يشمل مصطلح متلازمة ما قبل الحيض (PMS) مجموعة من الأعراض الجسدية والعاطفية المزعجة التي يعاني منها حوالي 80% من النساء، قبل بداية الدورة الشهرية بأسبوع تقريباً، وذلك نتيجة التغيرات الهرمونية المصاحبة والسابقة لفترة الحيض، والتي ينتج عنها اختلال التوازن بشكل خاص ما بين هرموني الإستروجين والبروجستيرون.
وقد قام الباحثون بتوثيق أبرز الأعراض التي تصاحب متلازمة ما قبل الحيض، بما في ذلك التغيرات الجسدية والعاطفية والسلوكية، ووجدوا أنه بالإضافة إلى التقلب الحاد في المزاج، القلق، التوتر وحالة الحزن التي قد تمرّ بها بعض النساء، تعتبر الرغبة الشديدة في تناول الطعام من أكثر الأعراض شيوعاً خلال هذه الفترة.
من البرغر والباستا ورقائق الشيبس وصولاً إلى الشوكولا والآيس كريم وغيرها، ما الذي يجعل معظم النساء يتناولن الكثير من الحلويات والأطعمة الدسمة قبل موعد حدوث الدورة الشهرية؟ وكيف يمكن التغلب على هذه الشهية المفرطة؟
الشهية المفرطة
في معظم الحالات، تكون المرأة قادرة على المحافظة على وزنها من خلال الالتزام بنظام غذائي صحي لحوالي شهر تقريباً، وفجأة في الأيام القليلة التي تسبق فترة الحيض، تجد نفسها عاجزة عن كبح جماح شهيتها المفرطة، فتلتهم علبة شوكولا بكاملها، أو تلجأ لزيادة تناول الوجبات السريعة والأطعمة الغنية بالكربوهيدرات.
تعتبر الرغبة الشديدة في تناول الطعام (food craving) واحدة من الأعراض الشائعة التي تصاحب متلازمة ما قبل الحيض، إذ تؤكد الأبحاث أن المرأة في العادة تميل إلى تناول المزيد من الأطعمة خلال المرحلة الأصفرية Luteal phase، وهي المرحلة المتأخرة من الدورة الشهرية، مقارنة بالمرحلة المسامية للدورة الشهرية التي تؤدي إلى الإباضة.
تعتبر الرغبة الشديدة في تناول الطعام (food craving) واحدة من الأعراض الشائعة التي تصاحب متلازمة ما قبل الحيض
واللافت أن هذه الشهية المفرطة للطعام الغني بالدهون، السكر والكربوهيدرات، قد تجعل المرأة تكتسب المزيد من الوزن، وتستسهلك ما يصل إلى 500 سعرة حرارية إضافية في اليوم الواحد، وفق ما كشفته دراسة أجراها المعهد الوطني للتغذية وتكنولوجيا الغذاء التونسي في العام 2016، على 30 امرأة بصحة جيدة، تراوحت أعمارهنّ بين 18 و45 عاماً.
ما الذي يسبب الرغبة المفرطة في تناول الطعام؟
بالرغم من أن الأبحاث ما زالت مستمرة في هذا الشأن، إلا أن هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير هذه الشهية المفرطة لتناول الطعام.
علاج دوائي: تعتبر هذه النظرية أن المرأة، ومن دون وعي، تستخدم الطعام كعلاج دوائي.
تشير العديد من الدراسات أن النساء في طورهنّ الأصفر يرغبن في المزيد من الكربوهيدرات مقارنة بالمرحلة المسامية للدورة الشهرية.
وكما هو معلوم، فإن تناول الكربوهيدرات يؤدي إلى زيادة مستويات السيروتونين، وهو ناقل عصبي يساهم في الشعور بالراحة والسعادة، وبالتالي من خلال تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، فإن النساء قد يقمن بتطبيب أنفسهنّ من أجل الشعور بالتحسّن.
من هنا تعتبر الشوكولا من أكثر الأطعمة التي تشتهيها النساء خلال هذه الفترة، وذلك لكونها مزيجاً من الكربوهيدرات والدهون.
واللافت أنه في إحدى الدراسات، عندما قام الباحثون بزيادة السيروتونين العصبي في الدماغ، وذلك عن طريق النظام الغذائي أو الأدوية، فإن الرغبة في تناول الطعام عادت إلى طبيعتها.
الراحة البدنية والنفسية: هناك تفسير آخر للشهية المفرطة، مبني على فكرة أن النساء يلجأن عمداً إلى الطعام من أجل الحصول على الراحة البدنية والنفسية.
والواقع أن الطعام قد يلعب دوراً حسياً، من خلال القضاء على أي شعور غير مريح بالجوع، والشعور بالسعادة عند تذوق طعام لذيذ.
وقد وجد الباحثون أن مجرد "التفكير" في طعام لذيذ وشهي هو الدافع الرئيسي للرغبة الشديدة في تناوله، وليس الأمر مدفوعاً فقط بالجوع.
بالإضافة إلى ذلك فقد أبلغت النساء عن وجود محفّزات محددة وراء التفكير في تناول أطعمة معيّنة، مثل الكآبة، الملل أو الإجهاد، الأمر الذي عزز احتمال أن تجلب بعض الأطعمة الشعور بالراحة، وتساعد على تخفيف المشاعر غير السارة التي قد تواجهها المرأة أثناء متلازمة ما قبل الحيض.
تأثير الهرمونات: رجح بعض الباحثين أن تكون الهرمونات وراء الرغبة المفرطة في تناول الطعام خلال فترة ما قبل الحيض.
فقد لاحظ العلماء أن المرأة تميل إلى تناول المزيد من الطعام عندما تكون مستويات هرمون الأستروجين منخفضة ومستويات هرمون البروجيستيرون مرتفعة، كما يحدث خلال المرحلة الأصفرية.
وما يدعم هذه النظرية، هو وجود حبوب منع الحمل التي تحتوي فقط على البروجيستيرون، والتي ترتبط عادة باكتساب الوزن بسبب قيامها بزيادة الشهية لدى المرأة.
وهناك سبب آخر محتمل للرغبة الشديدة في تناول الطعام، هو تغيير استجابة الجسم للأنسولين في مرحلة ما قبل الحيض، ما يعني أن بعض النساء قد يختبرن تغييرات بسيطة في نسبة السكر في الدم ويشتهين الحلويات.
العوامل الثقافية والاجتماعية: هناك عوامل ثقافية واجتماعية تلعب دوراً هاماً عندما يتعلق الأمر بالشهية المفرطة، ولعلّ الأفلام هي خير دليل على ذلك، بحيث أننا في الغالب نشاهد الممثلين وهم يتناولون البوظة والشوكولا والأطعمة الدسمة عندما يشعرون بالحزن والتوتر... بمعنى آخر، ونتيجة للموروثات الثقافية والاجتماعية، تحولت بعض الأطعمة إلى وسيلة للتعامل مع حالات التوتر والإحباط لكونها تجعلنا نشعر بتحسن.
قام عالم النفس الروسي إيافان بافلوف، باختراع جهاز يمكن بواسطته مراقبة كمية اللعاب السائل من فم الكلب عندما يوضع الطعام في فمه، مراقبة مباشرة.
في العام 1902 تقريباً، لاحظ بافلوف أن الكلاب التي يجري عليها تجاربه كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي يقدم لها الطعام، بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى أفواهها.
في المرحلة الأولى أعطى بافلوف الكلاب طعاماً وقام بقياس كمية اللعاب في فمها، في المرحلة الثانية قام بإسماع الكلاب صوت جرس قبل تقديم الطعام، في المرحلة الثالثة قام بإسماع الكلاب صوت الجرس بدون تقديم طعام، ومع التكرار تسبب الصوت وحده في إسالة لعاب الكلاب، وبذلك نجح بافلوف في أن يعلم الكلب الربط بين ظهور الطعام وصوت الجرس، فأنتج رابطاً بين استثارة غير مشروطة أي الطعام، لاستثارة مشروطة أي الجرس، وتعلَّم الكلب خلال التجربة أن يسيل لعابه عند سماع صوت الجرس.
من هنا وجد جون أوبلزان، أستاذ مساعدة في علم التغذية في مركز أبحاث الطب الحيوي في بينينغتون، أن الرغبة الشديدة في تناول الطعام يمكن تفسيرها انطلاقاً من نظرية بافلوف والاستجابة للتكيّف، شارحاً ذلك بالقول: "إذا كنتم تأكلون الفشار دائماً عندما تشاهدون برنامجكم التلفزيوني المفضل، فإن الرغبة الشديدة للفشار سوف تزداد عند مشاهدته".
وعليه أشار موقع بي بي سي إلى أن الرغبة الشديدة في تناول الطعام والـ PMSقد تعود لعوامل ثقافية خاصة ببعض المجتمعات، بحيث اعتبر الباحثون أن النساء قد يربطن الشوكولا بالحيض، لأنه خلال هذه الفترة يشعرن بأنه من المقبول ثقافياً أن يتناولن "الأطعمة المحرّمة"، وكأنهنّ بذلك يبررن إقدامهنّ على تناول الشوكولا.
أبلغت النساء عن وجود محفّزات محددة وراء التفكير في تناول أطعمة معيّنة، مثل الكآبة، الملل أو الإجهاد، الأمر الذي عزز احتمال أن تجلب بعض الأطعمة الشعور بالراحة، وتساعد على تخفيف المشاعر غير السارة التي قد تواجهها المرأة أثناء متلازمة ما قبل الحيض
كيف يمكن كبح جماح الشهية المفرطة خلال متلازمة ما قبل الحيض؟
يمكن أن تساعد بعض التغييرات البسيطة في أسلوب الحياة في تحقيق التوازن والتقليل من الأعراض غير المرغوب بها والمتعلقة بالدورة الشهرية، كقيام المرأة مثلاً بممارسة الرياضة بطريقة منتظمة، الاسترخاء، تقليل الإجهاد عن طريق تمارين التنفس، اليوغا، التأمل، جلسات التدليك والحصول على قسط وافر من النوم.
أما بالنسبة للنظام الغذائي، فيمكن تحسينه من خلال اتباع الخطوات التالية:
-اختيار الكربوهيدرات المعقدة، بما في ذلك الحبوب الكاملة، الأرز البني، الفاصوليا والعدس، بالإضافة إلى اختيار القمح الكامل على الدقيق الأبيض.
-تقليل الأطعمة الغنية بالدهون والملح والسكر لكونها تساهم بفتح الشهية.
-تقليل أو تجنب استهلاك الكافيين والكحول.
-تناول المزيد من الأطعمة الغنية بالكالسيوم، بما في ذلك الخضار الورقية الخضراء ومنتجات الألبان.
فقد أظهرت إحدى الدراسات أن النساء اللواتي يتناولن الحليب والجبنة واللبن لديهنّ انتفاخ أقل في البطن ورغبة أقل في تناول الطعام، وذلك لأن الكالسيوم الموجود في هذه الأطعمة يساعد في تنظيم توازن السيروتونين الذي يجلب الشعور بالراحة.
-تناول مكملات المغنيسيوم، لكون هذا المعدن يمكن أن يساعد في تقليل احتباس الماء والانتفاخ، بالإضافة إلى تحسين الحالة المزاجية، هذا ويمكن لفيتامين B6 وفيتامين E أن يساهما في الحدّ من الرغبة الشديدة في تناول الطعام.
وفي الختام من المهم أن تكون المرأة على دراية بجسمها وبكيفية استجابته للدورة الشهرية، بحيث أن العوارض الجسدية والنفسية المصاحبة لمرحلة ما قبل الحيض تختلف من امرأة إلى أخرى، كما أنه من المهم أن تعي المرأة أن ما يحدث لها خلال هذه الفترة الزمنية هو أمر طبيعي ولا يجب القلق بشأنه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...