شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الاحتفالات هي جزء من هويّتنا"... عيد الميلاد في قرى فلسطينية ليس للمسيحيين فقط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 27 ديسمبر 201904:33 م

بالنسبة لرفقة مسلم، فإن العيد يفقد بهجته بعيداً عن بلدتها "نصف جبيل" الواقعة إلى الشمال من مدينة نابلس، وجيرانها الذين شاركوها طوال سنوات حياتها أفراحها وأحزانها، ولكنها تغيب عنها يوم العيد لتكون برفقة أبنائها وأحفادها الذين يسكنون مدينة بيت لحم.

مسلم (77 عاماً) أو كما يناديها كل أبناء القرية "أم نصار"، هي آخر  السكان المسيحيين في القرية إلى جانب سيدة ثانية، سعدة حنا خوري، والتي تعيش في منزل يعد من أقدم وأجمل منازل القرية التي كان معظم سكانها من المسيحيين، وهو ما يجعلها تتمسك به وترفض مغادرته لتسكن مع أبنائها في شقق مغلقة.

لا يميز أم نصار عن باقي نساء القرية سوى قلادة الصليب التي ترتديها، فهي ترتدي ذات الزي التقليدي للنساء في شمال نابلس، المكوّن من ثوب طويل من القماش الفضفاض، وزنار حول الوسط، وشال أبيض طويل يغطي الرأس، وتحته الشال الأخضر المزركش.

قبل مغادرتها القرية عشية الميلاد، متجهة إلى بيت لحم، تحرص أم نصار على إضاءة شجرة عيد الميلاد في حوش منزلها، بمساعدة معين أبو ضياء، ابن جارتها وصديقتها المتوفاة.

ورغم أن التواجد المسيحي في القرى الفلسطينية المذكورة بدأ بالتناقص، إلا أنها لا تزال تتمسك بعاداتها بالاحتفال بميلاد المسيح كأحد أهم طقوسها الدينية.

وأبو ضياء هو من يقوم على رعاية أم نصار ومتابعة طلباتها، منذ انتقال آخر أبنائها للعيش في المدينة، "نعتبرها أمّاً لنا"، قال في حديث لرصيف22.

دار حديث طويل عن هذه العلاقة بينها وبين أبو ضياء، لا يقاطع جمال وصف هذه العلاقة سوى اعتراضه المتكرر على قولي: "مسيحي ومسلم"، بإنه لا يحب هذه التصنيفات، وهذا ما تربى وكبر عليه، هو وأبناء "أم نصار" الذين تربطهم علاقات إنسانية جعلتهم أسرة واحدة، تحكمهم علاقة محبة صادقة، عززها نمط حياة الفلاحين في القرية، فذابت كل الفوارق الدينية بينهم، "بيتنا يبعد عن بيت أم نصار مترين فقط، لم نعدها غريبة عنا وإنما صاحبة بيت"، يقول أبو ضياء.

بعد يوم العيد، تعود أم نصار إلى بيتها في القرية الذي يعج بأهالي البلد الذين يأتون مهنئين بالعيد، وبعودتها إلى بيتها.

"في السابق كنا نحتفل معهم في البيت يوم العيد، ولكن عندما كبر الأبناء وانتقلوا للعمل والعيش خارج القرية اختلف الأمر"، يقول أبو ضياء ويتابع: "في القرية كنيسة قديمة رممت قبل سنوات، ويقام قداس العيد فيها، ولكنه يقتصر على احتفال ديني فقط، فبهجة العيد ناقصة بعدم وجود السكان المسيحيين فيها".

يستذكر أبو ضياء (50 عاماً) تلك الأيام، ويضيف: "كان العيد لكل القرية، في ليلة العيد كنا جميع شباب القرية ننتظر في ساحة الكنيسة حتى ينتهي لنقدم التهاني لأصدقائنا عند خروجهم من الكنيسة، ويوم العيد تبدأ الزيارات العائلية لهم في بيوتهم".

وبالنسبة لعائلة أبو ضياء، وقبل العيد كانت والدته تنشغل لأيام في تحضير الحلويات مع أم نصار، والآن ورغم عدم وجود مسيحيين في القرية خلال العيد، يحرص أبو ضياء على تقديم التهاني بالعيد بعد القداس بالاتصال هاتفياً مع أصدقائه الذين هجروا القرية وعاشوا بعيداً عنها.

أجواء الميلاد في قرية "نصف جبيل" لا تزال حاضرة، بالرغم من هجرة معظم مسيحييها، لم تختلف عن عدد من القرى الفلسطينية في أراضي الـ67، والتي تتسم بالطابع القروي للاحتفالات، ويشارك فيها المسيحيون والمسلمون على حد سواء.

ريف القدس

في بلدة القبيبة، وهي إحدى قرى شمال غرب القدس، والتي تحاول إسرائيل فصلها بالجدار والمستوطنات التي بنيت على أراضيها، عن فضاء المدينة المقدسة بالكامل، ويسكنها 6 آلاف فلسطيني، يتصدر مسلمو القرية، الذين حولوا الاحتفال إلى احتفال جماعي لكل أبناء المنطقة، مشهد احتفالات العيد.

لم تعد تسكن قرية "القبيبة" سوى عائلة مسيحية واحدة، وهي عائلة واكيم، عددهم سبعة أشخاص فقط، بالإضافة إلى راعي الكنيسة، الأب سالم يونس، العربي السوري، ولكن هذه العائلة وراعي الكنيسة لهم الاحترام والتقدير الذي جعل الجميع يسعى لتثبيت هذا الاحتفال بشكل سنوي، وهو ما كان بالفعل.

يقول الناشط سعيد يقين، من قرية بيت دقو المجاورة للقبيبة، في حديث لرصيف22: "هذه الاحتفالات جزء من هويتنا الخاصة، كبرنا في هذه المنطقة وكانت الكنيسة أهم معالمها، ونحن لا نرى أية اختلافات ثقافية أو اجتماعية بين المسيحيين والمسلمين هنا".

ويضيف: "وعندما توجهنا إلى راعي الكنيسة مع فكرة الاحتفال الشعبي بالعيد، رحّب بهذه المبادرة، وكان هناك تقدير كبير من المسيحيين في القرية، وخلال هذه السنوات كنا ننظم الاحتفالات التي يشارك فيها كل أبناء المنطقة بمظاهر عديدة، منها إشعال الشموع في الكنيسة وإضاءة شجرة العيد وتوزيع الحلوى".

فيكتور يعقوب واكيم (66 عاماً)، وهو أحد المسيحيين السبعة المتبقين في القرية وأكبرهم، يقول إن إعادة إحياء الاحتفال بالعيد على مستوى المنطقة هو تأكيد على أن هذا العيد لكل الفلسطينيين، ويضيف: "القرية بالكامل تتزين بهذا العيد، العائلات في حارتنا تضيء شجرة الميلاد في منازلها، حتى لا تعرف المسلم من المسيحي"، ويتابع: "وهذا حالنا في كل الأعياد المسيحية والمسلمة".

ويعج بيت واكيم بالزوار ومعظمهم من المسلمين، وهذا التواجد يعوضهم عن غياب العائلات المسيحية التي هاجرت من البلدة إلى المدن الفلسطينية، أو إلى خارج فلسطين، ويضيف: "أبناء قريتي أقرب لي من أقاربي الذين هجروا القرية وتفرقوا في داخل فلسطين وخارجها".

ويتذكر واكيم الأعياد في السابق، وقال إن والدته، التي اعتادت ارتداء الثوب الفلاحي المطرز، كانت تنشغل أياماً هي وجاراتها من المسلمات في صناعة حلوى العيد وتوزيعه على كل "الحارة".

أجواء الميلاد في قرية "نصف جبيل" لا تزال حاضرة، بالرغم من هجرة معظم مسيحييها، وهي لم تختلف عن عدد من القرى الفلسطينية في أراضي الـ67، والتي تتسم بالطابع القروي للاحتفالات، ويشارك فيها المسيحيون والمسلمون على حد سواء

 "هذه الاحتفالات جزء من هويتنا الخاصة، كبرنا في هذه المنطقة وكانت الكنيسة أهم معالمها، ونحن لا نرى أية اختلافات ثقافية أو اجتماعية بين المسيحيين والمسلمين هنا"... يقول أهالي قرى فلسطينية في حديث لرصيف22

قرية بروقين

ولقرية بروقين القريبة من جنين شمال الضفة الغربية، طقوسها الخاصة أيضاً، والتي يشترك المسلمون بها إلى جانب العائلات المسيحية، فالاحتفالات تبدأ في القرية بإضاءة الشجرة، ثم تقام الصلاة منتصف الليل، ويتبعها فتح قاعة الكنيسة، حيث يتواجد بعض السكان المسيحيين لاستقبال المهنئين بالعيد من القرية والقرى المحيطة.

وتبدو القرية بهذه الطقوس في العيد أقرب إلى ما يجري بأعياد الأضحى والفطر في القرى الفلسطينية، حيث تستقبل العائلات المهنئين في العيد من العائلات الأخرى في "ديوان العائلة"، بعد صلاة العيد قبل العودة إلى منازلهم.

يقول أسامة الصايغ، منسق شبيبة ملح الأرض التي تهتم بشؤون مسيحيي برقين وخمسة قرى محيطة: "نختلف بالطقوس والعبادات داخل الكنيسة والمسجد، ولكننا شعب واحد وتفاصيل واحدة فيما عدا ذلك".

وبحسبه، في البلدة تسكن خمس عائلات مسيحية، يصل عددهم إلى 68 مسيحياً من أصل 7500 نسمة، إلى جانب خمسة تجمعات سكانية صغيرة، وهي كفر قود يسكنها 30 مسيحياً، ودير غزالة فيها عائلة مسيحية واحدة، الأب والأم وأبناهما الاثنان، وبلدة طوباس التي يسكنها 50 مسيحياً، والجلمة يسكن 35 مسيحياً، إلى جانب عشرات يسكنون المدينة.

وتقوم مؤسسة الصايغ بفعاليات تطوعية خلال العيد، منها توزيع هدايا الميلاد على أطفال العائلات في البلدة من المسيحيين والمسلمين أيضاً.

ورغم وجود  أقدم كنائس العالم في هذه القرية، وهي كنيسة السيد المسيح البرص العشر، إلا أن الطابع المسيحي للاحتفالات في القرية يختلف عن المدن، فتكون مظاهره أبسط وأقل، وهو مما ينعكس على تفاعل كل القرية في هذه الاحتفالات.

ورغم أن التواجد المسيحي في القرى الفلسطينية المذكورة بدأ بالتناقص بسبب الهجرات، إلا أن هذه القرى لا تزال تتمسك بعاداتها بالاحتفال بميلاد المسيح كأحد أهم طقوسها الدينية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard