على عكس النمط الشائع في وسائل الإعلام، تعتقد شرائح واسعة من المجتمع المغربي أن جمال المرأة المغربية في امتلاء جسدها، ووزنها الزائد، وعادة ما تكون المرأة ذات الوزن الزائد محط إعجاب الجميع.
في الثقافة المغربية، يتمّ قولبة المرأة بحسب شكلها، المرأة زائدة الوزن توصف بأنها إنسانة طيبة القلب، وتتمتع بالصبر، خلافاً للمرأة النحيفة التي توصف بالأنانية والقساوة، وكثيرات هن النساء اللواتي يسعين إلى زيادة وزنهن، خصوصاً المتزوجات حديثاً أو المقبلات عن الزواج.
المرأة الممتلئة رمز الخير والبركة
تقول سناء مرتجي (34 سنة)، متزوجة وأم لطفل، تسكن الدار البيضاء، لرصيف22:إن "الرجال في عائلتها يفضلون المرأة الممتلئة ذات الوزن الزائد، إذ يرون في سمنتها مظهراً من مظاهر الجمال والثراء ورمزاً للخير والبركة، فالوزن الزائد لا يمكن أن يكون عقبة أمام إحساس المرأة بأنوثتها وجمالها، فمثلاً أنا سعيدة بشكلي خاصة عندما يعبر زوجي عن إعجابه بهذا الشكل، ما يزيد من راحتي في حياتي الزوجية".
تبتسم سناء وهي تنظر إلى جسمها، قائلة: "جسمي الممتلئ دلالة على كرمي وسخائي".
وتوافقها سهام (26 عاماً)، ممرّضة تسكن في الرباط، تقول لرصيف22: "نحافتي تؤثِّر على نفسيتي، وأشعر بالنقص لكوني لا أحصل على جسم ممتلئ قليلاً، لكوني مقبلة على إقامة حفل زفافي، فأنا أسعى بكل الطرق والوصفات الشعبية والطبية لأحصل على قوام أكبر، خاصَّة في بعض المناطق من جسمي التي تبرز فيها الأنوثة بشكل أكبر، خاصة وأنَّ خطيبي يرغب في مواصفات جسدية معينة".
إغواء البدانة في المغرب
يسيطر الرجال في المغرب، كمعظم المجتمعات الذكورية في الدول العربية، على معايير الجمال، ما يدفع النساء لتبنيها، وأحياناً يشعرن بالغيرة لأنَّ امرأة تفوقت عليهنَّ في تلك المعايير.
يقول ياسين مصروف (30 سنة) موظف بنك، ينحدر من عائلة صحراوية، لرصيف22: "أفضّل الممتلئة لكونها أكثر إغراء في اللباس، من خلال إبراز تعرجات جسدها، ما يجعلها أكثر إثارة، ومعروف في ثقافتنا أن المرأة الممتلئة عادة ما تتميَّز بروح دعابة، وخفة ظل، ما يلفت نظر الرجل ويثير إعجابه".
تبتسم سناء وهي تنظر إلى جسمها، قائلة: "جسمي الممتلئ دلالة على كرمي وسخائي"
"بحسب تقاليد المجتمع الذي تربيتُ فيه جنوب المغرب، فإنَّ المرأة الممتلئة لها جاذبية أكبر، وعلامة على الرُّقي الاجتماعي، ثمَّ إنَّ المرأة الممتلئة كلمتها متينة كما يقولون"
ويرى ياسين أنَّ تلك النظرة للمتلئات لا تقتصر على الرجال، فهي تُمثِّل المجتمع الذي عاش فيه، يقول: "بحسب تقاليد المجتمع الذي تربيتُ فيه جنوب المغرب، فإنَّ المرأة الممتلئة لها جاذبية أكبر، وعلامة على الرُّقي الاجتماعي، ثمَّ إنَّ المرأة الممتلئة كلمتها متينة كما يقولون".
كثيراً ما يُردِّد الصحراويون أمثالاً مثل: "تگبظ من لخلاگ الِّ تگبظ من لفراش"، في إشارة إلى أنَّ حجم المرأة الممتلئ هو دليل جمالها، وبأنها تكون أكثر إمتاعاً للرجل في الفراش.
والملفت أيضاً في المجتمع الصحراوي أنّ المرأة البدينة مفخرة للعائلة، ومؤهلة للزواج أكثر من غيرها، وهنا تأخذ الأمهات على عاتقهن "تسمين" بناتهنّ، على حد التعبير المغربي الشائع، انطلاقاً من وسائل غذائية، وأساليب خاصَّة وغريبة، و"البلوح" أشهر تلك الوسائل.
عادة صحراوية قديمة لـ"تسمين" الفتيات
في الوقت الذي يعتبر فيه فقدان الكيلوغرامات الزائدة هاجساً لدى الكثيرات، تعتبر السمنة والبدانة في المجتمع الحساني، جنوب المغرب، قيمة جمالية مضافة للمرأة الحسانية، هذا وتتعرض الكثير من الصحراويات قبل الزواج لعميلة "البلوح" بطريقة أو بأخرى، حسب اختلاف المناطق لاكتساب كيلوغرامات زائدة.
تقول أمينة التوبالي، الناشطة والباحثة في الثقافة الحسانية، لرصيف22: "إنَّ البلوح تعتبر عادة قديمة مُتجذِّرة في المجتمع الصحراوي، يُراد بها "تسمين" النساء، ما يعتبر لدى الصحراويين رمزاً من رموز الجمال والوجاهة، حيث يرون أن المرأة الممتلئة بنت عائلة كريمة، والمرأة النحيفة في المجتمع الحساني تدلّ على الفقر والعوز وقلة ذات اليد، وكلَّما كانت الفتاة ممتلئة زاد حظها في جذب زوج مثالي وميسور الحال".
عادة ما تكون عملية "البلوح" تحت إشراف خبيرة تسمى "البلاحة"، التي تعمل على توجيه النساء، ترافقهنّ يومياً منذ الصباحات الباكرة إلى الشاطئ، من أجل نصب خيم، والجلوس فيها أكثر من شهرين لتحصيل نتائج مرضية، ثم يأخذن قنينات ضخمة موصولة بأنبوب رقيق، يملأنها بماء البحر بعد تدفئته، ثم يدخلن الأنبوب في مؤخرة الفتاة من أجل تنقية أمعائها استعداداً لعملية "التبلاح".
بعدها تكون مرحلة الأعشاب، حيث تعمل الأمهات "خلطة" مكونة من أعشاب متنوعة مثل: "الورد والعنب الجاف أو الزبيب، الخزامة، التمر، حب الرشاد، والحبة السوداء، يعطى للفتاة، إضافة إلى ما يُسمَى بـ"الليك" التي تحتوي على "شدك الجمل، أذن الحلوف أي الخنزير، الريحان، الحلحال، ذنبالة هندية، تريلة، كوزة صحراوية، السيكران تارة، زريعة الكتان، التمر، الخزامة، الثومة الحمراء، السالمية وزيت الزيتون، يتم خلطها على شكل عجين وتتم تحليتها باللوز، الصوجا، الشوكولاتة، التمر وسمن الماعز، تصنع منه كويرات صغيرة، تداوم الفتات على أكلها كل صباح".
ليتم بعدها إرغام الفتاة على تناول كميات من لحم الإبل، ومنعها من أي نشاط مرهق، وفي هذه الفترة يكون نشاط الفتاة مقتصراً على الأكل والنوم والاهتمام ببشرتها وشعرها فقط، ليلاحظ بعد أسابيع قليلة أنها امتلكت وزناً زائداً، لتُكلَّل بذلك عملية "التبلاح" بالنجاح.
وعادة ما تلجأ "البلاحة" إلى استخدام أداة خشبية تُسمَّى "أزيار"، ذات رأسين، تشدّ بهما أصابع أرجل الفتاة، ممَّا يُحدِث ألماً بالغاً بسبب الضغط عليها، وذلك في حالة رفضها تناول الطعام أو شرب الحليب.
ترى التوبالي أنَّه على الرغم من التطور التكنولوجي لا زالت عادة "البلوح" تمارس عند الكثير من العائلات الصحراوية، خاصة البدوية منها، وأن غالبية الصحراويات يمررن بعملية "التبلاح"، وفي بعض الأحيان تتم العمية قسراً في حال كان هناك رفض من قبل الفتاة".
"أنوثة المرأة لا تقتصر على أن تكون ممتلئة، بالعكس، الأنوثة تكمن في أشياء أخرى أهمها القوام المتناسق".
وتعارض نبيلة كميمي، صحفية مغربية مقيمة في الرباط، المعايير العامة لجمال المرأة المرتبطة بالوزن الزائد، وتحافظ على رشاقتها، تقول لرصيف22: " أنا ضد أي فكرة تسمين أو أخذ حبوب أو أدوية طبيعية لمجرد الزيادة في الوزن، ثمّ إنَّ أنوثة المرأة لا تقتصر على أن تكون ممتلئة، بالعكس، أنوثة المرأة تكمن في أشياء أخرى أهمها القوام المتناسق".
تضيف كميمي: "أنا أفتخر بكوني رشيقة، لا أملك وزناً زئداً، وأحاول أن أكون ملتزمة بالحميّة حتى أحافظ على هذا القوام، فمسألة السعي وراء الزيادة في الوزن باتت متجاوزة، وأعتقد أنه يجب أن نقطع تلك العادة، لأنّه لا فائدة منها، اذ تصبح المرأة محرومة من الكثير من الألبسة، هذا بالإضافة إلى تعرّضها للكثير من الأمراض".
من جهة أخرى، لايزال "التسمين" القسري يثير استياء شرائح من المجتمع الصحراوي، خاصة الشباب، ويجذب انتقادات حقوقية، وفي النهاية ميل مجتمع ما إلى النحافة أو الوزن الزائد هي مسألة ذوق، ولكن يظلّ الرجل وخيالاته حيال المرأة هو المتحكم في كثير من دول العالم، سواء تلك المصورة في إعلانات الشركات الكبرى، وأفلام هوليوود، أو متخيَّلة في الأمثال والحكم الشعبية في المغرب، ما يطرح تساؤلاً حول حرية المرأة في تصورها لنفسها وجمالها، بعيداً عن تطلّعات الذكر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...