تمسك الأب بحق ابنته فكانت العدالة لعائشة وسقط العرف والتصالح العشائري المعهود. أعلن إلياس آدم صباح 11 شباط/فبراير، تنفيذ حكم الإعدام بحق اثنين من مغتصبي وقتلة طفلته عائشة (12 عاماً) التي ألقيت جثتها قرب منزل الأسرة في مدينة جالكيعو (وسط الصومال) في مثل هذا الشهر من العام الماضي بعد 24 ساعة من اختفائها.
في الوقت نفسه، تأجل إعدام محكوم ثالث في القضية لمدة أسبوع، وفق آدم.
ورغم أن عائشة لم تكن الأولى أو الأخيرة التي تتعرض للاغتصاب الوحشي والقتل في ولاية بونتلاند التي شهدت 123 حادثة اغتصاب في عام 2016، إلا أن علامات الاعتداء الوحشي على جثة الطالبة في المرحلة الابتدائية صدمت المجتمع الصومالي فخرجت تظاهرات غاضبة ودشنت حملة تضامنية للضغط على السلطات لعدم التصالح مع المجرمين عبر وسم #JusticeForAisha.
حكم غير مسبوق
الطبيبة والناشطة الصومالية هبة شكري قالت لرصيف22: "هذا الحكم تاريخي وغير مسبوق. انتصر الحكم للمرة الأولى على ‘القبلية‘ وتجاوز المحرمات، وما كان ليصدر لولا ضغط السوشيال ميديا والإعلام وتمسك الأب بحكم القانون".
وفي الصومال تتمتع "القبيلة" بنفوذ شديد وتعلو سلطتها وأحكامها على القانون. وعادةً ما يجبر ذوو الضحية، في جرائم القتل والاغتصاب، على التنازل عن الحق الجنائي مقابل مبلغ من المال يعرف بـ"الحال" أو "الصُلحة".
لإصرار الأب الشجاع وتمرده على القبلية… تحققت العدالة للطفلة عائشة (12 عاماً) التي اغتصبت وقتلت وألقت جثتها قرب منزل ذويها. أعدم اثنان من المجرمين وثالث يلحق بهما بعد أسبوع
وإذا كما كان الجاني من قبيلة المعتدى عليها أو كانت من أسرة أقل شأناً، يمكن التجاوز حتى عن دفع هذا التعويض المالي.
وتوضح شكري لرصيف22: "والد عائشة شجاع وبطل، لكنه اضطر إلى الهرب إلى أثيوبيا للنجاة من عقوبة القبيلة التي تعتبره حالياً خارجاً عن عرفها. هو من فخذ صغير في القبيلة، واثنين من المحكومين بالإعدام هم شقيقين لذا كان وقع تنفيذ الحكم كبيراً".
وتلفت إلى أن "القبيلة منحت القتلة والمغتصبين حصانتها وتطارد صاحب الدم، الأب… شيء مؤسف وقد يتسبب في ترهيب الأهالي لاحقاً من الإصرار على طلب العدالة".
"نخشى أن يكون (هذا الحكم) الأخير. لكن بشاعة الجريمة كتفاصيل وحتى طرق القتل والتنكيل لم تسمح لهم بأي تعاطف"، أردفت شكري.
لم يكن أحسن المتفائلين يتوقع حكماً كهذا، أو يتوقع حتى القبض على المتهمين رغم بشاعة الجريمة وخروج مظاهرات لأجلها وحدوث نقاشات حادة مع المثقفين وعلماء الدين في البلاد وتعهد حاكم الولاية سعيد دني بإنفاذ القانون، على حد قول الناشطة الصومالية.
"تمهيد لإعدام المغتصب"
غير أن القضية مهدت لسابقة الحكم بإعدام المغتصب بعدما "كان من النادر وصول قضايا الجرائم الجنسية إلى المحاكم وعدم انتهائها بدفع ديات للأهل أو إذا طبق القانون يكون قانون شرعي بجلد المغتصب وهو الحد الشرعي لـ‘الزاني‘". وترى شكري أن جرائم الاغتصاب لا بد أن تفصل تماماً عن "الزنا" حيث يجعلها هذا "جريمة أخلاقية لا جنائية ضد المرتكب".
الناشطة الصومالية هبة شكري لرصيف22: "لأول مرة يحكم بالإعدام على مغتصب. ولأول مرة أيضاً اعتمد فحص الحمض النووي لتحديد المغتصبين. ما كان هذا ليحدث لولا ضغط السوشيال ميديا وشجاعة الأب"
جانب آخر يضيف إلى "تاريخية الحكم" حيث استخدم فحص الحمض النووي (DNA) لتحديد المتهمين الضالعين في الاغتصاب، وهو ما رفضه بعض شيوخ وعلماء الدين متذرعين بأن تلك "ليست طريقة شرعية"، حسبما أوضحت شكري.
واستطردت: "المتهمون في هذه القضية كثر ومن حكموا بالإعدام ليسوا إلا من ثبت عليه بالحمض النووي. لكن هناك من اشترك في الجريمة النكراء إخفاء المجرمين أو نقل الجثة وإلقائها وغيرهم… للأسف كل هؤلاء طلقاء".
وجرائم الاغتصاب في الصومال "تكاد تكون ظاهرة" و"تهدد النسيج المجتمعي بشدة"، وفق تقارير حقوقية وإعلامية عديدة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد اعتبرت، في تقرير لها عن الاغتصاب في الصومال في عام 2013، هذه الجرائم "وباء مستمر بالصومال".
وتزامن هذا مع تقرير أممي يفيد بوقوع نحو 800 اعتداء جنسي في العاصمة مقديشو فقط خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2013.
الناشطة الصومالية هبة شكري لرصيف22: "والد عائشة هارب حالياً في إثيوبياً خوفاً من بطش القبيلة التي منحت المغتصبين حصانتها واعتبرته هو صاحب الدم خارجاً عن تقاليدها، لأن اثنين من المحكومين بالإعدام شقيقين ولأن الضحية من فخذ صغير"
وعادت منظمة هيومن رايتس ووتش لتحذر من تفشي الاغتصاب في البلاد في تقرير صدر مطلع العام 2014 بعنوان: "الاغتصاب أمر عادي هنا".
ورغم بشاعة جريمة قتل واغتصاب الطفلة عائشة، والقبض على عدد من المتهمين على ذمة القضية، شهدت مدينة جرووي، عاصمة بونتلاند، بعد شهرين فقط حادثة لا تقل بشاعة، باغتصاب وقتل امرأة حامل وأم لطفلين بينما كان زوجها غائباً عن المدينة في نيسان/أبريل من العام الماضي.
ويؤكد مركز مقديشو للبحوث والدراسات، في تقرير له صدر في نيسان/أبريل الماضي، أن "من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه ‘الظاهرة‘ (الاغتصاب) الإفلات من العقاب، حيث أن معظم مرتكبي هذه الجرائم يفلتون من العقاب لأسباب من بينها حلّ القضية عرفياً، بدفع مال أو تسوّية الجريمة بتزويج المغتصب من المغتصبة"، لافتاً إلى أن "كلا الأمرين يشجّع آخرين على ارتكاب جريمة الاغتصاب طالما أنّه في مأمن من العقاب"، مطالباً بـ"اتخاذ إجراءات وتدابير صارمة، تعاقب المجرمين وتردع كلّ من تسوّل له نفسه ممارسة الاغتصاب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين