، والتّين المجفف.
وتتركز طقوس "جهارشنبه سوري" على تحقيق الأمنيات ودفع البلاء. وكان الإيرانيون في الماضي يقومون بطقوس خاصة لتحقيق أمنياتهم ودفع البلاء، منها كسر الجرّة في الزّقاق، حيث كانوا يضعون القليل من الفحم الأسود في الجرّة، وهو يدلّ على الحظّ السيئ، والقليل من الملح لإبعاد عين الحاسد، وقطعة نقدية لإنهاء الفقر.
عن سبب اختيار ليلة الأربعاء لهذا الاحتفال، يقال بأن فجر الأربعاء بين الإيرانيين القدماء كان ساعة خلق الشمس، وفي أحد التقاويم القديمة تمّ تحديد فجر الأربعاء كبداية العام. كما يرمز يوم الأربعاء إلى الفصول الأربعة التي تنتهي في هذا الوقت
تُدار هذه الجرّة من فوق رأس كلّ فرد من أفراد الأسرة، ثمّ يذهب آخر أفراد الأسرة فوق سطح المنزل، ويقوم بإلقاء الجرّة إلى الزقاق، قائلاً: "الألم والبلاء يذهب إلى الجرّة، والجرّة تذهب إلى الزقاق".
من الطقوس الأخرى التي كانت متداولة في هذه الليلة هو أن النساء والفتيات اللواتي لديهنّ أمنيات كنّ يخرجن ليلة الأربعاء إلى خارج البيت، ويستمعن إلى المارّة، إذا كان المارّة يتحدّثون عن الخير، فهذا يعني أن أمنياتهن سوف تتحقق في العام الجديد. وإذا كان الحديث سلبياً، فهذا لا يُبشّر بالخير لهنّ، ويعني أن امنياتهن لن تتحق.
كما أن الفتيات والشبّان الذين يرغبون بالزّاوج كنّ/كانوا يقفن/يقفون أمام البيوت عند غروب الأربعاء، ويطرقن/يطرقون بالملعقة على الكؤوس. وعلى صاحب البيت الذي يسمع صوت الطّرق أن يقدّم لهم حلويات او مكسرات أو بعض المال، وإن حصلوا على ذلك سوف تتحقق أمنيتاهم ويتزوجون في السنة الجديدة، وفق معتقدهم.
يعتقد بعض الإيرانيين بأن أول جملة يسمعونها بعد خروجهم من المنزل غداة هذه الليلة، تمثّل حظّهم في العام الجديد
ولكلّ منطقة في إيران عاداتها الخاصة لهذا الاحتفال، والتي تحدّدها ثقافة المنطقة وبيئتها؛ مثلاً تنظيف البيت في غروب الثلاثاء لإخراج الهموم في نهاية العام المنقضي من البيت، وذلك في المحافظات الشمالية الإيرانية؛ إخراج الشباب من البيت لساعات والذي يَعني أمنية العائلة بزواج الشباب في السنة الجديدة في مدينة قزوين القريبة من طهران؛ والعبور من النهر بعد إشعال النيران في "بوشِهْر" جنوبي إيران؛ وزيارة مراقد الشعراء الإيرانيين، "سعدي" و"حافظ الشيرازي"، وطبخ الحلويات الخاصّة بهذه الليلة في مدينة شيراز. أما في غرب البلاد، فيرشّون الماء وماءَ الورد على بعضهما بعضاً معتقدين أن رشّ الماء سيجعل الحياة أكثر سعادة.
ويعتقد بعض الإيرانيين بأن أول جملة يسمعونها بعد خروجهم من المنزل غداة هذه الليلة، تمثّل حظّهم في العام الجديد.
ما زال الجيل الإيراني الجديد يحتفظ ببعض هذه الطقوس، لكنّ غالبية الإيرانيين اليوم يكتفون بإضرام النّار في الشوارع أو أمام البيوت، والقفز من فوقها، وإقامة السهرات والرقص إلى جانب النّار، وأيضاً إطلاق الألعاب النّارية.
ولهذا الاحتفال الناري الإيراني، خسائر وضحايا كثيرة في كلّ عام، بسبب استخدام بعض الأشخاص الألعاب النارية الخطيرة في الاحتفال، يقلّل من فرحة الإيرانيين قبل أيام قليلة من عيد نوروز. أما اليوم، وفي ظلّ كورونا والعزل المنزلي الذي اعتمده الكثيرُ في طهران، فالمدينة مازالت شبه صامتة؛ أمرٌ غريب ومحزن بالنسبة للإيرانيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...