مرة أخرى، ومع موعد حلول رأس السنة الأمازيغية، الذي يصادف الثاني عشر أو الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير لكل عام، انبرى شيوخ السلفية الجهادية والإسلاميون المتطرفون لمهاجمة هذا العيد الشعبي، الذي اعتاد المغاربة الاحتفال به، وطالبت مكونات المجتمع الأمازيغي مؤخراً بإقراره عطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، كباقي الأعياد الوطنية.
وخرج حسن الكتاني، أحد شيوخ السلفية الجهادية، المعروفين دائماً بخرجاتهم المناهضة لكل ما من شأنه خلق السعادة والفرح، واصفاً الاحتفال بالسنة الأمازيغية، في تدوينة فيسبوكية، بالخرافة، وإحياء للنعرات الجاهلية، ومحاولة إعادة الثقافة البربرية، وأفتى بتحريم الأعياد الجاهلية، سواء كانت فارسية أو عربية أو بربرية، وأضاف متسائلاً: ما علاقة المسلمين بانتصار ملك جاهلي على فرعون جاهلي آخر؟ وأن كل هذا ما هو إلا خرافة لتقسيم المسلمين في بلاد المغرب الإسلامي.
ويذكر أن أمثال هذا "الشيخ" اعتادوا تحريم كل مظاهر الاحتفالات، سواء بالسنة الميلادية أو الأمازيغية، أو حتى إحياء ليلة المولد النبوي وعاشوراء، وأخذوا على عاتقهم مسؤولية نشر أفكارهم المتطرفة والمتعصبة وسط شعب معروف بحبه لكل مظاهر الفرح والاحتفال، كأن الله سيجازيهم بقدر ما يخيّم الحزن على النفوس، وتختفي السعادة من البيوت.
ويذكر أن أمثال الشيخ حسن الكتاني اعتادوا تحريم كل مظاهر الاحتفالات، سواء بالسنة الميلادية أو الأمازيغية، وأخذوا على عاتقهم مسؤولية نشر أفكارهم المتعصبة وسط شعب معروف بحبه لكل مظاهر الفرح والاحتفال، كأن الله سيجازيهم بقدر ما يخيّم الحزن على النفوس، وتختفي السعادة من البيوت
والحال هنا، أن المدّ الوهابي المتعصب، الذي هو مصدر أفكار هذه الفئة، يهوى ممارسة الوصاية، ويحب فرض أفكاره على الناس وتسييرهم على هواه، ولا يفهم المتأثرون به أنه لن ينجح في خلق القطيعة بين إسلام المغاربة وعاداتهم، ويستحيل أن ينجح في التفريق بينهم وبين هوياتهم وثقافاتهم الشعبية، وأن هذا التطرف في المواقف والتعصب لن ينتج عنه سوى أثر عكسي، كالذي كان ينتج عن محاولات فرض الإسلام بالقوة في شمال إفريقيا عامة والمغرب خاصة، حيث أن المغرب ارتد عن الإسلام 12 مرة حسب ابن خلدون، واستطاع المغاربة دائماً أن يتخلصوا في النهاية من الوصاية والسلطوية، عندما كانت تفرض عليهم بالقوة، ولم يتقبلوا هذا الدين عن طيب خاطر، إلا حين قبل هو بالمقابل بكل خصوصياتهم الثقافية وأعرافهم.
لذا فإن "المغرب الاسلامي" الذي ذكره السلفي الكتاني، لا وجود له، ولم ولن يكون له وجود، اللهم إلا في أحلامه، هو وكل أولئك الذين يحلمون سرّاً بدولة الخلافة، ويظنون أن إسلامهم هو الحق، وأنهم قد يستطيعون إرساء أفكاره غصباً عن العباد.
أما الحقيقة المرّة التي يرفضون تقبلها وتزعجهم، فهي ما تعبر عنه بشكل جميل مقولة المستشرق، جاك بيرك، حين تحدث عن خصوصيات الإسلام الأمازيغي قائلاً: "تمزغ الإسلام أكثر مما أسلم الأمازيغ"، أو ما قاله المستشرق روجيه لوتورنو، حين عبّر عن إسلام شمال افريقيا بـ "الإسلام القروي"، لأنه احتوى وتقبل أعرافاً موغلة في القدم، ولولا قدرته على استيعابها وتقبلها للفظته هذه الأعراف، وأدار له أصحابها ظهورهم.
بعيداً عن رأس السنة الأمازيغية، فإن المغاربة تعودوا مثل هذه "البدع" المبنية على الكره في كل مناسبة واحتفال، ولم يعودوا يلقون لها بالاً، لأننا شعب يحب الفرح إذا ما استطاع إليه سبيلاً، وطبعاً لن يقبر فرحنا متطرف أو متعصب امتلأ قلبه بالحقد، وامتهن الغلوّ في الدين
ثم أن الأمازيغ لم يقتنعوا بهذا الدين إلا بعدما ترجموه إلى لغتهم وفهموه، وقاموا بعدها بتكييفه مع عاداتهم القديمة، بل واستعملوا بعض هذه العادات والخاصيات الثقافية من أجل تلقينه ببساطة، ويذكر منها طريقة قراءة القرآن في سوس التي استنبطت من طريقة الغناء في أحواش، وكذلك الحفظ الليلي للقرآن، بما أن الأمازيغ يحبون السهر، وغناء البردة والأمداح والسلكة، إلى آخره...
كل هذه المظاهر تدل على أن انصهار هذا الدين في ثقافة الأمازيغ وتكيفه معها، عكس ما يظنه شيوخ التعصب، لا تخرج في الحقيقة نهائياً عن روح الإسلام والغرض الذي جاء لأجله، خصوصاً في المذهب المالكي الذي يتبناه المغرب والذي يعتبر العرف مصدراً من مصادر الشريعة الإسلامية، ويصل حد قرنه بالإجماع في حالة عدم وجود نص قرآني أو حديث.
لهذا كله وأكثر، فإن من يسعى إلى خلق الفرقة بين المغاربة، ويكرّس الممارسات الجاهلية من تطرف وتشنج ورفض للآخر ولثقافته، هم رواد هذا التيار السلفي الوهابي، الذين وإن ظنوا أنهم على مستوى من الثقافة والعلم إلا أن غرور الجاهلية وتكبر قريش (التي يستعرون منها)، ظاهر في كل أفعالهم وتصرفاتهم، ولا فرق بينهم وبين أبي جهل الذي يكيلون له السب والشتم، أي شيء: كلاهما متعصب متكبر يظن أنه يملك الحقيقة وحده.
وبعيداً عن رأس السنة الأمازيغية، فإن المغاربة تعودوا مثل هذه "البدع" المبنية على الكره في كل مناسبة واحتفال، ولم يعودوا يلقون لها بالاً، لأننا شعب يحب الفرح إذا ما استطاع إليه سبيلاً، وطبعاً لن يقبر فرحنا متطرف أو متعصب امتلأ قلبه بالحقد، وامتهن الغلوّ في الدين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...