شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"يقولون، فلوسنا رايحة على الهدايا"... عن عشق التهادي في السعودية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 19 مايو 201702:14 م
منذ زمن بعيد، يتبادل السعوديون الهدايا في المناسبات الخاصة ويعتبرونها من التقاليد التي لا يمكن مخالفتها، والتخلف عنها "عيب". إلى هنا، قد يبدو الأمر طبيعياً مشابهاً لثقافات مختلفة. لكن الفرق يكمن في أن المناسبات والاحتفالات بالسعودية لا تنتهي على مدار العام، ولكل منها هدية خاصة وطقس احتفال. فلا يكاد يخلو شهر بدون مناسبة عائلية تستوجب دفع مبلغ من المال. ومن الصعب معرفة عدد الذين يحافظون حتى اليوم على جميع طقوس الهدايا من جيل الشباب، لكنهم من دون شك لا يستطيعون التهرب من غالبية هذه الطقوس. تقول ريهام (25 عاماً) لرصيف22: "أرهقتني تكاليف الهدايا، فلا أستطيع تقديم هدايا منخفضة الثمن إذ يعيب علي تقديمها مما يجعلني قبل المناسبة بفترة أجمع مبلغاً من راتبي الزهيد لشراء هدية". قديماً، عُرفت الهدايا في السعودية ببساطتها، فكانت عبارة عن أشياء رمزية، وكان يكفي في الأعراس مثلاً إعطاء أم العروس وأم العريس مبلغاً لا يتجاوز 100 ريال سعودي، فيما اليوم، فإن أي هدية تقل عن 500 ريال تجلب لمعطيها الخجل. وطبعاً المبلغ وحده ليس كافياً، فيجب اتباعه بهدية خاصة للعروس. يقول أحمد 39 عاماً: "أصبحت الهدايا عبئاً على المجتمع إذ خرجت من كونها هدية بسيطة تزيد المحبة إلى التفاخر والتسابق بتقديم أغلى الهدايا بكل مناسبة".

"على قدر ما يتهادون، على قدر ما يشتكون"

تقول نورا أبار صاحبة مشروع "تهادوا تحابوا" لتغليف الهدايا التقليدية من وحي التراث الحجازي أن التهادي في السعودية لا ينحصر ضمن المناسبات الفردية أو الشخصية، كالزواج أو الإنجاب أو عيد الميلاد. فهناك المواسم التي اعتاد الناس أن يكللوها بهدايا، كرمضان، وعيد الفطر وعيد الأضحى، بالإضافة لبعض العادات الحجازية كتهادي قهوة اللوز في رأس السنة الهجرية. "من الشائع أن نهدي الأهل، وأهل الزوج والأصدقاء في رمضان"، تقول أبار لرصيف22، وتكون الهدايا علب تمر فاخر أو حلوى وشوكولا. "على قدر ما يتهادون، على قدر ما يشتكون"، تقول أبار شارحة أنها تسمع الزبائن والأصدقاء يتذمرون لكثرة ما تستقطعه الهدايا من مرتباتهم الشهرية، لكنهم رغم ذلك لا يتوقفون عن تبادلها. "يقولون، فلوسنا رايحة على الهدايا"، تضيف أبار، شارحة أن الناس لا يقتصدون عند شرائها لأن الهدية في المجتمعات السعودية تعطي قيمة لحاملها، فلم تعد الهدايا الرمزية أو الصغيرة كافية.

"مبروك جاكم طفل"

في المنطقة الجنوبية، يتبادل الناسُ الخرسَ، وهي الهدية التي تُعطى للسيدة بعد ولادتها، خلال فترة النفاس، ويجلب الزوار لها مأكولات شعبية ومشروبات خاصة بالنفاس كمشروب القرفة والحلبة وعيش باللبن والعريكة بالعسل. طبعاً لا يتوقف الأمر عند المأكولات المقدور على سعرها، فمن الضروري تقديم مبلغ رمزي يراوح بين 300 و 500 ريال للأم في كل مرة ترزق بطفل جديد. وقد يتفاوت حجم المبلغ المقدم للأم، فهناك من يفضل تقديم الرشرش أو المحزم، الذي يراوح سعره بين 10 آلاف و 30 ألف ريال. فإن جمعتم عدد النساء اللواتي ينجبن كل عام في العائلة ودائرة المعارف والأصدقاء يظهر عبء هذه الهدية جلياً.
المناسبات في السعودية على مدار العام، ولكل منها هدية وطقس واحتفال. فلا يمر شهر بدون مناسبة تستوجب دفع المال
وفي منطقة الحجاز، يكون الاحتفال بالمولود وتقديم الهدايا له خلال ما يسمى بالسابع، وهي عادة رائجة في مصر، وقد تكون وصلت إلى الحجاز عبر الحجاج والمعتمرين الذين استقروا فيها ومعهم عاداتهم. ففي اليوم الثامن من ولادة المرأة يحتفل بالمولود ويركز الاحتفال على أطفال العائلة ويتم توزيع الهدايا لهم، وهي عبارة عن شموع وأنواع من الحلوى المحلية كالبتاسي والرباعي والمحلل والشريك، وتكلف هدايا المولود بين الـ500 والألف ريال. ومن عادات الهدايا أيضاً، هدية البشارة، وتُعطى عندما تبشر شخصاً بخبر مفرح كان ينتظره كثيراً، وغالباً ما تكون مبلغاً يصل إلى 10 آلاف ريال سعودي وذبيحة من اللحم يلتقي حولها الأصدقاء.

"مبروك عليكن الزواج"

ليس هناك مناسبة تستدعي الهدايا بقدر حفل الزواج. فبدءاً بالعريس الذي يفترض منه أن لا يتوقف عن العطاء منذ أن يعلن خطبته حتى يتم الفرح، للعروس وأهلها، مروراً بالأقارب الذين يُتوقع منهم أن يقدموا هدايا للعروس أيضاً. لا تدخل فكرة "الودينغ ليست" أو قائمة الهدايا التي يطلبها العروسان من المدعوين، في عادات المجتمع السعودي كما هو الحال في سوريا ولبنان والأردن مثلاً. لذا يُترك للأقارب والأصدقاء حرية اختيار الهدايا التي تكون في الغالب مالاً أو قطعاً ذهبية. وتعرف منطقة الوسط والشمال، بهدية الحفالة، وهي قطع مجوهرات ذهبية أو ساعة ثمينة، تدفعها النساء للمرأة المتزوجة حديثاً كتعبير عن فرحتهن بها. ويقوم أهل الجنوب بتقديم أسلحة كهدية للعريس ويراوح سعر القطعة بين الـ14 ألفاً والـ20 ألف ريال، وقد يزيد عن ذلك حسب نوع السلاح. وقد يبتدع بعض الضيوف هدايا أكبر حجماً أحياناً، فقد انتشر مقطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي لمدعو إلى حفل عرس يسلم حصاناً أمام الحضور لوالد العريس ومعه شهادة للحصان.

هدايا الجيل الجديد

بدأ المجتمع السعودي بالاهتمام بمناسبات جديدة لم تكن محط اهتمامه قبل عقدين، كعيد الحب وعيد الأم، الذي يكثر خلاله شراء الذهب. وقد صرح للشرق الأوسط جميل فارسي رئيس لجنة تجارة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة في غرفة جدة أن "مناسبة عيد الأم تسهم في تنشيط المبيعات، وهذا هو الهدف الأساسي لأي تاجر". وفي المقابل، أكد مدير محل مجوهرات "لآلئ النمر" بالدمام حيدر النمر للشرق الأوسط أن "مبيعات الذهب والجواهر تنتعش في يوم الأم بصورة كبيرة".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image