شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مشاكل البنات سببها الحب"... قصص من صالونات النساء في أحياء عمّان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 12 نوفمبر 201904:46 م

ليس بالضرورة أن يكون الملاذ للباحثين عنه على هيئة بشر أو على هيئة عيادة نفسية تتجاوز كشفيتها الأربعين ديناراً أردنياً، في حالات كثيرة قد يكون الملاذ على هيئة مكان ذي مساحة صغيرة يصدح فيه صوت السيشوار وتفوح رائحة الصبغة وتصطدم فيه بعيدان تنظيف الأظافر.

قد يكون على هيئة جميع ما ذكر، إضافة إلى "منشر غسيل" على المدخل لتجفيف "مناشف" غسل الشعر، وأيضاً لتجفيف "الحكايا والقصص والأسرار".

تُعتبر الصالونات النسائية في الأحياء السكنية في الأردن، ملاذاً لكثير من الفتيات الباحثات عن أذن تسمع أسرارهن وعين تدمع لبكائهن وأيدٍ تمتد لهن بداعي العطف والمواساة، وهي ملاذ أيضاً للباحثات عن الحرية في ظروف عائلية ومعتقدات صعبة وخانقة.

من دخلت "صالون دانة" فهي آمنة، أو بالأحرى هي بأمان، كيف لا وفي الصالون النسائي المخبّأ بين العمارات والبيوت، في ذلك الحي السكني، تخبأ أيضاً قصص وحكايات وأسرار، ودموع أيضاً.

صالون "دانة" هو نموذج لصالونات الشعر والتجميل النسائية في العاصمة الأردنية عمّان، صالونات "نسائية" بامتياز، بموظفاتها وزبوناتها وحتى مقصات الشعر ذات لون وردي، لا تنحصر العلاقة فيها بين مصففة الشعر والزبونة حول لون الصبغة وفن القص ومدى مصداقية الرموش الاصطناعية، ففيها تأخذ العلاقة شكلاً أقرب لأن يكون الصالون "بئر" أسرار زائراته.

"متنفس للحرية"

دائماً الصالونات النسائية في عمّان، خصوصاً ذات الطابع البسيط بإمكانياته وحتى أسعاره، تحمل ميزة عن صالونات "الخمسة نجوم"، حيث تجدها ملاذاً للكثيرات، ففيها تنشأ علاقات صداقة متينة بين الزبونة ومصففة الشعر، أو بين الزبونة وزبونات أخريات.

لارا، وفي حديث  لرصيف22، أثناء وجودها في صالون "دانة"، تقول: "هذا المكان هو بير أسراري".

في جلسة مراقبة واحدة فقط لتلك الصالونات وأنت تنصتين بتمعن للأحاديث التي تجري في المكان، تستطيعين أن تؤكدي شكوكك بأن الصالونات النسائية في الحارات ليست فقط ملاذاً لزبوناتها، بل ربما أيضاً المكان الوحيد الذي يشعرن فيه بالحرية.

وهذا ما تؤكده دانة صاحبة الصالون، في حديث لها مع رصيف22، وفي إجابة على سؤال ما إذا كان صالونها، الذي تحرص زبوناته على ارتياده باستمرار منذ أكثر من ثمانية أعوام، بمثابة فضاء للحرية لهن، قالت: "بالفعل توجد فتيات يعشن في بيئة محافظة وعقلية صعبة لعائلاتهن، تمنعهن من ممارسة أبسط اهتماماتهن، مثل الخروج مع صديقاتهن، لذلك يجدن في صالوني مكاناً وملاذاً وحتى متعة".

الكثيرات من الفتيات اللواتي يقصدن صالون "دانة" يمضين أكثر من ثماني ساعات هناك، بشكل شبه يومي، وفي كثير من الأحيان لا يذهبن لتسريح شعرهن أو حتى تقليم أظافرهن ووضع المناكير، يذهبن فقط ليتنفسن، ليجدن مساحة "يفضفضن" فيها همومهن، ويضبطن ساعاتهن للعودة إلى المنزل عندما تغلق دانة صالونها في السابعة مساء.

الصالون للراحة قبل التجميل

تنتظر لارا صباح كل يوم من على شباك منزل عائلتها وأمام صالون "دانة"، فقرة إخراج "منشر الغسيل" من داخل الصالون إلى عتبته عند الساعة التاسعة، فإخراج المنشر يعني أنه دقت ساعة "الفرج"، ففيها يوم رزق جديد للصالون ويوم جديد للارا لممارسة هواية "الفضفضة" هناك.

لارا وفي حديث بالصدفة معها لرصيف22، أثناء وجودها في صالون "دانة"، تقول: "هذا المكان هو بير أسراري، بزوره من أكثر من خمس سنين وتقريباً صار عندي إدمان عليه... ضل علي أبصم ختم دوام وآخد راتب".

تجربتها مثل تجارب كثير من الفتيات اللواتي يقصدن الصالون للراحة قبل التجميل، حيث إن الصالونات النسائية وخصوصاً "صالونات الحارة" تشكّل مرتعاً للفتيات، وهو عالم مختلف بحد ذاته، ففيه تتلاقى الهموم والمشاكل وتذرف الدموع وتعلو الضحكات أيضاً.

حتى أنها، وبحسب ما تبين، تصبح مثل "الصبحية النسائية"، تجتمع فيها نساء الحي، وهو ما شاهدته خلال تواجدنا هناك، خاصة عندما دخلت سيدة يبدو عليها من أهل المنطقة تحمل في يدها دلة القهوة التي سبق دخانها رائحتها في المكان وبصوت عال قالت: "يلا دور مين اليوم أفتحلها بالفنجان؟".

الصبايا ضحكن وحاولن أن يتداركن الموقف، وبعد إقناعها اعترفت لرصيف22 أنها "فتّاحة الصالون" مع الحرص على عدم ذكر اسمها، وقالت: "صرت فتّاحة من ورا ما بنشرب قهوة يومياً في هاد المكان... بس والله بدون مصاري"، وتضحك رداً على سؤالها ما إذا كانت "فتحتها بتصيب؟": "لا ما بتصيب بس بتبين قديش بنات عمَان بحزّنوا... كل مشاكلهم عاطفية".

"شيخة الحارة"

نفس الجملة التي تكررت بالصدفة خلال حديث مع صاحبة صالون "جميلة"، في حي آخر من أحياء العاصمة عمان، حيث قالت: "بنات عمان بحزّنوا كتير… كل مشاكلهم سببها الحب".

تُعرف جميلة في الحي الذي يتواجد فيها صالونها بـ"الشيخة"، وكيف لا وهي ابنة عشيرة كبيرة من عشائر الأردنية وتمارس الدور الحقيقي لمفهوم "الشيخة"، وهو ما أكدته خلال الحديث معها حيث تقول وهي تضحك خجلاً: "مرات بحسب حالي زي جدتي لما كانت تجيب دلة القهوة وتيجي نسوان الحي ويشربن قهوة ويسولفن عندها، وهاد الي بعمله اليوم في صالوني".

لتقاطعها واحدة من زبوناتها، غادة مشعل (24 عاماً)، قائلة: "أنا مو بس بشرب قهوة يومياً هون، أنا مستعدة أنام هون كمان... بتصدقي إني بثق في جميلة أكثر من أمي وعيلتي؟".

وتؤكد مشعل على فكرة أن الصالونات النسائية في الحارات بمثابة المتنفس والملاذ لصبايا الحي، وعند سؤالها ماذا شهد صالون "جميلة" لها من قصص، ترد: "أوووه… حدثي ولا حرج، ياما ضحكت وياما بكيت هون، وياما تخبيت بهديك الغرفة عشان أبعد عن كل بضايقني برا".

أما "الشيخة" جميلة تقول: "أحياناً أشعر أن صالوني بمثابة العيادة النفسية للبنات، الأمر الذي يضعني أمام مسؤولية أسير عليها منذ أن فتحت الصالون من ثلاثة أعوام، وهو أن أحرص على أن تخرج الزبونة بتضحك".

تُعتبر الصالونات النسائية في الأحياء السكنية في عمّان، ملاذاً لكثير من الفتيات الباحثات عن أذن تسمع أسرارهن وعين تدمع لبكائهن... وهي ملاذ أيضاً للباحثات عن الحرية في ظروف عائلية ومعتقدات صعبة وخانقة

تقول إحدى زبونات صالون "جميلة" في حديث لرصيف22: "أنا مو بس بشرب قهوة يومياً هون، أنا مستعدة أنام هون كمان... بتصدقي إني بثق في جميلة أكثر من أمي وعيلتي؟"

"لازم تطلع مبسوطة"

"لازم تطلع مرتاحة من عندي"، تكرر جميلة، وقد أشارت إلى إيقاع شبه يومي، حيث تدخل الزبونات ومشاكلهن واضحة على ملامحهن، فتلك متشاجرة مع زوجها، وتلك غدرتها صديقتها، وأخرى حبيبها لا يعرف حتى اليوم أنه حبيبها! وتعيد: "بحزنوا البنات جد!"

"ما دام دخلتي صالوني لازم تطلعي مبسوطة"، قاعدة تتلوها جميلة يومياً على زبوناتها، حتى من يتتبع ملامحها يلقى قبولاً وراحة في تفاصيل وجهها.

وفي مواصلة حديثها عن صالونها، روت تجربة حصلت لها مؤخراً، عندما لمحت في آخر زاوية من الصالون زبونة جديدة وتعابير الحزن والغضب ظاهرة في ملامحها، وتقول: "قررت أتحركش فيها، وصرت أدردش معها وأعطيتها الأمان... وفعلاً دقائق قليلة وسردتلي كل مشكلتها... والله إنها قبل ما تطلع حضنتني"، وابتسمت جميلة ابتسامة الرضا.

وفي إجابة على سؤال لماذا الصالونات النسائية فقط التي تحدث فيها قصص لا تنتهي؟ أجابت جميلة: "اشتغلت في السابق في صالونات مختلطة، بس هاد الصالون خلاني أشوف العجب، بتشوفي السكرانة وبتشوفي المسخمة وبتشوفي اللي من برا مبينة يا أرض اشتدي ولا حدا قدي... وهي من جوا أضعف من الفراشة، هاد الصالون علّمني كتير، إنه عالم البنات عالم معقد وبحزن كتير".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image