لماذا يرفض الجمهور رؤية فنانه المفضل في حالة ضعف مثل المرض؟ أو بعبارة أخرى هل ينبغي أن ينعزل الفنان تماماً عندما يهرم أو تتبدل الصورة التي اعتاد الجمهور رؤيته فيها؟
هذا الجدل أثير في مصر عقب بث موقع اليوم السابع الواسع الانتشار في البلاد مقابلة مصورة مع الفنان يوسف فوزي الذي اعتزل عام 2015 إثر إصابته بشلل الرعاش.
خلال المقابلة، أشار فوزي إلى عرض أعمال فنية مخصصة لحالته ورفضه الظهور فيها محاولاً الحفاظ على صورته في ذهن جمهوره، لكنه لم يقل السبب الذي دفعه للموافقة على الظهور في هذه المقابلة. وأوضح أن "الفن بيسرق العمر… تعيش طول الوقت متقمص شخصيات غيرك"، لافتاً إلى أنه يعاني "كوابيس مستمرة من يوم ما تعبت إني بضيع السيناريو أو مش عارف أحفظ الدور".
من أبرز أعمال فوزي السينمائية: "النمر الأسود" و"حتى لا يطير الدخان" و"شاهد إثبات" و"شبكة الموت" و"الجاسوسة حكمت فهمي" و"بكيزة وزغلول" و"ظرف طارق".
وأردف: "عرض عليّ أكثر من 10 أدوار معمولة (مكتوبة) لحالتي... حالة مريض شلل رعاش، لكنها أدوار صغيرة جداً، وقلتلهم مش عايز أرقع (أشوه صورتي)". وختم المقابلة بالتأكيد: "مش حابب صورتي تتغير".
مؤلم ومؤسف؟
عقب بث المقابلة، أعرب كثيرون عن استيائهم من الصحيفة وتعاطفهم مع الفنان الذي وصفوه بـ"المثقف والمحترم"، واعتبروا إقدام الصحيفة على إظهاره خلال فترة مرضه "غير إنساني".
في حين استنكر آخرون "مصادرة حق الفنان في التواصل مع جمهوره"، مبرزين أن اللقاء عقد في منزله وبموافقته ولم يتم عبر اقتحام خصوصياته في مكان عام مثلاً.
وقال الممثل يوسف عثمان عبر تويتر: "فيديو يوسف فوزي مرعب".
وكتب الفنان خالد عليش: "أنا ضد تصوير الفنانين والشخصيات العامة في لحظاتهم الشخصية الصعبة مثل العزاء أو المرض. أرجو من أهلهم رفض إجراء أي حوار للنشر من أي نوع في الظروف المرضية الصعبة".
واعتبرت الصحافية هند خليفة أن اللقاء مع الفنان في وضعه الصحي الحالي غير إنساني أو مهني ومؤذٍ أيضاً. وأضافت: "حسيت بضيق لما شوفته، كلامه فيه وجع رهيب. كان ممكن اللقاء يكون مكتوب أفضل كتير!"، مذكرةً أن "الصحافة مهنة إنسانية مش لقطة".
وأوضح مغرد يدعى خالد سليمان أنه لم يستطع "مشاهدة أكثر من 20 ثانية منه". وكتب آخر، يدعى وائل: "كل من شارك في فيديو يوسف فوزي حقير وعديم الإنسانية".
معروف أن أخبار الفنانين الشخصية من زواج وطلاق وخلافات من المواضيع المفضلة لدى الجمهور. لكن البعض يطالب بمراعاة الظروف الإنسانية مثل الحوادث والمرض ووفاة شخص عزيز بعد حوادث عدة واقتحام وسائل إعلام حياة النجوم الخاصة من دون علمهم وموافقتهم.
غضب واستياء بعد نشر مقابلة مع يوسف فوزي الفنان المصري المعتزل والمصاب بالشلل الرعاش، وأساتذة إعلام يرونها "انعدام مهنية مداناً بقانون الإنسانية"... ماذا لو كان راغباً في ذلك؟
"لماذا الأنانية؟"
لكن معلقين كثراً طرحوا احتمال أن يكون فوزي نفسه رغب في الظهور في المقابلة لمناشدة جمهوره الدعاء له أو الشعور ببعض الاهتمام والتعاطف بعد نحو أربع سنوات غاب خلالها عن الشاشات.
هذا الرأي تبنّته الناقدة الفنية ماجدة خير الله التي قالت لرصيف22: "ليه مش عايزينه يظهر ويتكلم؟ عشان مشاعركم المرهفة؟ كفى ادعاء".
وتساءلت: "هل المطلوب حين يمرض الفنان أو يهرم أن يُعزل ويُجبر على الانزواء حتى الموت؟ لماذا نفترض أنه صُوّر من دون موافقته؟ شاهدت المقابلة. تحدث الفنان كلاماً موزوناً ومنطقياً وأظهر ثقافته الواسعة.لا أعتقد أنه فاقد الأهلية حتى يثار هذا الجدل الواسع".
وأردفت: "هذا الشخص انتهت مسيرته الفنية بعد المرض، ربما تلك هي الفرصة الوحيدة أمامه في التواصل مع الجمهور ليقول "أنا لسه عايش". تحية إليه".
وذكّرت خير الله بمقابلة مؤلمة سابقة للفنان يونس شلبي، عقب تدهور حالته الصحية والاجتماعية والاقتصادية، مبيّنةً أنها "كانت مقابلة تاريخية برغم أنها مؤلمة لأبعد الحدود، بكى فيها وهو يشرح كيف آل إليه حاله بعد المجد الفني إلى انفضاض الناس تماماً من حوله واضطراره إلى إنفاق النزر اليسير الذي جناه من عمله على مرضه عوضاً عن تركه لبناته بعد رحيله".
واستطردت: "كان واعياً لما يقول، وأعتقد أنه أراد أن يلتفت المسؤولون إلى حالته. ما يهمني في مثل هذه اللقاءات أن يتقدم شخص لنجدة الفنان. الناس رافضة بث المقابلة مراعاةً لمشاعرها. لكن لماذا لا نضع مشاعره هو في اعتبارنا؟ ربما لا يريد أن يكون نسياً منسياً".
الناقدة الفنية ماجدة خير الله استنكرت في تصريح لرصيف22 مصادرة حق الفنان في الظهور الإعلامي "ما دام يتمتع بكامل قواه العقلية"، معتبرةً أن ذلك الظهور ربما هو "فرصته الوحيدة للقول أنا لسه عايش"
"لا مهنية ولا إنسانية"
في ما يتعلق بـ"مهنية الصحيفة"، قال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، صفوت العالم، لرصيف22 إنه يعيب على إدارة تحرير الصحيفة نشر المقابلة لاعتبارات تتعلق بالسبق وتحقيق مشاهدات واسعة من دون الاهتمام بأثر نشرها على الصورة المترسخة للفنان في ذهن جمهوره.
وعلى الشاشة الصغيرة شارك في: "هوانم جاردن سيتي" و"سرايا عابدين" و"أوبرا عايدة" و"فارس بلا جواد" و"الملك فاروق" و"فيرتيجو".
أضاف: "إدارة التحرير في اليوم السابع مسؤولة عن الصورة السلبية التي ظهر بها الفنان"، معرباً عن اعتقاده بأن "مقابلة مكتوبة أو تسجيلاً صوتياً كان يكفي لتسليط الضوء على وضع الفنان وتنبيه الجهات المعنية إلى ضرورة العناية به وكسب تعاطف الجمهور".
وفوزي، المولود عام 1945، درس في بريطانيا واحترف التمثيل مطلع عام 1982 وأدى عشرات الأدوار المساعدة في السينما والتلفزيون.
من أبرز أعماله السينمائية: "النمر الأسود" و"حتى لا يطير الدخان" و"شاهد إثبات" و"شبكة الموت" و"الجاسوسة حكمت فهمي" و"بكيزة وزغلول" و"ظرف طارق".
أما أهم أعماله فكانت على الشاشة الصغيرة، مثل: "هوانم جاردن سيتي" و"سرايا عابدين" و"أوبرا عايدة" و"فارس بلا جواد" و"الملك فاروق" و"فيرتيجو".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...