شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا يحب البعض

لماذا يحب البعض "نشر غسيله العاطفي" على الإنترنت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 24 يناير 202006:23 م

لقد غيّرت التكنولوجيا الطريقة التي نشعر بها تجاه الحب، الحميمية والاتصال مع الآخر، فكم عدد المرات التي نرسل فيها رسائل نصية بدلاً من التحدث وجهاً لوجه مع شخص مقرّب منا؟ كم مرة اكتفينا باستخدام "الإيموجي" بدلاً من التعبير عن مشاعرنا بالفعل؟ كم مرة خُدعنا بـ"الكلام المعسول" عبر النت، وعندما التقينا صاحبه وجدناه غير قادر على التفوه بجملة واحدة دون تلعثم....

وكوننا نمضي وقتاً متزايداً مع هواتفنا الذكية وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا، فإن البعض بات "مدمناً" على توثيق حياته العاطفية ومشاركتها مع الجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ربما من باب "تطمين" نفسه والتأكيد للآخر بأن العلاقة بينهما تستحق المجاهرة.

كيف تغيّرت لغة الحب في العصر الرقمي؟

لغات الحب

يعتبر مستشار العلاقات غاري تشابمان، أن هناك 5 لغات أساسية للحب: كلمات التأكيد، أعمال الخدمة، الهدايا، الاستغلال الجيّد للوقت والاحتكاك الجسدي.

في العادة يميل الأفراد بشكل طبيعي للتعبير عن الحب بالطريقة التي يفضلون تلقي الحب بها، ويمكن أن تكون هذه مهمة أكثر تحدياً، بالنظر للدور البارز الذي تلعبه التكنولوجيا في الرومانسية الحديثة، فهل تعتبر النصوص المدروسة "كلمات تأكيد"؟ هل يُعد استخدام تطبيق Face-timing مثلاً بمثابة قضاء "وقت جيد" مع الشريك؟

للأسف بات الحب في عصرنا هذا يتلاشى بسرعة فائقة، حتى أن بعض العلاقات العاطفية لا تطفىء شمعتها الأولى، فهل أصبحت العلاقات صعبة ومعقدة في يومنا هذا بسبب الضغوطات المعيشية والحياتية التي نرزح تحت ثقلها، أم أننا نسينا فعلاً كيف نحب ونسينا أصلاً ما هو الحب؟

من هنا انكب الخبراء على دراسة وتحليل أسباب العلاقات الفاشلة، واعتبرت الغالبية العظمى من الآراء، أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المسؤولة عن فشل العلاقات العاطفية في يومنا هذا، وذلك بسبب غياب التواصل الفعلي بين الأشخاص، وتمضية معظم الوقت وراء الشاشات.

توثيق الرومانسية

ترتبط عادات النشر على الإنترنت ارتباطاً مباشراً بما يسميه علماء الاجتماع relationship visibility (وضوح العلاقة) أي عندما نجعل علاقتنا جزءاً من شخصياتنا العامة.

وبحسب دراسة نشرت مؤخراً في نشرة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، فإن وجود درجة عالية من "وضوح العلاقة" والإفراط في نشر تفاصيل العلاقة مع الشريك/ة هو بمثابة قناع لعدم الأمان في العلاقة، بما معناه أن الأشخاص الذين يعيشون أنماط ارتباط مضطربة ويحتاجون إلى مزيد من الطمأنينة حول علاقتهم، فإنهم يقومون بنشر تفاصيل حياتهم العاطفية على العلن.

لقد اعتاد الكثير من مستخدمي إنستغرام وفيسبوك على مشاركة كل تفاصيل حياتهم، بدءاً من تاريخ اللقاء مع الحبيب المفترض، وصولاً لمناسباتهم الخاصة وقبلاتهم وهداياهم على الشبكة العنكبوتية... وكأنهم بذلك يريدون إخبار الجميع أنهم يعيشون "أسعد أيام حياتهم"، وأن علاقتهم بالشريك تسير على خير ما يرام، فيشعرون بالحاجة الملحة لتوثيق كل حدث وحادثة، حتى وإن كانت مواقف حميمة.

الإفراط في نشر تفاصيل العلاقة مع الشريك/ة هو بمثابة قناع لعدم الأمان في العلاقة

والواقع أن هؤلاء الأفراد يعيشون رومانسيتهم بصوت عال، وقد تثير صورهم وأخبارهم التي لا تنتهي امتعاض أولئك الذين يحاولون العثور على حب ويفشلون، كما أنها تثير شكوك البعض الآخر بشأن علاقاتهم الخاصة، ويتساءلون في قرارة أنفسهم عن السبب الذي يمنع شركاءهم من التعبير عن حبهم لهم في العلن، ولا "يمطرونهم" بالهدايا، على غرار ما يقوم به بعض روّاد التواصل الاجتماعي.

واللافت أن البعض اعترف بأن ما يحصل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي من show off دفعه للبقاء في علاقات عاطفية أطول مما ينبغي، وذلك حفاظاً على المظاهر الاجتماعية، رغم علمه بأنه يعيش في كذبة صنعها العالم الرقمي.

في هذا الصدد، تكشف تانيا (28 عاماً) أن مسألة مشاركة اللحظات الحميمية على المنصات الإلكترونية انعكست سلباً على علاقتها بشريكها السابق: "بعرف كتير منيح إنو يلي بينشر على فيسبوك مثلاً من صور في جزء منو fake (مزيّف) وهدفو بس التفشيخ، بس كمان ما فينا ننكر إنو في نوع من الغيرة الضمنية يلّي منشعر فيها ببعض الأحيان، وقتا نلاقي إنو في عالم مبسوطة بحياتها أو على الأقل هيك مبيّن من بعيد"، وتضيف لرصيف22: "كنت كل مرة شوف حدا منزل صور عن الهدايا يلّي حصل عليها من الطرف التاني، كنت أزعل وبلش أعمل مقارنة بينن وبيني".

وتعترف هذه الشابة أنها خُدعت كثيراً بمظاهر الحب المنشورة على صفحات النت: "كبرت المشاكل كتير بيني وبين شريكي لأنو صرت حسّ إنو في شي ناقصني وإني بقدر كون مع حدا أحسن، مع العلم إني أبداً منّي شخص مادي، بس المظاهر أوقات بتخدعني، وكانت تكون صدمتي كبيرة لمّا شوف صور رفقاتي البنات قديه مبسوطين مع شريكن وأعرف منن بعدين إنو هاي مجرد صور ما بتشبه كتير الواقع، وإنو هنّي بدورن عم بقنعوا حالن إنو العلاقة ماشية منيح...".

حب الذات من خلال عيون الآخر

في الواقع، إن معظمنا يسعى للحصول على موافقة الآخرين، حتى قبل موافقتنا أحياناً، إذ إن موافقة الآخرين أو حتى حسدهم، يجعل فرحتنا أجمل.

وقد اعترف الفيلسوف جان جاك روسو، بشيء من هذا القبيل عندما ميّز بين amour de soi وamour propre ، وهما شكلان مختلفان من حب الذات: الأول هو الحب الغريزي وليس الانعكاس الذاتي، ويراه روسو في الشخص الذي لا يشعر بالقلق مما يعتقده الآخرون عنه، فهو إنسان يحب نفسه دون قيد أو شرط وبدون حكم.

واللافت أن المجتمع الذي يعقد حياتنا بشكل لا يمكن إصلاحه، يقدم amour propre وهو الحب الذاتي الذي يتحقق من خلال عيون وآراء الآخرين.

من وجهة نظر روسو، فإن هذا النوع من الحب معيب إلى حد كبير، بخاصة وأن آراء الآخرين وحكمهم تتغير بسرعة، ولا تشكل أساساً ثابتاً لحب الذات الصادق والدائم ولأي مشاعر مرتبطة به أو متأصلة فيه.

وبالتالي بالعودة إلى منشورات البعض على المنصات الإلكترونية، هل يمكن القول إنها مجرد وسيلة واحدة لإشباع الحاجة إلى حب الذات، عن طريق الحصول على موافقة الآخرين وإذكاء حسد بعض مستخدمي الإنترنت؟ هل ما ينشر هو موجه لحبيب/ة واحد/ة، أو للحصول على تأكيد عام؟

سرد قصص حياتنا

جادل الفيلسوف بول ريكور، بأن البشر لديهم حاجة متأصلة لعرض حياتهم بطريقة سردية، معتبراً أن هذه هي الطريقة الرئيسية التي يعطي من خلالها الشخص نوعاً من المنطق لعالمه.

على وجه التحديد، يهدف المرء إلى عرض بنية سردية على الحياة ومنحها بداية، ذروة ونتيجة ملائمة، ويرغب الفرد أيضاً في وضع قصة حياته في إطار سرد أكبر، سواء كان اجتماعياً أو تاريخياً أو كونياً.

وبالتالي فإن وسائل الإعلام الاجتماعية قد تعطينا سلطات جديدة لرعاية قصة حياتنا، وإذا لزم الأمر، يمكن تغيير الشخصيات، خطوط الحبكة المسيطرة أو المواضيع الأساسية، كيف ومتى شئنا.

الحب عندما ينضج لا يعيش علانية، فهو عاطفة خاصة ويحتاج إلى الحميمية

وعند توثيق الأحداث والوقائع اليومية، يمكننا حتى رفعها وإضفاء قدر من الأهمية عليها، لذلك قد يبدو من الطبيعي تماماً أن يرغب الناس في سرد رواياتهم الرومانسية، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مصممة من أجل الاستبطان أو البحث عن الذات، ولا مكان فيها للغموض، فهذه المنصات ليست المكان المناسب للتجزئة من خلال مجموعة من العواطف المتضاربة: إما أنتم في حالة حب أو لا، وإذا كنتم في حالة حب، فلماذا تعلنون عن ذلك إذا لم تكونوا سعداء؟

بالرغم من أن هناك حاجة مفهومة للعشاق للتعبير عن فرحتهم في الأماكن العامة، إلا أن الحب عندما ينضج لا يعيش علانية، فهو عاطفة خاصة ويحتاج إلى الحميمية، وفي هذه اللحظات الخاصة يتعلم العشاق التسامح مع الغموض والتفاوض حول الخلافات.

"قصة كل زوجين هي فريدة من نوعها. تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بصياغة نسخة من تلك القصة، حتى ولو لم تكن واقعية"

ومن جهتها، أشارت المستشارة في العلاقات دانييل كيبلر، في حديثها مع صحيفة هافيغتون بوست، إلى أن الشخص الذي يبالغ في نشر أخباره العاطفية على الإنترنت قد يكون سعيداً في علاقته، ويريد التعبير عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو قد يشعر بأنه لديه شيء ما ليبرهنه لأقرانه، أو أنه يرغب في إشاحة النظر عن مجالات في حياته تشعره بعدم الأمان.

واعتبرت كيبلر أنه لا توجد "علاقة مثالية" بالشكل الذي تظهر به على إنستغرام: "من المعتاد أن نبتسم في الصور، حتى ولو كنا قد انخرطنا في مشاجرة قبل خمس دقائق من التقاط الصورة".

وبدورها شددت المعالجة النفسية زاش بريتل، على ضرورة عدم القفز فوراً إلى استنتاجات بشأن الأزواج الذين يقومون بنشر أخبارهم العاطفية عبر الإنترنت: "إذا كانوا يحاولون بشدة عرض صورة معيّنة، ربما يحمون شيئاً ما"، وأضافت: "في نهاية المطاف، إن قصة كل زوجين هي فريدة من نوعها. تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بصياغة نسخة من تلك القصة، حتى ولو لم تكن واقعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard