للوهلة الأولى، ظنّ الشارع الفلسطيني أن الفصائل على اختلاف أيديولوجياتها قادرة على اتخاذ موقف صارم لمواجهة صفقة القرن، وذلك من خلال التصريحات التي أعقبت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خطته للسلام، في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2020، وهي في مجملها كانت تصب في خانة "الوحدة" لمواجهة الخطة.
ولكن تدريجياً، خفت وهج الأصوات الحماسية الداعية لإنهاء الانقسام السياسي، وعاد الفلسطينيون، وتحديداً حركتا فتح وحماس، إلى مربع السجال مجدداً.
للوهلة الأولى، ظنّ الشارع الفلسطيني أن الفصائل على اختلاف أيديولوجياتها قادرة على اتخاذ موقف صارم لمواجهة صفقة القرن.
في خطابه الأول الذي أعقب إعلان ترامب لتفاصيل صفقة القرن، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنه مستعد لزيارة قطاع غزة للجلوس مع إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من أجل التوحد في مواجهة صفقة القرن، ومع ذلك لم يحصل هذا الأمر إلى الآن.
حركة فتح بدورها بادرت إلى الإعلان عن نية زيارة وفد من منظمة التحرير قطاع غزة، لكن سرعان ما قالت مساء الإثنين الماضي، الثاني من شباط/ فبراير، إنها قررت تأجيل زيارة وفد المنظمة إلى قطاع غزّة، بسبب عدم إعطاء حماس أي رد على موعد عقد اللقاء.
هذا الإعلان أعقبه الدخول في حالة من التراشق الإعلامي بين الحركتين المنقسمتين منذ 14 عاماً، الأمر الذي يكشف عن أمرين، الأول هو هشاشة البيت الفلسطيني في مواجهة الصفقة، والثاني هو حجم العداوات العميقة بين هذين الفصيلين، فتح وحماس، والتي أججتها الحرب على السلطة والنفوذ.
الخطة التي فصلتها الإدارة الأمريكية، وفق مقاييس إسرائيل ومقتضيات الحاجة في الشرق الأوسط للتخلص من "الصداع" الفلسطيني، تواجه بفتور وضعف واضحين على المستوى المحلي، ما قد يعطي دلالة واضحة على أن السكوت علامة الرضا
الخطة التي فصلتها الإدارة الأمريكية، وفق مقاييس إسرائيل ومقتضيات الحاجة في الشرق الأوسط للتخلص من "الصداع" الفلسطيني، تواجه بفتور وضعف واضحين على المستوى المحلي، ما قد يعطي دلالة واضحة على أن السكوت علامة الرضا.
يتجلى هذا الرضا في عدم استخدام كل من الطرفين الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي من أوراق قوته: حتى الآن، الرئيس أبو مازن لم يعط قراراً بوقف التنسيق الأمني في الضفة، مع أنه كان بإمكانه فعل ذلك من باب حفظ ماء الوجه على الأقل، بعد الوصول إلى هذه النتيجة المؤسفة من التعويل على عملية السلام.
ومع ذلك، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء توفيق الطيراوي، إن وقف التنسيق الأمني هو آخر ورقة بيد السلطة، وسيؤخذ في حال نفذ الاحتلال الإسرائيلي قرار ضم الأغوار وأجزاء من الضفة.
وفي المقابل، حركة حماس التي تصنف على أنها حركة مقاومة، لم تستخدم سلاحها في مواجهة الصفقة، واكتفت بالسماح بإشعال الإطارات على المفترقات العامة، احتواء لحالة الغضب الشعبي.
إسرائيل مطمئنة للحالة القائمة وتضع أقدامها في مياه باردة، ينعكس ذلك فيما تناقلته الصحافة العبرية، عن أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يخشى من سيطرة حماس على الضفة الغربية، ولهذا منع أبو مازن الشبان الفلسطينيين من المواجهات مع الجيش الإسرائيلي.
ووفقاً لما نقل عن المحلل الإسرائيلي، تسفي يحزكئلي للقناة العبرية 13، الأربعاء الماضي، فإن أبو مازن اتخذ قراراً بعدم تسخين الشارع ولجم الأحداث، خوفاً من استغلال حماس تلك الأحداث وفرض سيطرتها على الضفة.
أما على صعيد حماس، فالمعطيات الميدانية تشير إلى أن الحركة غير معنية بالدخول في موجة عنف جديدة مع إسرائيل، وذلك طمعاً في تطبيق تفاهمات التسوية التي رعتها القاهرة وأوساط أممية، وهي مساع من أجل الوصول إلى تهدئة طويلة الأمد، والسماح بانتعاش اقتصادي في غزة، بمقابل وقف الهجمات الصاروخية من القطاع.
إسرائيل تدرك، وفق تقديرات المؤسسة الأمنية، أن القذائف الصاروخية التي تطلق بشكل متقطع من القطاع، إلى جانب البالونات الحارقة، هي محاولة من حماس للمناورة تحت النار، وذلك من أجل إجبار إسرائيل للإسراع في تنفيذ تفاهمات التسوية قبل إجراء انتخابات الكنيست المقبلة.
الوقائع على الأرض تؤكد أن فتح وحماس تحاولان الحفاظ على العصفور الذي في اليد، وليس العصفور الذي فوق الشجرة. بمعنى آخر، الطرفان يسعيان بشكل جلي للحفاظ على مصالحهما، ما يحول دون التوحد ضد صفقة القرن، وسط تغييب كامل لمصالح الشعب الفلسطيني
هذا يعني أن الطرفين الفلسطينيين مكبلا الأيدي في مواجهة خطة السلام المزعومة، أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، وكلاهما يستخدم مسوغاته حفاظاً على كيانه، وهذا بحد ذاته علامة على أن الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، ربما بات أشد ضراوة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
تقول مصادر مقربة من حركة حماس، إن الأخيرة تدرك أن قرار صفقة القرن نافذ لا محالة، وأنه ليس بمقدورها أن توقف هذه الصفقة التي تدعمها دول عربية عدة، ولهذا فإن أي مواجهة موسعة ضد إسرائيل في هذا التوقيت لن تجني إلا مزيداً من الخسارة والدمار.
وأضافت المصادر، أن حماس الآن تعوّل على اتمام بنود التسوية مع إسرائيل والسماح بإحداث انتعاش اقتصادي في غزة، بالإضافة إلى إتمام صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال، بما يضمن لها تعزيز مقومات حكمها في غزة، إلى جانب رفع أسهمها في أي انتخابات قادمة، سواء كانت تشريعية أو رئاسية، ولهذا ربما لا تكون في حاجة للتحالف مع أبو مازن، الذي خسر بمنظورها مقومات بقائه في السلطة.
الوقائع على الأرض تؤكد أن فتح وحماس تحاولان الحفاظ على العصفور الذي في اليد، وليس العصفور الذي فوق الشجرة. بمعنى آخر، الطرفان يسعيان بشكل جلي للحفاظ على مصالحهما، ما يحول دون التوحد ضد صفقة القرن، وسط تغييب كامل لمصالح الشعب الفلسطيني، وتهميش للفصائل الأخرى، بما فيها الفصائل الوازنة كالـ"الجهاد الإسلامي" مثلاً.
هذه الحالة القائمة، يصفها الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، بأنها نتيجة لقصور الفكر السياسي الفلسطيني، إذ قال: "من المحزن أن نكون في خضم صفقة القرن ونمعن في قراءة ما تنطوي عليه من أخطار وما باتت تفرضه من تحديات، دون أن نستطيع بصورة ملموسة الحديث عن جواب السؤال المطروح بشدة وإلحاح، ما العمل؟".
وبسبب القصور الفكري، دعا سويلم إلى تداعي مجموعات كبيرة من المثقفين الوطنيين، والعمل بصورة فعالة وسريعة لسد هذه الثغرة في الواقع الفلسطيني، مشيراً إلى أن هذه دعوة للمبادرة والتنادي للمساهمة المشتركة في تشكيل رؤية المرحلة القادمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت