يبدأ الطبيب المصري عبد الرحمن الكومي عمله اليومي في جزيرة "أوليغان"، شمال "جزر المالديف"، الثامنة صباحاً. ينتهي منه في الرابعة مساءً. طوال ستة أيام، بمعدل 48 ساعة أسبوعياً. مثله مثل أي موظف يعمل ثماني ساعات في اليوم.
لم يتوفر هذا النظام الاعتيادي للطبيب الشاب قبل أربعة أشهر، حين كان يعمل في أحد المستشفيات الحكومية في مصر 12 ساعة يومياً، تحت ضغط حالات مرضية تتطلب العلاج في ظل عجز كبير في الإمكانات.
حاول التقدم بطلب للحصول على إجازة فطُلب منه "رشوة"، فسافر منقطعاً عن العمل إلى جزر المالديف.
عبد الرحمن واحد من مئات الأطباء الذين هجروا العمل الحكومي في وزارة الصحة المصرية خلال الأعوام الماضية.
وبحسب تقرير إحصائي أصدرته نقابة الأطباء المصرية، انخفض عدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة بين عامي 2018 و2019 حتى بلغ نحو 1500 عام 2015. وأوضح التقرير أن حوالى ثلاثة آلاف طبيب دون الـ35 عاماً من العمر قدّموا استقالتهم خلال عامي 2018 و2019، وأن الذين أحيلوا الى التقاعد بالإضافة إلى عدد المُسجلين كـ"طبيب حر" أكثر من عدد الذين دخلوا الخدمة بنحو 1500.
وفق المصدر نفسه، انخفض عدد الأطباء في الوزارة، خلال الفترة نفسها، بنحو 1500 مقارنةً بعام 2015.
العجز الحقيقي أكبر من المعلن
"الأعداد الفعلية أكثر من الأعداد الرسمية الواردة في إحصاء النقابة"، هكذا قال لرصيف22 مصطفى، وهو طبيب شاب في أحد المراكز الطبية الحكومية المتخصصة في علاج الأورام.
اعتداءات بدنية وملاحقات قضائية وإهانة وتشهير عبر السوشيال ميديا، علاوة على ذلك يعاني الطبيب في مصر التعنت الحكومي... إليكم كيف أصبحت مصر "بيئة طاردة للأطباء"
أضاف مصطفى: "الأرقام التي اعتمدتها النقابة تشمل الاستقالات الرسمية. هناك أرقام لا تخضع للحصر الرسمي في سجلات النقابة، مثل الفصل بعد الانقطاع عن العمل، أو الهروب للعمل في الخارج من دون الالتزام بتقديم الاستقالة إلى الجهة الحكومية".
وتابع: "العجز في عدد الأطباء يجاوز الأرقام الرسمية المصرح بها"، جازماً أن "أقسام الاستقبال في بعض المستشفيات الحكومية حالياً، تعتمد على طبيبين على الأكثر، بل إن بعض الأطباء يمارسون تخصصات غير تخصصاتهم لسد العجز في أقسام الاستقبال والطوارئ".
بيئة عمل طاردة
وعن أسباب "هروب الأطباء"، قال مصطفى: "من منظور طبي، فإن البنية التحتية للقطاع الصحي الحكومي غير ملائمة، ولا تتيح تقديم الرعاية اللازمة للمرضى".
معايير الجودة: صفر
"العمل في الطب خارج مصر مختلف"... أطباء مصريون يروون لرصيف22 كيف تبدلت حياتهم بعد "الهروب من جحيم" العمل في المستشفيات الحكومية
خارج مصر "العمل مختلف"
أكد طبيب شاب آخر، متخصص في طب الطوارئ وأقسام الاستقبال، تواصل معه رصيف22، ما قاله الطبيبان. هو أيضاً كان قد انقطع عن العمل حتى تم فصله من المستشفى الحكومي المصري الذي كان يعمل فيه. قال: "وضع بيئة العمل في مصر، وبخاصة في أقسام الطوارئ، مؤسف. التجهيزات محدودة، وعجز في الموارد البشرية يضطرك لتحمل ضغط عمل يفوق طاقتك، ومقابل مادي محدود".
وهو يصف وضعه الجديد في أحد المستشفيات الخليجية بالـ"مختلف 100 في المئة. ساعات عمل واضحة، وضغوط عمل مقبولة لوفرة الأطباء في الطوارئ، ومقابل مادي مريح".
في الأثناء، اتفق الثلاثة على أن للوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر دوراً رئيساً في هجرة الأطباء، مؤكدين أن هذا الوضع يمس جميع العمال في مختلف المهن والتخصصات.
من حسن الحظ يستطيع الأطباء العمل في الخارج ولديهم خيارات أكثر من غيرهم."لا تقدير مادياً ولا معنوياً، وهو مهدد بالضرب وتلقي غضب المرضى. فما الدافع ، والحال هذه، إلى مواصلة العمل؟"، هكذا ختم مصطفى ملخصاً وضع الطبيب في مصر حالياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...