في قلب القاهرة، عند نقطة التقاء شارعي شريف وقصر النيل، يصحبكم رصيف22 في موعد مع النجوم، داخل “عمارة الإيموبيليا"؛ المكان الذي حمل لعقود طويلة وجهاً لامعاً للحياة الفنية المصرية والعربية، وعشرات المواقف التاريخية والوجوه والحكايات التي تجمعت تحت سقف العمارة التاريخية، التي تعدّ من أبرز وأشهر عمارات القاهرة والشرق الأوسط طوال القرن العشرين.
العقار الذي يحمل رقم 36 في شارع شريف، قام بتصميمه المهندسون المعماريون ماكس أذرعى، وجاستون روسيو، واكتمل بناء العمارة عام 1940م لتصبح سكناً لمشاهير و رموز المجتمع المصري خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. أولى مراحل العمل في إنشاء العمارة بدأت في 30 أبريل 1938م، وبلغت تكلفة البناء مليون و200 ألف جنيه مصري، وقد كان رقماً كبيراً جدّاً وقتها.
تتكوّن العمارة من برجين؛ أولهما البحري، ويتكوّن من 11 طابقاً، والثاني القبلي، ويرتفع إلى 13 طابقاً، ويضمّ البرجين 370 شقة، بينما يبلغ عدد المصاعد التي تضمّها الإيموبيليا 27 مصعداً، كانت تقسم قديماً إلى ثلاث فئات: "البريمو" للسكّان، و"السوكندو" للعاملين، والتقسيم الثالثُ للأثاث.
كانت جنبات الإيموبيليا شاهدة على حياة العديد من نجوم مصر خلال الثمانين عاماً الماضية، من أبرزهم الفنان الكبير نجيب الريحاني، المقيم في الطابق الثالث بشقة رقم 321، والتي أغلقتها ابنته منذ رحيله. وكان معه من سكان الإيموبيليا أيضاً موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي كان يسكن في الشقة المجاورة لشقة الريحاني مباشرة،
وظلّ عبد الوهاب مقيماً بالإيموبيليا حتى نهاية الثمانينيات، قبل أن ينتقّل إلى حيّ الزمالك. وفي الطابق الثامن كان يسكن أنور وجدي وزوجته الفنانة ليلى مراد، كما كانت شركة أفلام "أنور وجدي" في نفس العمارة بجوار شقة الفنانة كاميليا.
في الطابق الثالث، كانت شقة 311 عنواناً لصاحب "منديل الحلو"، المطرب عبد العزيز محمود، وما زالت الشقة حتى الآن تحمل لافتة "أفلام عبد العزيز محمود"، وتملكها ابنته،
وفي الطابق السابع عاش المطرب الكبير "محمد فوزي" حيث صنع بالإيموبيليا أجمل ألحانه، كما كان يسكن بالعمارة الملحن الكبير كمال الطويل مع صديقه "عبد الحليم شبانة"، مدرس الموسيقى، قبل أن يصبح عندليباً يعرفه العالم العربي باسم "عبد الحليم حافظ" وينتقل إلى حيّ الزمالك، وتضمّ العمارة أيضاً مقرّ شركة أفلام الفنانة ماجدة الصباحي، وهي نفس الشقة التي شهدت زواج ماجدة وإيهاب نافع.
من المواقف الطريفة التي كانت العمارة شاهدة عليها حدثت عندما تعطل المصعد لمدة طويلة بالمخرج "صلاح أبو سيف" أثناء زيارته لأحد أصدقائه من الفنانين، فولدت في ذهنه من داخل مصعد الإيموبيليا فكرة فيلم "بين السما والأرض" الذي حقّق نجاحاً جماهيرياً ساحقاً
وفي الطابق الرابع كان يقيم الفنان الكبير محمود المليجي مع زوجته الفنانة علوية جميل. ومن أشهر سكان العمارة المخرج محمود ذو الفقار والمخرج الكبير هنري بركات والمخرج كمال الشيخ والفنانة أسمهان والفنان أحمد سالم والمنتجة آسيا داغر التي أنتجت أهمّ أفلامها من الإيموبيليا
ولم تكن "الإيموبيليا" حكراً على الوسط الفنيّ فقط، بل عاش فيها أحد أشهر الأدباء العرب، وهو الكاتب الكبير "توفيق الحكيم" الذي سكن فيها مبكراً، ثم اضطرّ لمغادرتها بعدما ازدحمت بسكّانها من المشاهير.
من المواقف الطريفة التي كانت العمارة شاهدة عليها حدثت عندما تعطل المصعد لمدة طويلة بالمخرج الشهير "صلاح أبو سيف" أثناء زيارته لأحد أصدقائه من الفنانين، فولدت في ذهنه من داخل مصعد الإيموبيليا فكرة فيلم "بين السما والأرض" الذي حقّق نجاحاً جماهيرياً ساحقاً.
مجلة "منطقتي" مطبوعة الصحافة المحلية في وسط القاهرة، قامت بإعداد ملف خاص عن العمارة الشهيرة، وتحدّث يحيى وجدي، رئيس تحرير منطقتي، لرصيف 22 عن الوضع الحالي للإيموبيليا من خلال معايشة فريق المجلة لوضع العمارة طوال عدة شهور، وقال إن التغيرات التي حدثت في العمارة العريقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة كانت سريعة جدّاً وبالغة السوء، فالتدهور الذي حدث للإيموبيليا خلال تلك الفترة لم يحدث طوال أكثر من 70 عاماً منذ تأسيسها.
وذكر وجدي على سبيل المثال أنه كان هناك محلّ عريق ذو واجهة رائعة من أجمل وأندر الواجهات وهو "سيسيل"، خرج من المشهد، بالإضافة إلى أحد المحلات العريقة لبيع الأحذية المنزلية، والذي تحول إلى أحد فروع سلسلة مقاهى شهيرة، بالإضافة إلى الكارثة التي تسبّب فيها أحد محالّ ملابس السيدات، والذي يقع في الممرّ الداخلي للعمارة، والذي قام بإنشاء لوحة "أوت دور" إعلانية كبيرة. يستحيل أن نشاهد حالة مشوهة مثلها في موقع تراثي. كما تمّ إغلاق محل "بلاي بوي" الشهير الذي كان من أبرز وأعرق محالّ الملابس في وسط القاهرة، وتحوّل إلى مطعم جديد للوجبات السريعة
يضيف وجدي: الحالة المهترئة للعمارة العريقة، لم تقف على تحول تركيبة المحالّ فقط، بل إن غياب الصيانة والرعاية تسبب في أن عدد المصاعد التي تعمل حالياً داخل العمارة، لا يزيد عن 3 مصاعد، من إجمالي 18 مصعداً كانت تعمل داخل الإيموبيليا، وكلّ تلك الحالة العشوائية الأفقية التي تعاني منها العمارة بشكل خاص، وشارع شريف بشكل عام، تسبّب في حدوث إحجام عن الشّراء في العقارات الشاغرة، التي تقيم الشركة المالكة مزادات لبيعها بشكل دوريّ، وهو أمرً لم يحدث في تاريخ العمارة العريقة، وأصبح يستدعي تدخّل فوري لإنقاذها من كارثة وشيكة في ظلّ كلّ هذا الإهمال.
"الإيموبيليا" تعتبر شاهدَ عيان على العديد من التحوّلات في تاريخ مصر؛ شارع شريف الذي تتواجد به العمارة، كان أغلب سكّانه في الماضي من الأرمن والفرنسيين واليونانيين، وهو ما تغير حالياً. والأرض التي بنيت عليها العمارة كانت مقرّاً للسفارة الفرنسية بالقاهرة طوال ما يزيد عن 50 عاماً، أي حتى يناير 1937م، عندما باع الموسيو بيير دي فيتاس، وزير فرنسا المفوّض، السراي الضخمة التي كانت مقرّاً لسفارة بلاده منذ عام 1886م، للشركة العقارية العمومية التي أسست الإيموبيليا.
كانت السراي القديمة مقامة على الطراز الإسلامي الأندلسي، وضمّت الكثير من الكنوز الأثرية والفنية التي اختفت تحت 70 متراً، وشكّلت أول ناطحة سحاب في تاريخ القاهرة. تركيبة السكان تغيّرت كثيراً عبر العصور؛ فكانت خلال الأربعينيات وبداية الخمسينيات، من الأجانب والنخبة، وعاش بها الكثير من السياسيين ونجوم المجتمع، منهم إسماعيل باشا حسن، وأحمد باشا كامل، وإسماعيل باشا صدقي، والدكتور عزيز صدقي، رئيس وزراء مصر الأسبق.
كانت جنبات الإيموبيليا شاهدة على حياة العديد من نجوم مصر خلال الثمانين عاماً الماضية، من أبرزهم الفنان الكبير نجيب الريحاني، ومن سكان الإيموبيليا أيضاً موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي كان يسكن في الشقة المجاورة لشقة الريحاني مباشرة
كما ضمّت السرايُ مكتب نقيب المحامين أحمد الخواجة، وعيادة الدكتورمحمد عطية، طبيب الأطفال الشهير، ومن الأثرياء و رجال المال والصناعة، الخواجة "سلفادور شيكوريل" مؤسس سلسلة المحلّات الشهيرة، والجواهرجي ريمون صبري. وقد ظلّت العمارة مملوكة لعبود باشا حتى عام 1961 حيث تمّ تأميمها وقتها ضمن أملاكه، ثم آلت ملكيتها لأحد شركات الإسكان والتعمير الحكومية.
وقد شغلت الإيموبيليا الكثير من الكتاب والفنانين، فكتب عنها الكاتب المصري محمود معروف، كتاباً يحكي تاريخها، واستند في فصول الكتاب على رواية ثلاث من حراس العمارة (البوّابين)، مازالوا على قيد الحياة؛ كما قام المخرج السينمائي خالد الحجر بتخليد الإيموبيليا في فيلم "جريمة الإيموبيليا"، الذي استلهم أحداثه من جريمة قتل خادمة وسمسار حدثت داخل العمارة الشهيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه