في منتصف ديسمبر 2014، غادرت ريا رؤوف (25 عاماً) مدينة حلب السورية إلى إقليم كردستان العراق، لتلتحق بزوجها الذي وصل قبلها بعام تقريباً. رحلة الفتاة السورية تأخرت لأن الظروف التي تعيشها وعائلتها في حلب جعلتها تجد صعوبة في توفير مبلغ الألف دولار الذي طلبه السمسار للاستحصال على فيزا لها.
بين السيئ والأسوأ
خلافاً لأيّ شخص من غير العراقيين والسوريين الذي يمكنه ببساطة رفض السفر إلى البلدين، يلعب سكان البلدين الجارين لعبة المقارنة بين الأوضاع البائسة في بلديهما، ويبحثون عن الجهة التي تتوفر فيها فرص أكبر للبقاء على قيد الحياة.
مواضيع أخرى:
كيف فشلت المنظمات الدولية في مساعدة اللاجئين السوريين؟
مافيات الدواء تُغرق العراق بمنتجات فاسدة
هكذا كان الحال مع ريا وزوجها اللذين قارنا بين بلدهما حيث قصف الطائرات والقذائف والبراميل التي تتساقط على البيوت والاشتباكات بين الفصائل المسلحة، وبين بلد تُقاتل حكومته وشعبه عدواً واحداً معروفاً، ويشهد خطر انفجار سيارة مفخخة بين حين وآخر. فضّلا العراق وبالتحديد إقليم كردستان الأكثر استقراراً من مناطق عراقية أخرى.
ريا تعمل حالياً في شركة دعاية وإعلانات في محافظة أربيل التي تعتبر من أكثر المناطق أمناً في العراق. قالت لرصيف22: "العيش في سوريا لم يعد ممكناً، فالصواريخ وقذائف الهاون وأزيز الرصاص وخطر الموت في الشوارع، كلها عوامل تمنع الحياة. مات الخير الذي لا يريد البعض ازدهاره في بلدي". وأضافت: "كنا نعتقد أن الحرب في سوريا لن تستمر أكثر من عام، لكننا رأيناها تكبر وتتسع، وتكثر فيها المصالح وتتعدد الأطراف المتحاربة. حينذاك أصبحنا على يقين بأنه إذا ما أتيحت لنا فرصة للهروب سنغتنمها. وهكذا كان". تعيش ريا وزوجها في منطقة شقلاوة. استأجرت شقة بـ500 دولار وهو مبلغ يساوي راتبها الشهري، لكن هذا أفضل من البقاء تحت رحمة الصواريخ.الهرب من الموت
في بداية الأزمة السورية عام 2011 نزحت آلاف الأسر السورية من القرى المحاذية للعراق إلى منطقة القائم الحدودية داخل الأراضي العراقية، وهناك أُقيمت لهم مخيمات بإشراف الحكومة العراقية والمنظمات الدولية، لكن العراق سارع إلى فرض إجراءات للحفاظ على أمنه.
تفاقُم الأزمة في سوريا دفع أعداداً كبيرة من السوريين الذين يعيشون قرب العراق للسفر إلى الخارج. ولكن أصحاب الدخل المحدود والذين يعيشون تحت خط الفقر في سوريا، لم يجدوا ملاذاً آمناً غير الجارة القريبة. إلا أن لجوءهم إليه لم ينهِ معاناتهم، فعانوا من أحوال سيئة في بلاد الرافدين التي لم تتمكن من تهيئة ظروف أمنية ومعيشية مناسبة لأبنائها أنفسهم.خلال العامين الماضيين ظهرت في شوارع العاصمة العراقية بغداد نساء سوريات أجبرتهن الظروف على التسوّل. يمكن تمييزهنّ بسهولة من العراقيات من لهجاتهنّ وارتدائهنّ الجبة وغطاء الرأس الملون الذي يقيهنّ الحرّ. يتجوّلن بين السيارات التي لا يُعرف أيّة منها ستنفجر بعد قليل وتُنهي حياة هاربة من الحرب السورية.
ويمكن تمييزهنّ أيضاً من أساليب تسولهن. يطلبن المساعدة بخجل، ويحملن أطفالهن بين أيديهن. أغلبهن جئن من مدن الريف السوري، واضطررن إلى العيش في أماكن يرفض أهل العراق العيش فيها. لكن مرارة الغربة وضنك العيش أجبراهن على التحمل بانتظار غد أفضل.
نساء حيّ البتاويين
كل صباح، تخرج مجموعة من السوريات من زقاق ضيق في حي البتاويين وسط العاصمة بغداد. هذا الحي المشبوه الذي تكثر فيه بيوت الدعارة وبائعي الخمر يعاني سكانه من الفقر المدقع. يتجهن نحو مناطق الكرادة والباب الشرقي، لعلهن يحصلن على ما يسد جوع أطفالهن.
تقول أم رامي، وهي في العقد الثالث من عمرها، إن زوجها قتل في سوريا عام 2013، فقررت الهروب إلى الحدود العراقية وتمكنت من الدخول إلى محافظة الأنبار ومن ثم إلى بغداد. حتى الآن، لم تتمكن من إيجاد عمل يمكّنها من توفير العيش الكريم لطفلها. تسكن أم رامي في حي البتاويين وسط بغداد مع عائلة سورية هربت هي الأخرى من الحرب. ورغم الصعوبات التي تواجهها، أوضحت لرصيف22 أن "هناك عراقيين وفّروا لنا الأمن وأبلغونا بأنهم سند لنا إذا تعرض أيّ أحد لنا بالسوء". وأضافت: "هناك فرق شاسع بين الوضع الذي كنا نعيشه في سوريا وبين ما تشهده بغداد. فالأمن هنا شبه مستتب. ورغم وجود انفجارات تحصل هنا وهناك بسيارات مفخخة، يبقى الحال أهون من الحرب المستمرة التي لا نعرف فيها الصديق من العدو".خارطة انتشار اللاجئين
ينتشر اللاجئون السوريون في العراق في مناطق إقليم كردستان، وفي محافظة كركوك القريبة من الإقليم، وفي مناطق أخرى آمنة نسبياً، مثل بغداد وبعض المحافظات الجنوبية. لكي يعيشوا، عليهم الاعتماد على أنفسهم، فهم في بلد لم يتمكن من سد حاجات 10% من النازحين الداخليين.
لا تمتلك وزارة المهجرين العراقية أيّة معلومات أو إحصاءات عن اللاجئين السوريين في العراق، خاصة الذين هم في مخيم قضاء القائم الحدودي، بسبب سيطرة تنظيم داعش على محافظة الأنبار التي يتبع لها القضاء. ولكن التقديرات، ومنها أرقام المفوضية، تشير إلى أكثر من 250 ألف لاجئ سوري في العراق. مدير قسم اللاجئين في الوزارة محمد حنتوك قال لرصيف22: "منظمة ايشو المكلفة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين السوريين في العراق". وأضاف: "الوضع الذي يعيشه العراق الآن يجعل من إعداد إحصاء للاجئين السوريين صعباً". في بداية أبريل الماضي، طرقت امرأة سورية معها طفلان باب مؤسسة إعلامية وطلبت قليلاً من المال لشراء الدواء للطفلين. كانت تقول إنها وصلت العراق قبل يومين، ودخلت عبر إقليم كردستان العراق، لكنها لم تقوَ على البقاء هناك بسبب ارتفاع بدلات إيجار المنازل. هي واحدة من آلاف السوريات اللواتي وصلن إلى العراق، وفضّلن شوارعه التي يهددها الإرهاب على البقاء في بلد كل ما فيه هدف للصواريخ والبراميل المتفجرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...