شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"بابا نويل مستقل وموسيقى في الشوارع"... أعياد طرطوس تتحايل على الضائقة الاقتصادية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 ديسمبر 201905:15 م

"بابا نويل مستقل، وهذا جرسي"... هكذا يعرف أحد "البابا نويلات" الجوالين في مدينة طرطوس السورية عن نفسه، رافضاً إزالة اللحية المستعارة أو الكشف عن اسمه. يفضل اسم "باسم" لأن عمله الموسمي خلال عيدي الميلاد ورأس السنة يحمله على الابتسام دوماً، على عكس معظم أيام السنة التي يقضيها شبه عاطل عن العمل، حسب تعبيره.

لا يرتبط "باسم" بأي مجموعة لتنظيم الحفلات، ويكتفي بنفخ البالونات بنفسه والتجول بها وبيعها. يقول في حديث لرصيف22: "جربت الأمر العام الماضي لكنني كنت خجولاً بعض الشيء. أما الآن فأرقص في الشوارع بهذا الزي. حشوته بوسادة لأبدو ذا "كرش"، مثلما اعتدنا أن نرى بابا نويل في الصور وبطاقات المعايدات".

وشهد الكورنيش البحري وبعض الشوارع الرئيسية في المدينة حركة نشطة لـ"بابا نويلات" جوالين مع أجراسهم، ممن وجدوا عبر هذا الزي فرصة عمل، تماماً كبعض "مسحراتية" شهر رمضان. بعض المتنكرين مرتبطون بمجموعات تنظم الاحتفالات، يجولون في الشوارع ببطاقات يوزعونها على المارة لجذبهم إلى حضور مناسباتهم، أو استئجار فرق التنظيم الخاصة بهم.

انتعاش المظاهر الاحتفالية

انتعشت هذه المظاهر الاحتفالية تدريجياً بعد ثماني سنوات، اتخذت خلالها أجواء الاحتفالات شكلاً متحفظاً نسبياً فرضته الحرب، فكان التوجه الرسمي في الاحتفالات خلال الفترة العصيبة يقتصر على إقامة الصلوات، في حين حاول الأهالي الحفاظ على الطقوس الاحتفالية بحدها الأدنى على الأقل.

عادت هذه الأجواء إلى ألقها منذ أواخر العام الماضي في العديد من المناطق التي حل بها الاستقرار، أو لم يغادرها أساساً، كطرطوس التي تشهد طقوساً احتفالية مكثفة، منها ما يمارس إغراءً يستنزف الجيوب، ومنها ما يحمل طابعاً اجتماعياً وفنياً ينشر البهجة بلا مقابل.

"الإكسسوارات" الميلادية صينية المنشأ غزت السوق منذ بداية الشهر، متحايلة على سعر الدولار في صعوده الصادم، فوفرت بتفاوت أشكالها وأحجامها خيارات سعرية واسعة، كان أبرزها أسعار شجرة الميلاد المتراوحة بين الألف والمئتي ألف ليرة.

ورغم تنوع الخيارات، لم يشكّل الأمر فرقاً كبيراً في أحد المتاجر المطلة على الحديقة العامة، ما يعد موقعاً تجارياً استراتيجياً، حيث تقول إحدى العاملات فيه: "أغلب المارة يستفسرون عن الأسعار ويكتفون بهز رؤوسهم والمغادرة"، في حين بدا "محل الجملة" قرب ساحة الساعة شبه فارغ من الزبائن، وهو الذي اشتهر باكتظاظه خلال الأعياد. يقول صاحب المحل: "كنت أظن أن هذا العام سيكون أفضل مما سبقه. قفزات الأسعار صدمتنا جميعاً. لم أشتر أشجاراً بسبب غلائها".

الاهتمام بالخبر الاقتصادي 

ومع استقرار أغلب أجهزة التلفزيون في المتاجر على القنوات الإخبارية المختلفة، يتابع الجميع باهتمام متفاوت أخبار المعارك البعيدة، وقد يكتفون بقراءة الشريط الإخباري. يقول عماد صاحب أحد محلات الهدايا والأدوات المنزلية في شارع الثورة: "لا يمكننا ألا نتابع ما يجري. لكنني أهتم أكثر بالخبر الاقتصادي الذي ينبئني عن سعر الدولار. وإذا أردت الهروب من الواقع، أضعها على قنوات لبنان، فأنسى مشاكلنا عندما أرى مشاكلهم، رغم أن التأثير بيننا متبادل حتماً".

وخلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت المدينة الصغيرة ازدياداً ملحوظاً في مجموعات تنظيم الحفلات على أنواعها، بعروضٍ مخصصة للمنازل ورياض الأطفال والمطاعم، أو في مقار هذه المجموعات، وسط إقبال كبير من الأسر ذات الدخل المرتفع، وحتى بعض محدودي الدخل الذين يعتبرون إشراك أطفالهم في مثل هذه الاحتفالات استثناءً لا بأس به مرة كل سنة.

تقول لميس، التي تعمل مدرسة للغة الانكليزية، في حديث لرصيف22: "تستضيف رياض الأطفال فرق تنظيم كهذه بأسعار باهظة، ورغم ذلك، لا يمكنني تجاهل إشراك طفلي مع أقرانه في الروضة بمثل هذه الأنشطة. إدارة الروضة تقول إن الموضوع اختياري، وبعض الأهالي يمتنعون فعلاً عن إرسال أبنائهم في يوم الاحتفال لعدم قدرتهم على الدفع. لكنني أرغب في إسعاد طفلي وسط أصدقائه، رغم أن الأمر يستنزف نصف راتبي أحياناً. بس هيي مرة بالسنة".

في المقابل، لم تخل الساحة من مبادرات اجتماعية لا ربحية ذات صلة بتعزيز التكافل الاجتماعي في العيد، كما في فعالية "هدية إلك ولغيرك"، التي نظمها يافعو جمعية "فضا" للتنمية المجتمعية للعام الخامس على التوالي.

تقول يارا عباس، المسؤولة الإعلامية للجمعية: "ينطوي هذا العنوان الصغير لمبادرتنا على قيمة كبيرة، كونه يعزز التشاركية بين أفراد المجتمع من خلال تشجيع الأسر الميسورة على شراء هدايا لأطفال غيبت عنهم فرحة العيد".

انتعشت المظاهر الاحتفالية تدريجياً بعد ثماني سنوات، اتخذت خلالها أجواء الاحتفالات شكلاً متحفظاً نسبياً فرضته الحرب، فكان التوجه الرسمي في الاحتفالات خلال الفترة العصيبة يقتصر على إقامة الصلوات، في حين حاول الأهالي الحفاظ على الطقوس الاحتفالية بحدها الأدنى على الأقل

عادت هذه الأجواء إلى ألقها منذ أواخر العام الماضي في العديد من المناطق التي حل بها الاستقرار، أو لم يغادرها أساساً، كطرطوس التي تشهد طقوساً احتفالية مكثفة، منها ما يمارس إغراءً يستنزف الجيوب، ومنها ما يحمل طابعاً اجتماعياً وفنياً ينشر البهجة بلا مقابل

موسيقى في الشوارع 

وتمتد هدايا هذه المبادرة لتشمل الموسيقى، فللعام الثاني على التوالي، تم اختيار "كورال أرجوان" متعدد الأصوات والموزع هارمونياً لإحياء سلسلة حفلات ميلادية في الهواء الطلق في ساحات وحدائق مدينتي طرطوس وبانياس، ما وصفته المديرة التنفيذية لجمعية فضا، ماريا عباس، بأنه وسيلة لجمع الناس في جو الفرح دون مقابل مادي، والتوجه بلغة الموسيقى خصوصاً لمن لا تسمح ظروفهم بالاشتراك في الأنشطة الموسيقية، مضيفة: "إن عيدي الميلاد ورأس السنة يمثلان مناسبة جامعة للسوريين أياً كانت ديانتهم، كما يمثّل كورال أرجوان النسيج السوري المتنوع".

واكتسب الحدث الموسيقي أهمية مضاعفة كونه يقام بالتعاون مع الاتحاد العالمي للموسيقى الكورالية، حسب ما يشير إليه قائد كورال أرجوان الموسيقي بشر عيسى، الذي يوضح أن "مشاركة الكورال جاءت بدعوة شخصية من الاتحاد بمناسبة احتفالية يوم الكورال العالمي، حيث خصص الاتحاد شهر كانون الأول للاحتفال، وشملت الدعوة أيضاً كورالي أرجوان للأطفال واليافعين، لينضموا كممثلين لسوريا، ولطرطوس خصوصاً، في احتفال يضم أكثر من 120 كورال من خمسين بلداً للغناء من أجل المحبة والسلام".

وقدم الكورال على مدى ثلاثة أيام في الهواء الطلق، أغنيات وترانيم ميلادية بخمس لغات، العربية والإسبانية والفيلبينية والإنكليزية واللاتينية، وسط حضور لافت من الأهالي، في نشاط أعاد إلى الأذهان فعاليات برنامج "موسيقى على الطريق" الذي انطلق في سوريا قبل عشر سنوات وتوقف خلال سنوات الحرب.

ويرى عيسى "أن توجيه الدعوة لأرجوان للمرة الثانية لإحياء هذه الحفلات يؤكد نجاحها العام الماضي في تحقيق الهدف الأساسي، وهو نقل المسرح إلى الناس بدلاً من ذهابهم إليه، ما يتيح تعويدهم على الموسيقى الراقية التي يحق للجميع الاستماع إليها والاستمتاع بها".

وكان كورال أطفال أرجوان أحيا في وقت سابق من الشهر الحالي حفلاً في طرطوس حمل عنوان "فرح الميلاد" في إطار الاحتفالية العالمية نفسها، وتضمن 16 أغنية بسبع لغات، عن الميلاد والطفولة والطبيعة والوطن والفرح، مع "سكتش" تمثيلي غنائي تفاعلي يحاكي أجواء الميلاد والثلج والهدايا وحب الموسيقى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image