هناك تصوّر خاطئ شائع عزّزته معظم الأفلام والكتب بأن النساء يلهثن وراء الرجال لإيقاعهنّ في شباكهنّ، ويتأثرن بمجرد سماع كلمة "بحبك" وتصيبهنّ سهام العشق بشكلٍ أسرع من الرجال، في حين أن الرجل بطبيعته "خشن"، صلب ويفتقر إلى المشاعر والأحاسيس المرهفة، وبالتالي فإنه من الصعب أن يقع في الحب بسهولة أو أن يعبّر عن مشاعره، إلا أن هذه الصورة النمطية التي لطالما كانت سائدة بخاصة في مجتمعاتنا العربية ليست حقيقية على الإطلاق.
صورة نمطية
نتيجة الموروثات الاجتماعية والثقافية، يميل الناس لرؤية الرجال على أنهم أكثر براغماتية، أو حتى يحاولون تجنّب الالتزام، لكن الارتباط لا يقل أهميةً عند الرجال كما هو الحال بالنسبة للنساء، إذ أن الرجل بدوره يبحث عن الحياة الجيدة التي تشمل علاقات حبٍّ عميقةٍ وصادقة، كما أنه تبيّن أنه يقع في الحب بشكلٍ أسرع من المرأة.
هناك تصوّر خاطئ شائع عزّزته معظم الأفلام والكتب بأن النساء يلهثن وراء الرجال لإيقاعهنّ في شباكهنّ، ويتأثرن بمجرد سماع كلمة "بحبك" وتصيبهنّ سهام العشق بشكلٍ أسرع من الرجال
فقد كشفت دراسة نُشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي وشملت 172 طالباً جامعياً، أن الرجال مالوا إلى الوقوع في الحب وعبروا عنه بشكلٍ أسرع (بعد بضعة أسابيع فقط) مقارنةً بالنساء اللواتي استغرقن عدة شهور لقول كلمة "أحبك"، ما يدل على أن النساء أكثر حذراً في المسائل العاطفية ولا يقعن في الحب بشكلٍ جنوني ومتهوّر، كما يخال البعض.
وفي هذا الصدد، كشفت الأخصائية في علم النفس ماريسا هاريسون، التي شاركت في تأليف الدراسة، أن هذه النتائج تتعارض مع المفاهيم السابقة، وقالت لموقع vice: "يُفترض أن تكون النساء عاطفيات، وفي بعض الأحيان بشكلٍ مفرط أو متهور"، وأضافت: "افترض كل من الرجال والنساء في دراستنا، أن تقع المرأة في الحب وتقول "أحبك" بشكلٍ أسرع من الرجال".
ولكن هذه الصورة النمطية التي تلاحق النساء في مسألة الحب ليست صحيحة، فإذا سألتم أي امرأة منخرطة في علاقة عاطفية لأجابتكم بأن الرجل هو الذي بادر إلى مصارحتها بحبّه وبمشاعره القوية تجاهها.
تكشف رنا (اسم مستعار) التي تعمل كمساعدةٍ إدارية أنها لم تفكر يوماً في الزواج، وكانت تحاول الابتعاد عن "شبح" الحب، كما وصفته لرصيف22، خوفاً من أن تختبر الفشل على غرار ما حصل مع أهلها: "ما كنت مفكّرة أبداً بالحب ولا بالارتباط، وكنت دايماً أشغل حالي بشغلي لأنو ببساطة ما بدي فوت بعلاقة وما يمشي الحال".
غير أن الحب شق طريقه إلى قلب رنا (38 عاماً) رغم أنها أوصدت في وجهه الباب عدة مرات: "كان هوي دايماً يجرب يحكي معي (في إشارة إلى زوجها الحالي) ويطلب مني إنو نضهر تنتعرّف على بعضنا اكتر، وهو يلي قلّي إنو بحبني حتى قبل ما أنا حس إني بلشت حبّو وإتعلق فيه".
وبدورها تشير سهى (اسم مستعار) إلى أن شريكها هو الذي بادر إلى مصارحتها بحبه: "من أول ما شافني طلب رقمي ودغري عملّي add على فايسبوك، وبعد عدة لقاءات قلّي إنو بحبني"، كاشفةً أنها كانت أكثر حذراً لناحية التعبير عن مشاعرها تجاهه: "ما كان بدي قلّو بحبك قبل ما أتأكد من حقيقة مشاعري تجاهه...القصة أخدت معي شوية وقت لحتى ارتحلو" وتضيف لرصيف22: "بتذكّر إنو أول مرة قلتلو بحبك، قرّب وغمرني وقلّي كنت ناطرة مناطرة اسمع هالكلمة منك".
من جهته لا يخجل فريد (اسم مستعار) من الاعتراف بأنه حين يتعرّف إلى فتاة وتثير اعجابه، فإنه يعبّر لها عمّا يشعر به من دون أن ينتظر أي إشارة منها، مستنكراً القوالب النمطية والأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع: "دايماً بحطولنا براسنا إنو عيب الشب يبكي وعيب إنو يقول شو عم بيحسّ، وإنو لازم نحط كل شي بقلبنا بس أنا ما بفكر هيك ولا بحب هالطريقة بالتفكير أبداً...ما لازم نستحي بالحب ومش إنتقاص بالرجولية إذا الواحد عبّر شو في بقلبو"، وفق ما يقوله لرصيف 22 ويضيف: "ما في فرق من بيقول بحبك بالأول، المهم إنو يكون الحب صادق ومن دون كذب ومصلحة".
لماذا يقع الرجل في الحب بشكلٍ أسرع من النساء؟
في الحقيقة، هناك عدة أسباب تجعل الرجل يقع في شباك الحب بشكلٍ أسرع من المرأة، من بينها:
الخوف من الخسارة: توضح ماريسا هاريسون أنه من الناحية التطورية فإن النساء أكثر تحفظاً: "أعتقد أن النساء يؤجلن الحب، بشكلٍ غير واعي"، مشيرةً إلى أن المرأة لديها الكثير لتخسره في حال ارتبطت بالرجل الخاطئ: "تفقد النساء نشاطهنّ الإنجابي إذا ما ارتبطن بالرجل الخاطئ، فقد ولدن بعددٍ محدودٍ من البويضات، لكن الرجال ينتجون ملايين الحيوانات المنوية كل يوم"، وتتابع حديثها بالقول: "إذا حملت المرأة من قبل شريكٍ لا يستحقها ولا يقدم أي مساعدة لتربية الطفل، سيكون ذلك مكلفاً للغاية من حيث الوقت والموارد."
قمع العواطف: أوضح موقع elite daily أنه "بمجرد انفجار الأنبوب، يكاد يكون من المستحيل إيقاف التدفّق"، موضحاً أنه لسنوات كان الرجال يعمدون إلى قمع عواطفهم ولكن بمجرد أن يعثروا على الحب فإنه من المرجح أن يعبروا عن مشاعرهم من دون خجل، وبالتالي سيصبح من الصعب كتمان أحاسيسهم القوية تجاه الشريك.
الملكية والسلطة: إن سلوك الذكور يبرز جانباً من الطبيعة، ففي السابق كان الرجل يلعب دور الصياد، فيطارد فريسته وبمجرّد أن يلقي القبض عليها فعلى الأرجح أنه يتخلى عنها، والأمر نفسه قد ينطبق على المرأة التي تجذب انتباهه ويقع في حبها، بمعنى آخر إن الرجل بطبعه يحب بسط سيطرته على كل شيء، في حين أن المرأة تركز بشكلٍ أكبر على الاستقرار على المدى الطويل.
أما بالنسبة إلى الممارسة الفعلية لقول "أنا أحبك" فعلى الأرجح أن يميل الرجال إلى قولها أولاً، لأن النساء بشكلٍ عام أكثر ميلاً لتجنّب المجازفة، ما يعني أنهنّ أقل احتمالاً للتعبير عن هذه المشاعر العميقة حتى يشعرن بالأمان بما فيه الكفاية للموافقة على الانخراط في هذه العلاقة العاطفية.
"تفقد النساء نشاطهنّ الإنجابي إذا ما ارتبطن بالرجل الخاطئ، فقد ولدن بعددٍ محدودٍ من البويضات، لكن الرجال ينتجون ملايين الحيوانات المنوية كل يوم"
الاختلاف بين الجنسين
"قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه، ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله"، (فيكتور هوغو).
إن الحب هو الحب، هو الحب فقط ولا يوجد ما يمكن وصفه به، فهو الشعور الذي يصعب تحديده وقياسه وإبراز الفوارق بين الجنسين، ومع ذلك حاول العلم تحديد بعض الاختلافات بين الجنسين التي تتجلى حين يقرع الحب باب العشاق.
فبالرغم من أن الرجل هو الذي يبادر إلى الكشف عن حبه وقول كلمة "أحبك"، كما أشرنا في السطور السابقة، إلا أنه اتضح أنه بمجرد أن تنخرط المرأة في علاقةٍ عاطفيةٍ تشعر من خلالها بالراحة والأمان، فإنها تميل إلى قول "أحبك" أكثر من شريكها نظراً لأهمية هذه الكلمة بالنسبة إليها، بحسب ما أكده دكتور فورشي لموقع bustle: "من منظورٍ تطوري، فإن النساء اللواتي يقلن "أحبك" يعبرن عن التزامهنّ ويستفدن من قول هذه الكلمة، لأن ذلك يضمن لهنّ القدرة على الاقتران بذكرٍ لضمان التناسل والتكاثر".
من ناحيٍة أخرى، فإن النساء أكثر ميلاً لتركيز حبهنّ على شخصٍ واحدٍ، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن المراهقين الذكور يقعون في الحب بسرعةٍ أكبر إنما قد يكون ذلك مع مجموعةٍ متنوعةٍ من الفتيات، في حين أن الفتاة تميل إلى التركيز على عددٍ أقل من الشباب، بالطبع لا يمكن تعميم ذلك بخاصة وأن المسألة نسبية وتختلف من شخصٍ إلى آخر.
وفي معرض الحديث عن الاختلافات، اتضح أيضاً أن الرجل قد يقع في الحب من أول نظرة نتيجة اختباره الجاذبية البصرية، أما المرأة فإنها تميل إلى تقييم مشاعر الحب بناءً على الانجذاب الجسدي إلى جانب عوامل أخرى، بما في ذلك شخصية الطرف الآخر، مما يعني أن الأنثى تحتاج إلى وقتٍ أطول لتقع في الحب، وقد يكون لهذا الأمر علاقة بالتكوين البيولوجي، إذ أنه بحسب دراسات المخ فإن دماغ الرجال يستجيب للتحفيز البصري، وهو ما كان قد أكده الشاعر السوري أديب إسحاق حين قال:"الرجل يعشق بعينيه والمرأة بأذنيها".
باختصار تشير الدلائل إلى أن الرجال والنساء يختلفون في تعبيرهم عن المشاعر إلا أن النوع الاجتماعي يعتبر مجرد بنية ولا يمكن التعميم أو إخضاع المشاعر لقوالب نمطية، بمعنى آخر عندما يتعلق الأمر بالحب فإن القواعد كلها تغيب ويصبح الإنسان رهن أحاسيسه التي تتخبط في داخله، والتي يصعب في بعض الأحيان قمعها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه