على الرغم من انفتاح مصادر المعلومات وسهولة الوصول إلى الموارد البشرية، ما زالت بعض وسائل الإعلام ووكالات الإعلان تصوّر المجتمع العربيّ بأفكار مغلوطة أو تقليدية.
فتلجأ بعضها لتأطير الأسرة العربية وأفرادها بصور نمطية منفصلة عن واقع، بدأ بالتحوّل متأثراً بالعولمة أو التطوّر التكنولوجيّ بشكل أساسيّ.
وكان طرح رؤى جديدة عن المواطنين العرب محور دراسة أجرتها شركة "ليو برنت" Leo Burnett الإعلانية، أشرفت عليها سالي بلوط، عضو في فريق المخطّطين الاستراتيجيين في الشركة. بدأت بلوط، الحاصلة على شهادة في علم النفس وعلم الاجتماع من الجامعة الأميركية في بيروت، البحث في مارس 2015، وعملت مع زميليها ميسون حنا ونيكولاس شدياق مدة شهرين على توثيق معلومات من إحصاءات سابقة للأمم المتحدة وقواعد بيانات متاحة للشركة. وأجروا مقابلات ميدانية مباشرة "لرسم تطوّر ملامح المجتمع العربيّ"، على حدّ تعبير بلوط في حديث لرصيف22.
تغطي الدراسة وعنوانها "الأسرة العربية الحديثة: واقع متبدّل"، عدّة محاور باللغة الإنكليزية هي: دور المرأة، وديمغرافية الأسرة، وعادات الاستهلاك، وتطوّر الأبوّة والأمومة، وفهم الأطفال والشباب، إضافة إلى درس الوقت الذي يقضيه أفراد العائلة معاً.
ننشر الجزء الأوّل من نتائج الدراسة المتعلقة بأدوار الجنسين وتطوّر العلاقات. وسيتضمن الجزء الثاني محوريْ الشباب والأطفال.
تطوّر دور المرأة
تستهل الدراسة بفصل عن تطوّر دور المرأة وتبدّل أولوياتها. فلم يعد الزواج "فريضة"، بل صار خيارًا. وتغير موقف الفتاة العربية من الزواج لأنها لم تعد تشعر أنه ضرورة. بل تظهر الدراسة العكس، حتى أن الكثيرات لا يرغبن في الزواج. ولم يعد شائعاً أن يكون سن الثلاثين هو "المهلة" للإقدام على الزواج. تظهر الدراسة أنه عام 2010، 33% من النساء المغربيات في عمر 30-35 لسنَ متزوّجات. وفي الجزائر وتونس ولبنان، أصبح معدّل عمر الزواج قريباً أو يتخطى الثلاثين، أي ضعفي سنّ الزواج في الستينات من القرن الماضي.
وفي عام 2012، 60% من النساء الإماراتيات ما فوق الثلاثين كنّ غير متزوّجات، بينما كانت نسبتهنّ 20% عام 1995. ويعود ذلك إلى اندفاع الفتيات نحو التحصيل العملي قبل الزواج، بينما تبحث أخريات عن استقلال مادي لأنهن لا يرين في الشريك "استقرارًا مادّياً أو مصدر دخل". مثلاً 87% من النساء السعوديات العازبات قلن إنهن يفضلن العمل على أن يتزوّجن رجالاً أثرياء. وتعدل أخريات عن الزواج بسبب ارتفاع نسب الطلاق.
الطلاق
تعتبر معدّلات الطلاق في السعودية من الأعلى في العالم، نسبة إلى عدد السكان. وسجلت في المملكة عام 2011، أكثر من 700 ألف حالة طلاق وانفصال. وعام 2013 تضاعفت نسبة الطلاق ثلاث مرات. أما في قطر فبلغ متوسط فترة الزواج قبل الطلاق عام 2012 أدناه في المنطقة، بخمس سنوات.
ويشير التقرير إلى أنّ النساء العربيات يلجأن إلى الطلاق رغم التحدّيات الاجتماعية والقانونية، فيتوقع من النساء أن يتنازلن عن حقوقهنّ المادية مقابل الحصول على الطلاق، وأن يعدن المهر، ويواجهن تحدّيات في حقّ الحضانة. لكن في السعودية، 80% من قضايا الطلاق رُفعت من قبل نساء. وتقول الدراسة إنّ 60% من هذه الحالات مرتبطة بتحكم الزوج بالقرار المادّي لزوجته، و40% منها مرتبطة بإجبار الزوجة على الاستقالة من وظيفتها.
العلاقات
في الدول العربية حيث الزواج التقليديّ يسيطر على كيفية تعارف الزوجين، زالت عوائق التعارف بين الجنسين بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أفسح ذلك مجالاً للتعارف ولو افتراضياً قبل الارتباط رسمياً. ومع تطوّر وسائل التواصل، تطوّرت الأدوات التقليدية للزواج، ومنها دور "الخطابة". فانتقل عملها إلى"إنستاغرام"، لجمع شخصين بناءً على اهتماماتهما.
وكلّ ما على "طالبي القرب" تقديمه لها، هو المعلومات الأساسية وما يبحثون عنه في الشريك. فتتواصل معهم وتتأكد من نيتهم في الزواج، ثمّ بإمكانهم التواصل مع الشريك المرشح من الخطابة عبر منصات أخرى.
وتوسعت منصات التواصل لاكتشاف علاقات محتملة عبر التعارف إلكترونياً. تشير الدراسة إلى أن هناك نحو مليوني زيارة شهرياً لمواقع التعارف الالكتروني. ويعتبر 53% من الناس أنه لا بأس باللجوء إلى هذه المواعدة إلكترونياً.
وتوضح بلوط أن مسحاً دقيقاً للمشاركات والتعليقات في هذه المواقع تبين "جدّية" المشتركين. على عكس تطبيقات مثل "تندر" الذي يبحث فيه المشتركون عن علاقات عابرة. كما تظهر الدراسة حظر بعض الدول لهذه المواقع، لكنّ المستخدمين يلجأون إلى VPN للدخول إليها.
ليس الاختلاط شائعاً في الزيجات، فليس محبذاً أن يتزوّج عربيّ من شريكة تحمل جنسية مختلفة. وقد يكون ذلك مكروهاً اجتماعياً ومعقداً قانونياً، يصل في دول الخليج إلى حد انتقاص مواطنية المرأة. لكنّ الدراسة تبين أنّ النساء العربيات أصبحن أكثر انفتاحاً وتقبلاً للارتباط بأشخاص من غير جنسياتهن.
وينعكس ذلك على تنوّع ثقافات الأجيال المقبلة، ما يخلق ما يصطلح عليه "بأجيال الدرجة الثانية والدرجة الثالثة". وعلى سبيل المثال، عام 2014 نحو 8% من مجمل الزيجات في السعودية كانت مختلطة.
وراجعت الدراسة لوائح الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم العربي اقتصادياً، فاكتشفت توسعاً في دور المفكرات والرائدات في مجالات الأعمال والإعلام، والنشاط السياسي والاجتماعي والتكنولوجي، والفنون وغيرها. فبلغت نسبة النساء 35% من المؤثرين العرب، وكثيرات منهنّ يحملن مناصب إدارية.
وتلفتُ بلوط إلى أنّ السعودية قد تكون "غامضة، لكنها ليست أكثر غموضاً من العائلات في مصر، أو المغرب، أو لبنان". وفي هذا السياق، تظهر الدراسة أن بين عاميْ 2008 و2013 ارتفع عدد النساء السعوديات الناشطات اقتصادياً بنسبة 5.5%، ما يعادل 1.3 مليون امرأة عاملة. قد تكون هذه النسبة متدنية مقارنة بالمعدّل العالمي، لكنّ الدراسة تشير إلى أنّ هذا النمو في السعودية لافت، ويتوقع أن يزيد في السنوات المقبلة. خصوصاً أن 75% من السعوديات يؤمنّ أن النساء والرجال على حدّ سواء مسؤولون عن إعالة الأسرة. وترى بلوط أن ذلك "يعبر عن تبدّل في مفهوم الشراكة الأسرية".
اهتمام النساء بالتكنولوجيا
تظهر الدراسة أيضاً أن ميل النساء إلى التكنولوجيا في تزايد، فالنساء يملكن هواتف ذكية أكثر من الرجال في السعودية، ويستخدمنها للتصفح وتقييم المعروضات وشرائها، واستهلاك المحتوى الترفيهيّ. كما أن عدد النساء اللواتي يقمن بإعداد المواقع الإلكترونية يفوق عدد الرجال في السعودية والإمارات.
تقول بلوط: "أتمنى أن ينعكس التقرير على رؤيتنا للعائلة العربية وأدوار الأم والأب والأولاد في يومنا الحالي". أما على الصعيد الإعلامي، فتتمنى أن يترجم التقرير في الحملات عبر الوسائط الإعلامية بهدف "بناء روابط أقوى مع الجمهور".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...