"إنْ كنت تعتنق المذهب الشيعي في المغرب، فعليك إذن أن تعتاد ألا تخبر أحداً عن قناعتك، وإلا ستكون موضع تساؤلات واستفسارات مزعجة لا تنتهي"، بهذه العبارات، يوجز لنا أحمد (45 سنة)، من مدينة طنجة، شماليّ المغرب، قصته مع اعتناق المذهب الشيعي في مجتمع أغلبه سنّي.
اعتنق أحمد المذهب الشيعي قبل 15 سنة. تعرّف على أحد الشيعة المعروفين في مدينة طنجة، واقتنع بأن "المذهب الشيعي ليس بذلك السوء الذي يتم الترويج له من طرف السلفيين في المغرب".
يروي أحمد لرصيف22 أنه "يُروَّج أن الشيعة خطر على المغاربة، وأنهم غير مسلمين ويشتمون الصحابة ويشكلون خطراً على السنّة"، ويعلّق على ذلك بأن هذه مجرد مغالطات ومزايدات، مشيراً إلى أن "الشيعة مسالمون ويؤدون الفرائض والعبادات تماماً كباقي المسلمين".
يعمل أحمد تاجراً في أحد الأسواق التجارية في مدينة طنجة، وعند اعتناقه المذهب الشيعي، حاول إخبار أسرته وأصدقائه بذلك. "في البداية، الكل عبّر عن صدمته"، يروي ويضيف: "عندما أخبرت والدي والمقربين مني بأنني أصبحت شيعياً، كان السؤال الذي طرحه الجميع علي: لماذا المذهب الشيعي؟".
"المغاربة شيعة بالفطرة"
يرتّب أحمد محله المليء بالأثاث والأكسسوارات المنزلية، ويكمل حديثه بانفعال: "المغاربة شيعة بالفطرة، تقاليدنا وتاريخنا مرتبطان بالشيعة، حتى أن من بين الموروثات الشيعية الرائجة في المغرب، والتي لا يزال العمل بها قائماً عند الكثيرين منا، وضع يد 'خميسة' على باب المنزل، أو على جدرانه، وتسمى بـ'يد فاطمة الزهراء'، اعتقاداً منا أنها تحمي من العين الحاسدة، فضلاً عن أن الموشحات التي تتوسّل لأهل البيت وفاطمة الزهراء كلها تتعلق بالثقافة الشيعية".
في البداية، حاول أحمد إقناع والده جاهداً بأنه لم يرتد عن الدين الإسلامي، وأنه لا يزال مسلماً ويؤدي الشهادتين، لكن "تلك الأحكام المسبقة عن الشيعة دائماً ما تكون حاضرة في نقاشاتنا، ما يعجّل بمخاصمتنا تارة وتارة أخرى بترك هذا الموضوع جانباً".
لا يخفي أحمد ندمه لإخبار أقاربه عن اقتناعه بالمذهب الشيعي، فبعضهم لم يعد يتحدث معه، و"البعض الآخر فضل وضع حدود لعلاقته بي". "لو لم أخبرهم لكنت مرتاحاً"، يقول.
عدا علاقاته الأسرية، يجد أحمد صعوبة في الارتباط والزواج. يحكي أنه في كل مرة تقع عيناه على فتاة جميلة ترفضه، والسبب "كوني شيعياً".
"دائماً الطرف الآخر يرفض الاقتران بي"، يضيف ويتذكر القصة التالية: أتذكر أن فتاة أعجبت بها كثيراً، وبعد شهور من المواعدة، أخبرتها بأنني مغربي شيعي. الفتاة سرعان ما عبّرت عن صدمتها بطرح أسئلة لا تنتهي، من قبيل: لماذا اخترت الشيعة وليس السنّة كباقي المغاربة؟ هل تعمل لصالح إيران؟ هل أنت عدو تضمر لنا الشر؟ هل تشتم الصحابة؟ هل تؤمن بالنبي؟".
ما يعيشه أحمد يبدو أنه لا ينطبق على كل الشيعة في المغرب. أنس (30 سنة)، وهو أستاذ المادة الإنكليزية في إحدى المؤسسات التعليمية في الدار البيضاء، يفيد بأنه "يمارس عمله بشكل طبيعي، من دون أي مضايقات من طرف زملائه في العمل". يقول لرصيف22 إن تشيعه لم يكن عائقاً في أن يتواصل مع باقي المغاربة بشكل طبيعي، وأقاربه ومعارفه تقبلوا حقيقة اعتناقه المذهب الشيعي "بصدر رحب".
لكن ما يقلق أنس هو أنه لم يستطع إقناع أي فتاة بالارتباط به. "بمجرد أن يعرفن أنني شيعي، يقطعن علاقتهن بي، وهذا أمر ظالم ومحزن".
البيئة الوهابية هي السبب
يعيش كل من أنس وأحمد حياتهما بشكل عادي. يؤكدان أن لا فرق بين الشيعة والسنّة في ما يخص العبادات، وأنهما حريصان على أداء الصلاة في المساجد، لكن المتحدثين يربطان مسألة تقبّل التشيّع في المغرب بما إذا كان مطلق الحكم عليهما معتدلاً أو متطرفاً، فالموضوع يختلف بين شخص وآخر.
في المقابل، تساهم سلوكيات بعض الشيعة في المغرب في تعقيد علاقاتهم بمحيطهم. يقول أنس إن "بعض المغاربة الشيعة متطرفون، ويفضلون عدم مشاركة باقي المغاربة الصلاة، لكن هذه الفئة تبقى نادرة".
"بمجرد أن يعرفن أنني شيعي، يقطعن علاقتهن بي، وهذا أمر ظالم ومحزن"
ولكن في العموم، يتابع أنس، "الشيعة المغاربة مسالمون، وبالتالي لا توجد مضايقات ضدهم إلا نادراً وتخص حالات فردية فقط".
هذا الأمر يؤكده أيضاً الباحث المغربي محمد أكديد. يقول لرصيف22 إنه لا يوجد اضطهاد للشيعة بمعناه الحقيقي في المغرب، فالشيعة المغاربة يعيشون في سلام، إلا أن البيئة التي تكون فيها الوهابية السلفية حاضرة بقوة، يكون من الصعب فيها على الشيعة التأقلم والعيش بحرية، ويمكن أن يكون هناك خصام وصراع بين الطرفين.
"يوم الغربة لشيعة المغرب"
يؤكد الشيعة المغاربة الذين تحدثوا لرصيف22 أن لا فرق بينهم وبين باقي المغاربة في ما يخص إحياء المناسبات الدينية، فرمضان هو نفسه، والأعياد كذلك، لكن في يوم عاشوراء يشعرون بنوع من التمييز والغربة.
يقول أحمد: "يوم عاشوراء عند المغاربة هو يوم فرجة وفرح، لكن الأمر يختلف عند الشيعة فهو بالنسبة إليهم يوم حزن بسبب مقتل الحسين وغيرها من الأحداث المفجعة التي حدثت في ذلك اليوم، ولهذه الأسباب، أحس بالحزن وبنوع من الغربة والتمييز وسط أهلي".
للتعرّف على دلالات يوم عاشوراء عند السنّة، يمكن قراءة الموضوع التالي: يوم عاشوراء... هل صام النبي محمد مع اليهود في يوم الغفران؟
ومن بين المصاعب الأخرى التي يواجهها الشيعة المغاربة غياب الكتب الدينية الشيعية في المدارس أو المكتبات. في هذا الصدد يقول أنس: "لا توجد مراجع شيعية في المكتبات، حتى الأحاديث الدينية يتم الاستشهاد بأحاديث مثل صحيح البخاري، المغاربة لا يستشهدون بأحاديث للإمام علي وفاطمة الزهراء".
ويعتقد الشيعة المغاربة أن المضايقات التي يتعرضون لها مصدرها الإعلام، فالأخير يساهم بطرق مختلفة في الشحن ضدهم، فضلاً عن التعتيم الذي يمارسه الإعلام المغربي على الشيعة المغاربة.
وبرأي أكديد، "ما يزعج الشيعة المغاربة تلك الأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع المغربي عليهم، فغالباً ما يتم ربطهم بدولة إيران، إضافة إلى أن المغاربة أغلبهم يجهل المذهب الشيعي، فالمشكل الطائفي التاريخي بين السنّة والشيعة دائماً ما يكون حاضراً، بين أحاديث المغاربة الشيعة والسنّة، فضلاً عن أن السلفية الوهابية في المغرب تكرس مغالطات مثل أن الشيعة يشتمون الصحابة، ولا يؤمنون بالقرآن، ويضربون أنفسهم في عاشوراء".
يحكي أحمد عن ذلك ويقول: "هذه الكلشيهات يمكن أن نجدها عند متطرفي الشيعة، مثل تيار 'الشيرازيين' الذي بدأ يظهر في المغرب، لكن فئة قليلة جداً تنتمي إليه، وهم لا يترددون في الجهر بعدائهم لأهل السنّة".
ويشدد أكديد على أن "السلطة حاولت التعتيم على كل ما هو شيعي في المغرب، سواء في التراث أو في التمثلات الموجودة في المجتمع"، مستطرداً: "صحيح أن الشيعة المغاربة بدأوا يتحركون على مستوى ولوج المجتمع المدني، لكن دائماً ما يصطدمون بثقافة المجتمع المتحفّظة، والدولة هي الأخرى كرّست هذا النوع من التحفظ".
"أرقام غير دقيقة"
رغم غياب إحصاءات رسمية بخصوص العدد الحقيقي للمغاربة المعتنقين للمذهب الشيعي، إلا أن تقرير الحرية الدينية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية سنة 2017، أشار إلى أن "أعدادهم في تزايد. فقد كان عددهم يتراوح حسب تقرير سنة 2014 ما بين 3000 إلى 8000 شيعي، فيما قيم بحوالي 10 آلاف حسب تقرير سنة 2016". ويفسر باحثون ذلك بانفتاح البعض على الخطاب الشيعي، الذي تحرص إيران على تصديره والترويج له.
"صحيح أن الشيعة المغاربة بدأوا يتحركون على مستوى ولوج المجتمع المدني، لكن دائماً ما يصطدمون بثقافة المجتمع المتحفّظة، والدولة هي الأخرى كرّست هذا النوع من التحفظ"
وبحسب ذات التقرير، ينتشر أغلب المتشيّعين في شمال المغرب وفي الحواضر الكبرى، كالدار البيضاء وفاس ومكناس ومراكش والرباط، ومنهم من قَدِم من بلدان عربية كالعراق ولبنان وسوريا، غير أنهم لا يتوفرون على مساجد خاصة بهم.
ويرفض باحثون مغربيون هذه الأرقام لأن لا أحد يملك اليقين حول عددهم.
ويُشار إلى أن الشيعة المغاربة أسسوا "الخط الرسالي" كمؤسسة، بعد أن رفضت السلطات السماح لهم بتكوين جمعية لتأطير نشاطاتهم بشكل قانوني، وخرجت المؤسسة إلى الوجود في العام 2013، إلا أنها لم تحصل على الاعتماد القانوني إلا في العام 2015، بعد صراع مع الدولة.
وفي العام 2016، اعتُقل رئيس "الخط الرسالي" عبد الرحمن الشكراني، وهو ناشط معروف بالدفاع عن حق الشيعة في الوجود بالمغرب، وحقهم في ممارسة شعائرهم، على خلفية "اختلالات مالية تخص وكالة للبريد كان يتولى إدارتها"، إلا أن "الخط الرسالي" أكدت حينها أن سبب الاعتقال هو انتماؤه إلى أحد المذاهب الشيعية، وأن الاتهامات الموجهة ضده مفبركة.
وأهم ما يطالب به الشيعة المغاربة هو تسليط الضوء على مشاكلهم من طرف الإعلام، والسماح لهم بتأسيس جمعيات مدنية تعني بمشاكلهم، ووقف الإشاعات التي يطلقها متشددون ضدهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com