شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"هل يرضى الله بكل هذا الشر؟"... حياة البنات في عائلات متشددة دينياً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 3 مارس 202006:06 م

"لم أختر أي شيء في حياتي، كل ما حدث لي تم إجباري عليه"، هكذا تصف مروة حياتها، في ظل عائلتها المتشددة دينياً، والتي فرضت عليها النقاب بعمر مبكر.

حجاب منذ الطفولة

ارتدت مروة (24 عاماً)،  تعمل محفظة قرآن من محافظة بنها المصرية، الحجاب لأول مرة في السادسة من عمرها، بسبب شجار دار بين خالها وأمها، ولا تنسى انفعاله عليها لأنه رآها تلعب مع ابن عمها.

بعد هذا الموقف أجبرتها أمها على ارتداء الحجاب، وهي لم تتجاوز السابعة، ومنعتها من اللعب ليس معه فقط، بل مع كل الأطفال الذكور، كانت تردِّد: "ربنا هيزعل مننا عشان انتي مش مغطية شعرك، ربنا أمرنا بالحجاب واحنا لازم نطيعه".

تحكي مروة لرصيف22 بوجع عن ذكريات مرحلة طفولتها تلك: "في السابعة من عمري، لم أكن أعي أي شيء أصلاً، أتذكر يوماً عُدت من المدرسة أبكي، وأخبر أمي أن الحجاب يجعل شعري مبتلاً بسبب العرق الذي يتسبَّب فيه اللعب، وأخبرتني المعلمة أن أخلعه، فأنا مازلت طفلة. كنت أبكي كثيراً لأني لا أريده، صفعتني أمي على وجهي قائلة: "عايزانا ندخل النار بسببك"، واصطحبتني في اليوم التالي للمدرسة، وتشاجرت مع المعلمة، وهددتها ألا تتحدث معي عن الحجاب مرة أخرى".

"منعني والدي من قراءة الكتب النسوية، وقام بحرقها، وفرض على قراءة كتب إسلامية تمجد تاريخ السلفيين والدولة العثمانية، وأخرى تتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام. لا أعرف أي مكانة يتحدثون عنها وأبي المتشدد يرى المرأة كائناً ناقص الأهلية"

واقعة أخرى تتذكرها مروة، عندما كانت في العاشرة من عمرها، تقول: "دخل أبي المنزل، وجدني أشاهد فيلماً، قام بتكسير التلفاز، وضربني، وقص شعري، كما ضرب أمي لأنها لم تمنعني من ذلك".

وكان والدها أيضاً يلقي عليها أكواب من الماء البارد، لتستيقظ وتصلي الفجر.

لم يقتصر  تعنت أسرة مروة معها إلى هذا الحد، تقول: "في الثانية عشر من عمري، جاءت الدورة الشهرية للمرة الأولى، كنت أنتظر من أمي نصائح، ولكنها خرجت مساء لتشتري لي نقاباً أرتديه، عادت لتخبرني: انتي مبقتيش صغيرة، لازم تاخدي بالك من تصرفاتك دلوقت".

وتشعر مروة بالأسى عندما تقارن نفسها بنظيراتها في كثير من العائلات، تقول: "كلما كنت أرى عائلات أصدقائي، أشعر بالشفقة على نفسي، وأسأل الله: لماذا كل هذا، واسأل نفسي أي إله هذا سيغضب فقط لأني ألعب مع طفل مثلي، أي إله سيحاسب طفلة على الحجاب في عمر السادسة، أو على عدم الصلاة في سن العاشرة".

"كلما كنت أرى عائلات أصدقائي، أشعر بالشفقة على نفسي، وأسأل الله: لماذا كل هذا".

ولكن مروة ظلت مقتنعة بأن الله يحبها في كل أحوالها، وأنه عكس ما كان والدها يحاول إقناعها به.

وظنت مروة أن مرحلة الجامعة ستكون أكثر انفتاحاً، تستطيع فيها مداواة جروحها التي تسبب فيها عائلتها المُتشددة دينياً، ولكن حدث العكس.

وعندما دخلت الجامعة، أرسل أهلها شخصاً يتلصص عليها، وأرسل لهما صورة لها وهي تقف مع شاب، حينها ضربها والدها وعمها، وصرخ فيها: "سيبتك تتعلمي عشان تفضحينا"، وتم إجبارها على الزواج من شخص ملتحٍ.

تقول مروة لرصيف22: "أبي يعلم أن إجباري على الزواج لا يجوز شرعاً، ورغم ذلك أجبرني".

مسلسل الإجبار في حياة مروة ظل مستمراً حتى هذه اللحظة، أجبرها أبوها على ترك الجامعة، والزواج من ملتح متدين، لم تره أبداً إلا في يوم عرسها، فانتهي دوره، وبدأ دور زوجها الذي أجبرها على العمل كمُحفظة للقرآن لفتيات القرية الصغيرات، وخادمة لوالديه، كما أجبرها على عدم التواصل مع صديقاتها، وكذلك عائلتها.

نهال: "أبحث عن الإله"

ولدت نهال عبد القادر، اسم مستعار (20 عاماً)،  في بيئة مُتشددة في السعودية، لأب وأم مصريين، فصول قصتها الأولى لا تختلف عن قصة مروة، فُرض عليها الحجاب في الخامسة من عمرها، مُنعت من الحديث مع الذكور.

ولكن نهال كانت معاناتها الداخلية أكبر، خاضت 15 عاماً "تبحث عن الإله"، كما تحكي، بسبب تشدّد والدها فقدت إيمانها به وبالدين.

"منعني والدي من قراءة الكتب النسوية، وقام بحرقها، وفرض علي قراءة كتب إسلامية تمجد تاريخ السلفيين والدولة العثمانية، وأخرى تتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام. لا أعرف أي مكانة يتحدثون عنها وأبي المتشدد يرى المرأة كائناً ناقص الأهلية، وديني الإسلامي كما قرأته في تلك الكتب يراني كائناً وليس إنساناً، يجب ضربه لتأديبه، تم تشبيهنا نحن النساء بالشيطان والحمار والكلب الأسود" تقول نهال لرصيف22 عن تأثير الكتب السلفية المتشددة عليها.

ظلَّت نهال لشهور طويلة تبحث عن معنى للإله، قرأت في أديان عدة، استمعت لآراء رجال دين مختلفين، حتى قادتها الصدفة الاستماع إلى ترنيمة مسيحية: "لقيت روحي أول ما سمعتها"، فبدأت التعمق في قراءة المسيحية.

الآن تعيش نهال حياة مزدوجة، أمام عائلتها المتشددة ترتدي النقاب والملابس الواسعة، وبمجرد أن تكون بمفردها تصلي للمسيح، وتقرأ في المسيحية.

"أبي جعلني أشعر بأن الله يكرهني كامرأة".

تحكي نهال بأسى: "كان دور أبي كبيراً لوصولي لهذه الحالة، جعلني أشعر بأن الله يكرهني ليس فقط كإنسانة بل كامرأة، اعتمد أبي في تربيتي على الترهيب والترغيب، كان دائماً يردد: "صلي عشان الثعبان الأقرع ميرضبكيش في القبر، صومي عشان ماتتعذبيش، اتحجبي عشان ربنا ميكرهكيش"، كل العبادات كانت قائمة على الخوف من الربـ وليس التواصل الروحي معه".

ويعلّق أحمد علام، أخصائي تعديل السلوك، لرصيف22، أن استخدام الوعيد والتهديد في إيصال المعلومات الدينية من قبل الأهل للأطفال، يؤدي إلى عدم إيمانهم بتلك المعلومات.

"كلما كنت أرى عائلات أصدقائي، أشعر بالشفقة على نفسي، وأسأل الله: لماذا كل هذا، واسأل نفسي أي إله هذا سيغضب فقط لأني ألعب مع طفل مثلي، أي إله سيحاسب طفلة على الحجاب في عمر السادسة، أو على عدم الصلاة في سن العاشرة"

ويضيف علام: "معظم الملحدين أو اللادينين يمرون بفترات قاسية، ليس فقط من أهلهم ولكن الضياع بداخلهم، والبحث عن حقائق الأفكار التي فرضها عليهم الأهل قد يكون أصعب بكثير".

لذا ينصح أخصائي تعديل السلوك، أن يكون التعامل بالإقناع، والحكمة، وتقديم دروس للآباء والأمهات عن التربية الحديثة.

"زوجة رابعة"

كريمة (18 عاماً) بمجرد بلوغها، زُوجت لشيخ في سن أبيها، كانت زوجته الرابعة، ولكن عائلتها المتشددة لم تأبه بسنه ولا عدد زوجاته السابقات، المهم أن يكون "ملتزماً لا يخالف شرع الله"، كما تقول كريمة لرصيف22.

تحكي كريمة (18 عاما)، تسكن في محافظة الغربية في مصر، قصتها لرصيف22: "كنت في الثانية عشر من عمري عندما زوجني أبي لشيخ لحيته بيضاء، يرتدي ملابس قصيرة على الطريقة الإسلامية، جعلني أعيش مع زوجاته الثلاث، تتراوح أعمارهن بين الـ 30 والـ40 عاماً. لديهم فتيات في مثل عمري، يوم الدخلة كان الأصعب، فض بكارتي بإصبعه، وبعد ذلك غرس قضيبه في مهبلي الصغير، لم يأبه لسني، كل ما أراده أن يشبع شهوته ويحلل ذلك بالشرع".

كريمة اليوم، رغم أنها مازالت قاصراً، إلا أنها أم لطفلين، تعكف على رعايتهم، ليس هم فقط، تقول:" لأنني الأصغر سناً في المنزل، يجعلوني أخدم كل من بالمنزل، وإن اعترضت يقوم زوجي بضربي، ويحلل ذلك بالآية القرآنية (واضربوهن)، وعندما تعود لأبيها الشيخ يوبخها هو الأخر قائلاً: زوجك يطبق شرع الله، لا أعلم إلى أين أذهب ولمن أذهب، كل من حولي خذلوني".

وبينما تستمر نهال في قراءة الكتب النسوية سرا، وتقرأ في المسيحية، لا تستطيع كريمة الهرب وترك أطفالها، وتسأل نفسها دائماً: "لماذا يرضى الله بكل هذا الشر؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image