عندما كانت سالي رايد، وهي أول إمرأة أميركية تصعد الفضاء، تستعدُّ لصنع التاريخ في العام 1983، كان المهندسون في وكالة الناسا يحاولون جمع الإمدادات التي قد تحتاجها خلال مهمتها، ومن بينها السدادات القطنية.
وفي إحدى مقابلاتها، كشفت رايد أن الرجال العاملين في المجال التقني لم يكن لديهم أدنى فكرة عن عدد السدادات القطنية (التامبون) التي قد تحتاجها خلال مهمتها في الفضاء والتي استغرقت أسبوعاً فقط، فسألوها: هل 100 هو الرقم الصحيح؟ فأجابتهم حينها بأنه بالإمكان خفض هذا الرقم إلى النصف من دون حدوث أي مشكلة، خاصة وأنهم كانوا قلقين من أن تختبر الحيض الرجعي، لاعتقادهم بأن قلة الجاذبية في الفضاء ستؤدي إلى تدفق الدم إلى داخل الجسم بدلاً من الخارج.
هذه الحادثة تكشف غياب معرفة بعض الذكور بكيفية عمل أجساد النساء، وفق ما ذكرته صحيفة أتلانتيك والتي تحدّثت أيضاً عن مسألة الحيض في الفضاء، وإقدام العديد من رائدات الفضاء على التخلّي عن الدورة الشهرية بهدف إراحة أنفسهنّ من العبء النفسي والجسدي المصاحب لها.
ليس رائدات الفضاء فقط هنّ اللواتي يعانين من أوزار الدورة الشهرية، إذ أن هناك عدداً متزايداً من النساء يلجأن إلى استخدام وسائل منع الحمل لإيقاف الدورة الطمثية.
التحرر ووضع نهاية للألم
في حين أن بعض الناشطات النسويات يعتبرن أنه يتعيّن على كل إمرأة في العالم كسر التابو والاحتفاء بالدورة الشهرية، باعتبارها مسألة طبيعية وجزءاً رئيسياً من إيقاع الجسد الأنثوي، فإن بعض النساء الأخريات يشعرن بأنهنّ محاصرات في دورةٍ مرهقةٍ غير مريحةٍ وغير سارة، تباغتهنّ أحياناً من دون سابق إنذار، فتنغّص عليهنّ عيشتهنّ وقد تؤثر على مزاجهنّ وعلى مشاريعهنّ المقرّرة.
في الواقع إن إيقاف الدورة الشهرية يمثل بالنسبة لبعض السيدات إمكانية تسهيل الحياة عن طريق إنهاء الألم الذي يرهقهنّ شهرياً ووضع حدٍّ للأفكار السوداوية، وبالنسبة لأخريات فهو يتيح لهنّ التحرّر من هاجس الحاجة إلى فوطةٍ صحية أو سدادةٍ قطنية تم نسيانها في حقيبة اليد، ناهيك عن التخلّص من نزيفٍ شهري عن طريق اللجوء إلى وسائل منع الحمل.
في حين أن بعض النسويات يعتبرن أنه يتعيّن على كل إمرأة في العالم كسر التابو والاحتفاء بالدورة الشهرية، فإن بعض النساء الأخريات يشعرن بأنهنّ محاصرات في دورةٍ مرهقةٍ غير مريحةٍ وغير سارة، تباغتهنّ أحياناً من دون سابق إنذار
تغيّر حياة النساء
لا ينحصر دور وسائل منع الحمل في تحديد النسل وتجنّب الإنجاب فقط، إنما تم ربط الانخفاض في مبيعات السدادات القطنية بازدياد عدد النساء اللواتي يستخدمن وسائل منع الحمل بهدف إيقاف الدورة الشهرية، فقد تبيّن أن النساء اللواتي يستخدمن موانع الحمل المزروعة لم يعدن ينزفن، كما اتضح أن تناول حبوب منع الحمل بلا توقّف يحقق النتيجة نفسها.
كانت ريم (36 عاماً) تعاني من دورةٍ شهريةٍ غزيرة تستمرّ لحوالي 10 أيام، فتشعر خلال هذه الفترة بأنها مرهقة إلى حدّ أنها تعجز أحياناً عن النهوض من الفراش، بحسب ما تكشفه لموقع رصيف22: "وقتا تجي الـPeriod كنت حسّ بتعب مش طبيعي، وكأنو جسمي ختير فجأة وبطّل إلي، ما كان إلي جلادة إتحرك أو أعمل شي فكنت آخذ عطلة من الشغل وضل معظم الوقت بالتخت".
بالإضافة إلى إرغامها على ملازمة المنزل طوال هذه الفترة، فإن الدورة الشهرية كانت تؤثر سلباً على مزاج ريم وعلى تصرّفاتها مع المحيطين بها: "أول ما تجيني أعمل depression (كآبة)وضل معصبة ومتوترة من دون سبب وصير خانق خيالي".
وبهدف إيجاد حلّ لمشكلتها، استشارت ريم طبيبتها والتي وصفت لها حبوب منع الحمل، وهكذا ارتاحت هذه الشابة من "المصيبة"، كما وصفتها: "من وقتا تغيّرت حياتي وبطل عندي همّ فكر كل شهر كيف بدي مرّق هالفترة وارتاح من هالمصيبة يلي بتجيني على غفلة".
بدورها عاشت جمانة (33 عاماً) تجربةً مماثلة، ترويها لرصيف 22: "من أول ما بلشت عندي الـperiod وأنا أسأل البنات رفقاتي إذا كانوا يحسو متلي بوجع مش طبيعي ودم غزير بينزل متل الشلال...مع الوقت صار يخف الوجع بس كمية الدم ضلت كتيرة وهالشي كان يزعجني ويسببلي خجل خاصة إيام المدرسة لأنو كنت مضطرة كل شوي روح عالحمام تغيّر الفوطة".
واستمرّت معاناة هذه الشابة مع الدورة الشهرية لحين قرّرت إيقافها بغية تسهيل حياتها اليومية: "أنا مدربة رياضة وبعشق ركوب الخيل والسباحة على مدار السنة، وما بدي شي يأثر على شغلي وعلى هوايتي لهالسبب بلشت آخد حبوب منع الحمل ومشي الحال"...وتضيف بتهكّمٍ: "من وقتا صرت حس حالي حرّة وما بقا إحسب حساب كل شهر إيمتا بدها تشرف الست".
إن إيقاف الدورة الشهرية يمثل بالنسبة لبعض السيدات إمكانية إنهاء الألم الذي يرهقهنّ شهرياً ووضع حدٍّ للأفكار السوداوية، وبالنسبة لأخريات فهو يتيح لهنّ التحرّر من هاجس الحاجة إلى فوطةٍ صحية أو سدادةٍ قطنية تم نسيانها في حقيبة اليد
حرية الخيار
تروي هولي غريغ سبال، صاحبة كتاب Sweetening the Pill or How We Got Hooked on Hormonal Birth Control، عن تجربتها السيئة مع حبوب منع الحمل بهدف أن تحثَّ النساء على إعادة النظر في استخدام وسائل منع الحمل واللجوء إلى البدائل، لتجنّب الآثار السلبية والتي قد تظهر على شكل اكتئاب، قلق، غضب، نوبات هلع...
وتعتبر سبال أن الاكتفاء بإخبار النساء أنه بوسعهنّ وضع حدٍّ لدورتهن الشهرية من دون تزويدهنّ بالمعلومات اللازمة، يمكن أن يعزّز التابو المتعلّق بالدورة، بحسب ما تقوله: "إنها في الحقيقة شكل مبالغ به لنقول للنساء ابقين دورتكنّ هادئة أو أخفينها، لا تتحدثنّ عنها ولا تظهرنّ سدادتكن القطنية في طريقكنّ للحمام، فالشريك لا يرغب في أن يعرف أي شيءٍ عن الدورة الشهرية".
وعليه تشدّد الكاتبة على أنه من حق السيدة أن تختار إيقاف الدورة الشهرية بشرط أن تكون على درايةٍ كافية بما قد يحصل لجسمها في حال استخدمت وسائل منع الحمل لفترةٍ طويلة.
ماذا يقول الطب بشأن إيقاف الدورة الشهرية؟
من خلال خبرتها وتعاطيها مع النساء تشير الطبيبة اللبنانية مارلي أبو جودة، أخصائية في أمراض النساء والتوليد، إلى أن المشهد العام في لبنان يبدو مختلفاً بعض الشيء، إذ تشتكي معظم النساء من عدم انتظام الدورة الشهرية ويقصدن الطبيب المختص من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة.
وفي حين أن الأغلبية تحاول ضبط مواعيد الدورة الشهرية والحرص على انتظامها، فإن هناك بعض الحالات الطبية التي تستدعي إيقاف الدورة الشهرية، وفق ما تقوله مارلي لرصيف22: "إذا أتت امرأة مثلاً وهي في الأربعينات من عمرها وتعاني من تليّف الرحم ومن آلامٍ ونزيف حادين، أنصحها بوضع لولب داخل بطانة الرحم، الأمر الذي من شأنه إيقاف الدورة الشهرية لمدة سنة تقريباً".
وعن المخاطر والآثار الجانبية المترتبة عن إيقاف الدورة الشهرية من خلال طرق منع الحمل، تكشف مارلي أنه من الناحية الطبية لا يوجد أي مانع من إيقاف الدورة بشرط أن يكون هناك على الأقل 4 دورات في السنة وذلك بهدف التخفيف من مخاطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم، وفق ما تؤكّده إحدى الدراسات الأميركية "وبالتالي فإن المرأة التي تلجأ إلى حبوب منع الحمل يجب أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار"، على حدّ قولها.
هذا وقد أوضحت أبو جودة أن استخدام حبوب منع الحمل يؤثر على الهرمونات وعلى بعض وظائف الدماغ: "من المحتمل أن تشعر بعض النساء مثلاً بالإجهاد ويختبرن تقلبات في المزاج"، مشددةً على أن الآثار الجانبية تختلف بحسب وضع كل امرأة (عمرها، سجلها الطبي، وزنها...) وعليه تنصح مارلي كل سيدة بالإنصات إلى متطلبات جسدها: "هي حرّة في اختيار ما تريد بشرط أن تعي مسبقاً المخاطر والآثار الجانبية التي قد تتعرّض لها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون