شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أي شيء في العيد أهدي إليك"... لماذا ننفق بسخاء على بعض الهدايا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 ديسمبر 201906:11 م

هل سبق أن لاحظتم أنكم تنفقون الكثير من المال عند شراء الهدايا لشخص تحبونه، بشكل "جنوني" يفوق ما تنفقونه على أنفسكم؟

في الواقع أثبتت الأبحاث التي أجريت في السبعينيات من القرن الماضي، أننا عندما نشتري هدايا للآخرين، فإننا قد نقضي وقتاً أطول في التسوّق وطلب المشورة، بالإضافة إلى إنفاق المزيد من المال بالمقارنة مع ما قد نشتريه لأنفسنا، هذا وقد أظهرت دراسات أخرى أننا ننفق المزيد من المال على عائلتنا وأصدقائنا المقربين.

لكن ما الذي يدفعنا للإسراف في شراء الهدايا للمقربين منا؟ هل هناك دلالة معيّنة وراء إرسال الهدايا الثمينة أم أن الأمر يتعلق بالشعور الذي ينتابنا عند تقديم هذه الهدايا؟

أسباب تطورية

في الحقيقة، هناك الكثير من العوامل التي تتداخل والتي تؤثر على طريقة اختيارنا للهدايا، بخاصة في حال كنّا نقدم الهدية لشخص عزيز على قلبنا.

في هذا الصدد، اعتبرت سيغال تيفريت، كبيرة المحاضرين في مركز روبين الأكاديمي، أن الإنفاق بسخاء على المقربين قد يكون مرتبطاً بعوامل نفسية تطورية.

فمن خلال البحث الذي شاركت به، وجدت تيفريت أن درجة القرابة تؤثر على حجم المبالغ التي يدفعها الناس مثلاً لحديثي الزواج، إذ إن الأقارب المباشرين يقدمون مبالغ أكبر للعروس، يليهم الأصدقاء المقربون ثم الأقارب غير المباشرين.

أوضحت تيفريت أن المتخصصين في علم النفس التطوري يرون أن ثمة دوافع لا إرادية تحفزنا على انتهاج سلوكيات تساعد في نشر جيناتنا، ولهذا ننفق مبالغ أكبر على المقربين منا.

وأشارت سيغال إلى أنه لدينا أسباب تطورية "للاستثمار" في الأصدقاء، شارحة ذلك بالقول: "بالرغم من أننا لا نتشارك معهم في العديد من الجينات، إلا أن العلاقة المتبادلة مفيدة تطورياً ويجب تقويتها، وهو سبب قد يساعد في توضيح الأسباب التي تدفعنا إلى إعطاء الهدايا الثمينة للأصدقاء المقربين أكثر من الأقارب البعيدين".

بدورها، تحدثت أستاذة علم النفس في جامعة بريتيش كولومبيا في كندا إليزابيث دون، عن وجود سبب تطوري يدفعنا إلى إنفاق الأموال على الآخرين.

ففي دراسة أجرتها إليزابيث في العام 2008 وشملت 46 طالباً جامعياً، حصل بعضهم على 5 دولارات والبعض الآخر على 20 دولاراً، وطُلب من المشتركين إنفاق هذه الأموال إمّا على أنفسهم أو على شخص آخر، كشف الطلاب الذي أنفقوا المال على شخص آخر أنهم كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين أنفقوه على أنفسهم، وهو أمر كان مستغرباً، إذ اعتبر الباحثون أننا في الغالب نميل إلى تقليل تقدير الفوائد التي يمكن أن نجنيها من إنفاق المال على الآخرين.

وعليه اعتبرت إليزابيث دون أن إقدامنا على تقاسم الموارد مع الآخرين أسهم في بقاء الجنس البشري، بحيث أن القيام بذلك يجعلنا نشعر بأنه لدينا استقلالية وبأننا قادرون على إحداث تغيير في حياة شخص آخر، شارحة ذلك بالقول، إن منح الآخرين شيء ما "يعزز الشعور بالثقة بالنفس، والأهم من ذلك أنه يقوي الشعور بالاتصال الذي يبدو أنه ضروري حقاً لرفاهيتنا".

الذكاء العاطفي

في حين أننا نجد أن السعادة تكمن غالباً في تقديم الهدايا، فإن شخصيتنا، وتحديداً الذكاء العاطفي، تلعب دوراً في تحديد حجم المبالغ التي ننفقها على الهدايا.

فقد وجدت دراسات أجراها راجاني فيلاي، الأستاذ المساعد في التسويق في جامعة نورث داكوتا، وسوكوماراكوروب كريشناكومار، الأستاذ المساعد بمعهد كيك للدراسات العليا في كاليفورنيا، أن أولئك الذين لديهم مستويات عالية من الذكاء العاطفي ينفقون المزيد من الأموال على هدايا المقربين منهم.

ويشرح فيلاي هذه النقطة بالقول: "الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من الذكاء العاطفي يمكنهم أن يتنبؤوا بشكل أفضل بمشاعرهم، وكذلك بمشاعر المتلقي وكيف ستنعكس هذه المشاعر على علاقتهم مع الآخرين".

بمعنى آخر، فإن الأفراد الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي يمكنهم فهم مدى أهمية تقديم الهدية في العلاقة وهذا هو السبب الذي يدفعهم إلى تقديم المزيد والمزيد، هذا بالإضافة إلى حقيقة أنه عندما نعمل على تقديم الهدايا للأشخاص الذين تربطنا بهم علاقة أوثق، تتاح لنا فرصة تعلم وفهم مشاعر المتلقي.

رسائل ضمنية

بمعزل عن العوامل النفسية وتلك المتعلقة بالتطور، تحدث العلماء عن الكثير من الأسباب الأخرى التي تدفعنا لشراء الهدايا الثمنية للآخرين، مثل نكران الذات لإسعاد الآخرين، الافتخار بالنفس...

من جهته اعتبر يوهسوكي أوهتسوبو، أستاذ علم النفس في جامعة كوبي في اليابان، أنه في العلاقات الرومانسية قد تكون الهدايا رمزاً لتجديد الالتزام العاطفي.

ففي دراسة حديثة، درس أوهتسوبو مدى تأثير المحيط الاجتماعي على سلوكيات تبادل الهدايا بين شركاء الحياة، ووجد أنه كلما اتّسعت دائرة المعارف كلما زادت المبالغ التي ينفقها الأفراد على الهدايا لشركاء حياتهم، للدلالة على التزامهم نحوهم: "إذا أنفقتم بسخاء على شريك حياة واحد، فسيصبح لديكم موارد محدودة للإنفاق على الآخرين، ولهذا السبب فإن الهدايا الباهظة تكون بمثابة إشارة التزام"، على حدّ قوله.

تجدر الإشارة إلى أن بعض الأشخاص يفضلون إعطاء مبلغ معيّن من المال للشخص الآخر عوضاً عن البحث عن هدية قد لا تعجبه، إلا أن هذه الفكرة ليست جيدة على الدوام، بحيث قد يفشل المرء من خلال هذه الطريقة في التعبير عن مدى تقديره للطرف الثاني، لا بل قد تعتبر هذه الخطوة بمثابة رسالة غير مناسبة حول عدم المساواة بين المانح والمتلقي.

حقل ألغام

يمكن أن تكون عملية اختيار الهدية المناسبة بمثابة "حقل ألغام"، وتسبب القلق والتوتر لدى الكثير من الأشخاص، بخاصة عندما يقف المرء عاجزاً عن اختيار هدية ما، فيتساءل بحيرة عن نوع الهدايا التي يمكن أن تثير إعجاب الآخر؟

هناك معنى أكبر في تقديم الهدايا التي تعكس شخصيتكم وتمثل جزءاً من هويتكم، بدلاً من محاولة إثبات مقدار معرفتكم بالطرف الآخر

في الواقع هناك استراتيجيتان لاختيار الهدية المناسبة: الأولى تكمن في محاولة العثور على هدية تعكس صفات او اهتمامات المتلقي، أما الاستراتيجية الثانية فتكمن في التركيز على إعطاء غرض ما يعكس شخصيتكم الفردية ويكشف الكثير عنكم.

في سلسلة من الدراسات، وجد الباحثون أن معظم الأشخاص يجدون أن الهدايا التي تتمحور حول الآخر هي الأنسب، ولكن هناك العديد من المشتركين الذين كشفوا أنهم شعروا بالحميمية أكثر عندما تلقوا هدية تركز على شخصية وتفضيلات المانح، وبالتالي يبدو أن هناك معنى أكبر في تقديم الهدايا التي تعكس شخصيتكم وتمثل جزءاً من هويتكم، بدلاً من محاولة إثبات مقدار معرفتكم بالطرف الآخر.

ولكن هل الهدية الأغلى هي دائماً الأنسب أم أن جوهر الفعل هو الأهم؟

وجدت سلسلة من الدراسات أن الناس في العادة يميلون إلى الاعتقاد بأن الهدايا الثمينة تحظى بتقدير أكبر من الهدايا الأخرى، إلا أن المتلقين لم يبلغوا عن وجود علاقة بين سعر الهدية ومشاعر التقدير، فالأهم من ذلك هو الجهد الذي يبذله الآخر في سبيل البحث عن هدية مناسبة.

 الهدايا تكتسب أهمية كبيرة في حياتنا لكونها تمكننا من أن نرى أنفسنا أجمل في عيون الآخرين، وتجعلنا نشعر بأن هناك شخصاً يهتم بنا

في حديثه مع موقع رصيف22، اعتبر الأخصائي في علم النفس هاني رستم، أن إقدام المرء على تقديم هدية ما للشخص الآخر يعني أنه يقدم جزءاً من نفسه للآخر، وهو نوع من الاعتراف بالآخر كفرد اجتماعي، كما أنه يعزز الشعور بالانتماء، شارحاً ذلك بالقول: "كأفراد اجتماعيين، ليس بوسعنا أن نعيش بمعزل عن الآخرين، كما أننا بحاجة دائماً إلى خلق آليات للتواصل وإلى إيجاد طرق تمكننا من الاعتراف بأهمية وجود الآخر في حياتنا".

وعليه أكد رستم أن تبادل الهدايا هو جزء من إنسانيتنا ومن الاعتراف بوجود بعضنا البعض، مشيراً إلى أن الهدايا، بمعزل عن قيمتها المادية، تكتسب أهمية كبيرة في حياتنا لكونها تمكننا من أن "نرى أنفسنا أجمل في عيون الآخرين، وتجعلنا نشعر بأن هناك شخصاً يهتم بنا"، على حدّ قوله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image