شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ما بدي أعيش تحت سيطرة أي زلمة بالعالم"... كتاب يوثق واقع المرأة العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 29 فبراير 202006:34 م

"نفسي أتعلم عشان المواصلات.. لأني بتوه": كُتبت هذه الأمنية بخط يد غير متقن، بواسطة سناء محمد سيد، الشابة المصرية التي كانت بعمر 31 عاماً حين التقت بها المصورة والكاتبة الفلسطينية لورا بشناق، عام 2009.

ففي عام 2009 بدأت لورا بشناق مشروعها "أنا أقرأ.. أنا أكتب"، لرصد أوضاع تواجهها المرأة العربية، بدءاً بحرمانها من التعليم، مروراً بالتمييز ضدها في مناح شتى، ونقص الوظائف وظروفها العامة في ظل أوضاع الحروب والنزاعات.

في مصر... عواقب معيشية للأمية

من مصر بدأت بشناق رحلتها، من داخل أحد فصول "محو الأمية"، وهناك التقت بسناء محمد السيد وغيرها من النساء، فمثل كثير من السيدات العربيات، لم تنل سناء حقها في التعليم حينما كانت طفلة، لكن كتابتها التي حاولت أن تجعلها سهلة القراءة، تختصر كثيراً من الشرح حول رغبتها في القراءة والكتابة والتواصل مع العالم المحيط بها، الذي مثّلته في تعبير "بتوه" بين لافتات الشوارع ووسائل النقل العامة.

تظهر ابتسامة خجول على وجه سناء في صورتها بكتاب "أنا أقرأ.. أنا أكتب"، وهي تقف إلى جوار طفلها بعد إحدى حصص محو الأمية، الابتسامة ذاتها لكن مع نظرة أقوى تجدها على وجه إجلال معوض، التي عادت للدراسة وتعلم القراءة وهي في الثالثة والخمسين من عمرها، بعد 40 عاماً من الحرمان من التعليم.

ربما كانت "التوهة" التي تخشاها سناء، إحدى العواقب المعيشية للأمية التي أوضح تقرير صادر عام 2015 عن وكالة التنمية الفرنسية، بأن 35% من المصريات يعانين منها، لكن بالتأكيد "عدم الرؤية" رغم سلامة البصر واحدة من هذه العواقب أيضاً.

إذ تحكي إجلال في إجابتها على سؤال بشناق: "لماذا قررت تعلم القراءة والكتابة؟"، على صفحات كتاب "أنا أقرأ... أنا أكتب"، أنها صممت على التعليم، بعدما تعرضت لموقف محرج، عندما اضطرت لكتابة شكوى خاصة بطفلها لتقدّمها إلى المدرسة، لم تستطع فك رموز الكلمات كأنها "لا ترى شيئاً"، فأصرت على التعليم حتى في مواجهة زوجها الرافض لخروجها من المنزل.

في الأردن… في أمل

في الأردن طرحت بشناق سؤالاً مختلفاً: بم تحلمن بعد اختتام البرنامج؟ البرنامج هو مرحلة دراسية تبلغ عامين تلتحق بها الفتيات المتسربات من التعليم، ضمن "مركز الدعم الاجتماعي" في مدينة عمّان. أربع فتيات أجبن عن هذا السؤال في عام 2012، تراوحت أعمارهن ما بين 15 - 18 عاماً، وتنوعت أحلامهن ما بين افتتاح ميتم (دار أيتام) حسبما عبرت غادة، ذات الخمسة عشر عاماً، والتي تطمح أيضاً في أن تصير شرطية.

في صورتها بالكتاب، تظهر غادة في سمت مثابر، على وجهها علامات الإصرار، وتعقد ساعديها أمامها فيما تظهر الكتابة بخط يدها منفتحة على الاحتمالات كافة، وبخاصة وهي تتساءل: "يا ترى في أمل أكمل حلمي؟!".

وتقول صابرين: "بعدني صغيرة على الزواج"، إذ كانت تبلغ 18 عاماً حينها في 2012، وتعبّر عن الأفكار الكثيرة برأسها وعن حيرتها: "بس مش عارفة إذا الحياة بتمشي معي أو ما بتمشي معي".

في عام 2009 بدأت الكاتبة والمصورة الفلسطينية لورا بشناق مشروعها "أنا أقرأ.. أنا أكتب"، لرصد أوضاع تواجهها المرأة العربية، بدءاً بحرمانها من التعليم، مروراً بالتمييز ضدها في مناح شتى، ونقص الوظائف وظروفها العامة في ظل أوضاع الحروب والنزاعات

في اليمن.. الخروج من ظل الرجل

في عام 2012، كان اليمن قد أطاح بالرئيس علي عبد الله صالح، وفي ظلّ الظروف السياسية التي آلت إليها البلاد، كان وضع النساء اليمنيات متبايناً بشدة، إذ بلغت نسبة النساء الأمّيات نحو 66%، فيما يبلغ نسبة الواصلات للتعليم الثانوي نحو 27%. إلا أن النسبة الباقية ممّن تمكنّ من إتمام دراستهن، كن محمّلات بأحلام وطموحات في إتمام الدراسات العليا.

تمكّنت لورا بشناق من مقابلة وتصوير عدد من الطالبات الجامعيات، منهن فايزة، طالبة جامعية بالخامسة والعشرين من عمرها، ومرت بحياة حافلة: في سن الثامنة تركت المدرسة للزواج لكنها طُلّقت في التاسعة، وفي سن الـ14 باتت الزوجة الثالثة لشيخ ستيني، ولكنها طُلّقت بعد أربعة أعوام وبعد إنجاب 3 أطفال. أقنعتها شقيقتها الكبرى بإتمام الدراسة، لقناعتها أنها الطريقة الوحيدة لتحسين حياتها.

ورغم تشدد مجتمعها والفقر والوصم الذي يلحق بالنساء المطلقات، ومعارضة والديها، لم تثبط عزيمة فايزة، وتسجلت لدراسة إدارة الأعمال في الجامعة.

التعليم كان وسيلة فايزة لتحسين حياتها، لكن أسباب عائشة ذات الـ33 عاماً كانت مختلفة قليلاً، إذ كتبت على صورتها ذات النقاب: "تعلمت حتى لا أعتمد على الرجل بكل شيء وأحس باستقلاليتي".

في تونس… الثورة امرأة

تتمتع التونسيات بوضع قانوني وسياسي أفضل من سائر النساء في المنطقة العربية، على مستوى الحقوق المدنية. انعكس ذلك على الدور الذي لعبته التونسيات في الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي في 2011.

في عام 2013، وفي ظل تنامي نفوذ التيار الإسلامي في تونس، استطاعت بشناق أن تلتقي وتعايش أربع نساء مميزات، يدرسن مجالات مختلفة، هؤلاء الطالبات ناشطات سياسياً ومدنياً، وبطبيعة الحال وجهت لهن بشناق سؤالاً مختلفاً عما وجهته للأردنيات والمصريات: ما الرسالة التي تريدين توجيهها إلى الفتيات من جيلك؟

كتبت ياسمين، الطالبة التونسية بالتصميم الغرافيكي، رداً على هذا السؤال: "كوني المربّية لا على مسلمات بل على القناعات. كوني من تريدين لا من يريدون، لا تقبلي استعبادهم فقد خلقتك أمك حرة... قاومي، ثوري، ابدعي ولا تضعفي، كوني أنت فالثورة هي أنت".

فيما كتبت طالبة الهندسة البيولوجية: "تبدأ الثورة عندما تتمردين على الأنظمة التعليمية الفاسدة القاتلة للفكر.. وللجسد والروح… ثوري فالثورة امرأة".

السعودية… بطالة المرأة رغم التعليم

من الغرب في تونس، إلى الشرق في المملكة العربية السعودية، انتقلت لورا بشناق لتكمل مشروعها حول وضع المرأة بالنسبة للتعليم وسوق العمل.

وكتبت في تقديمها للجزء الخاص بالسعودية: "لا تطرح الأمية مشكلة بارزة في السعودية، بل على العكس حصلت آلاف الشابات على منح حكومية للدراسة في الخارج، وفي المقابل، تسجل السعودية النسبة الأعلى عالمياً لبطالة النساء بسبب القيود الاجتماعية والدينية".

لكن لحسن حظ بشناق استطاعت التواصل مع سيدات سعوديات يعملن بمجالات غير التعليم الرسمي، الذي يستحوذ على 96% من النساء العاملات في السعودية.

تقول آلاء، وهي الأخصائية الأولى في العيون الصناعية في السعودية: "لا تخافي من اختيار تخصص نادر وغريب، لكن التحدي هو تحويل هذا الحلم إلى حقيقة".

فيما كتبت عهد كامل، المخرجة السينمائية التي درست في نيويورك: "واجهت تحديات كثيرة بعد عودتي إلى السعودية، واضطررت للاعتماد على أشقائي لإتمام أي عمل. لكنني محظوظة على عكس نساء كثيرات، ولطالما تساءلت كيف يدبرن أمورهن بلا رجل في حياتهن".

من بين النساء اللاتي التقت بهن لورا بشناق، كانت فايزة من اليمن، وبالنسبة لها، كان التعليم وسيلتها لتحسين حياتها، أما عائشة، ذات الـ33 عاماً كانت أسبابها مختلفة قليلاً، إذ كتبت على صورتها ذات النقاب: "تعلمت حتى لا أعتمد على الرجل بكل شيء وأحس باستقلاليتي"

غزة… احتلال وحصار وصعوبات في التعلم

يواجه الفلسطينيون بغزة صعوبات في ممارسة الحقوق الأساسية من التعليم والصحة، فضلاً عن حالة الحصار التي تفرضها السلطات الإسرائيلية لدواع أمنية، لذلك فإن مغادرة القطاع المحاصر ليست بالأمر السهل، وتتطلب الوصول إلى مصر أو الأردن. وهذا مرهون بالحصول على رخص "عدم ممانعة" متعددة، إسرائيلية، أردنية أو مصرية، بحسب معبر المغادرة المعني.

لذلك يضطر الكثير من الطلاب الطموحين للدراسة بالخارج، للانتظار لأشهر طوال من أجل الحصول على رخصة خروج، فيما قد تفوتهم منحهم الجامعية.

في غزة، طرحت لورا بشناق سؤالاً مغايراً على أربع شابات يواجهن صعوبات في الحصول على رخص خروج: ما أهمية متابعة تعليمك؟

قُبِل طلب تقدمت به طالبة شابة اسمها سالي، عمرها 18 عاماً، لدراسة الطب في ألمانيا والتخصص في الجراحة، حصلت على تأشيرة ألمانية، لكن سلطات الأردن رفضت منحها تصريح "عدم ممانعة" ثلاث مرات، قبل أن يتمكن والدها من إدراج اسمها على لائحة أتاحت لها المغادرة عبر معبر رفح. وضبت سالي حقائبها واتجهت إلى رفح بلا أي ضمانة بأنها ستتمكن من المغادرة. انتظرت عند المعبر أكثر من تسع ساعات، قبل أن يؤذن لها في النهاية بالانتقال إلى الشطر المصري من المعبر، واستقلت حافلة في اليوم التالي إلى القاهرة.

في ردها على سؤال: "ما أهمية متابعة التعليم؟"، كتبت عبير ذات الـ29 عاماً: "علشان ما بدي أعيش تحت سيطرة أي زلمة بالعالم، بدي أعيش مع شريك مش مع ولي أمر، عشان هيك لازم أتعلم، أتعلم أكون مستقلة وحرة".

ماذا حدث لبطلات الكتاب؟

قالت الصحفية والمصورة لورا بشناق لرصيف 22، إنها لا تزال على تواصل مع الفتيات والسيدات، بطلات كتابها.

وذكرت بشناق أن الطالبات الأربع من غزة استطعن الخروج واستكمال دراستهن خارج القطاع، في أمريكا والسويد وانكلترا، فيما تخرجت الطالبات الناشطات من جامعتهن التونسية، لكن الحظ لم يكن مواتياً بالنسبة للطالبات اليمنيات، اللواتي تفاقمت أوضاع الحرب لديهن منذ 2012 وحتى الوقت الحالي. فقد تعطلت الدراسة أكثر من مرة جراء القصف الذي تتعرض له اليمن، لكن هذا لم يمنع الشابة فايزة من استكمال دراستها والتخرج من الجامعة، وإن استغرقت وقتاً أكثر من المفترض.

وأوضحت بشناق أنه بحسب آخر تواصل مع فايزة، علمت أنها أنهت دراستها وتمارس فترة تدريبية بإحدى الشركات، تمهيداً للعمل فيها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard