يأتي هذا المقال ضمن الملفّ المُعدّ لشهر ديسمبر 2019, في قسم "رود تريب" بـرصيف22، والمعنوَن: "فلنتسكّع معاً في الشّوارع".
"الجُمَّيزة"؛ شارع مميز جداً بتاريخه وشكله وسحره الخاص. هو الشارع السياحي الأول ومقصد الساهرين الأساسي في العاصمة بيروت، ومن آخره يمتدّ شارع "مار مْخايِل" الذي أصبح أيضاً وجهة سياحية أساسية في بيروت.
شارع الجميزة شارع أثري مهم وقد سمّي بهذا الاسم نسبة إلى شجرة "الجُمّيز" الضخمة في أوله، وكان تاريخياً شارعاً سكنياً بمبانيه ذات الطابع العثماني والفرنسي.
يقول تقرير تلفزيوني لقناة "يوم جديد" عن الشارع، إن الشارع من أطول شوارع بيروت ويسمّى بشارع "غورو" نسبة للمفوض السامي الفرنسي. وقد تحوّل هذا الشارع لشارع سياحيّ مع انتشار المطاعم والمقاهي والبارات فيه مع بداية الألفية، وهو أهمّ الشوارع في العاصمة اللبنانية لمحبّي السّهر.
من يمشون في الشارع يسحرون بجمال الأبنية التاريخية، والتي بالطبع نالت نصيبها من الرّصاص والدّمار أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، كما طال سكّانه التهجير كبقية المناطق اللبنانية. جمال في العمارة يلاحظه المارّون بالأبنية المُعادِ ترميمُها، وتلك القديمة المتهالكة التي تنتظر إعادة الترميم.
تمتدّ على طول الشارع المقاهي والمطاعم والحانات التي تستقطب السكّان المحلّيين والسيّاح على حدٍّ سواء، وخصوصاً محبّي السهر في عطلة نهاية الأسبوع، حيث يشهد الشارع ليلاً ازدحاماً كبيراً. يركن الكثير من السائقين سياراتهم ويفضلون المشي للوصول إلى وجهتهم في الشارع وذلك بسبب ازدحام السير الكبير الذي يشهده شارع الجميزة في أمسيات عطلة نهاية الأسبوع.
رغم الجنتريفيكيشن والعولمة، النسيج الاجتماعي الأساسي ما زال موجوداً
تقول سيسيليا بيلليسنيمي، المسؤولة الفنلندية في إحدى المنظمات الدولية، إنها وقعت في حبّ الجميزة وشارع مار مخايل الممتدّ منها، لأنه شارع مليء بالحيوية والابتكار؛ مكان ملوّن وكلّ مكان فيه مختلف فعلاً؛ أصحاب المحلات والمطاعم يقومون بجهود كبيرة لإضفاء طابع مميّز على محلاتهم مع الانتباه للتفاصيل والجماليات أيضاً. وتضيف سيسيليا: "أنا شخص بصريّ، وأحبّ كثيراً الأماكن التي يعنى أصحابها بجعلها خلاّقة."
بالإضافة الى ذلك تعتقد سيسيليا التي زارت بيروت مرّات عديدة بحكم عملها، أن منطقة الجميزة ومار مخايل تذكّرها بمنطقة بروكلين في نيويورك، وتحديداً منطقة Williamsburg، ولكن الطقس في بيروت أفضل طبعاً بكثير على حدّ قولها، والمنطقة لديها أبنية أقدم بكثير من أبنية نيو يورك؛ "أحبّ هذا الخليط الرائع بين الأبنية التراثية التاريخية والجو الحديث Hip vibe الهيبستر في المكان. فهنا ثمة رهبانيات وكنائس قديمة عمرها قرون، بالإضافة إلى الأماكن التي تقدّم المأكولات النباتية الخالية من الغلوتين. هذا المزيج الرائع يذكّرني أيضاً بمنطقة Cukurcuma في إسطنبول.
وبرأيها هذا الشارع مختلف ومميز جداً عن أي مكان في العالم، لأنه يمتلك جوّ الجنتريفيكيشن الموجود في نيويورك، لكن النسيج المجتمعي الأساسي في الشارع ما زال موجوداً. تضيف سيسيليا معطيةً مثلاً: "لقد اشتريت عِقداً من رجل حرفيّ يناهز عمره المئة سنة، كان يكافح من أجل صنع العقد بيديه، ولكنه كان من الواضح أنه مارس مهنته لعقود طويلة، وهو جزء من المجتمع المحلي، وفي الوقت نفسه هناك المجتمعات الجديدة كممارسي اليوغا.
تعتقد سيسيليا التي زارت بيروت مرّات عديدة بحكم عملها، أن منطقة الجميزة ومار مخايل تذكّرها بمنطقة بروكلين في نيويورك، وتحديداً منطقة Williamsburg، ولكن الطقس في بيروت أفضل طبعاً بكثير على حدّ قولها
"واحد من الأشياء المفضلة التي قمتُ بها هو الذهاب إلى صف يوغا عند إقامتي في منطقة مار مخايل في فندق جميل يدعى" فيلا كلارا". في المكان أعمال فنية جميلة جداً.". وتضيف سيسيليا: "أحبّ طريقة تعامل مالكي المكان مع ضيوفهم. ومن الفنادق الجيدة جداً التي جرّبتها أيضاً هو فندق ألبرغو Albergo، وهو من أجمل الفنادق التي نزلت بها في حياتي؛ البناء على الطراز العثماني القديم وفيه تفاصيل فنية مرهفة.
فيلا كلارا
أحبّ المنطقة وفنّ الشوارع (الغرافيتي)، خصوصاً درج الجميزة، الذي بجانبه مكان يقدّم أطيب قرنبيط في العالم، وهو مكان جميل جداً تنتشر فيه صور المغنّين العرب من الزمن الجميل على الجدران، وموسيقى فيروز تملأ المكان، وبإمكان الناس أن يدخّنوا الشيشة هناك.
مطعم ليزا
"ولكن مطعمي المفضل -تقول سيسيليا- ليس في لبنان فقط بل في العالم كلّه هو مطعم ليزا الذي يقدّم الأكل اللبناني في فيلا أثرية قديمة. المكان جميل جدّاً، والأكل أجمل. والمطعم الثاني على قائمتي في مار مخايل هو "بارون" الذي يقدّم المطبخ اللبناني بطريقة fusion عصرية."
من مطعم بارون
إن زرتم بارون، يمكنكم الاستمتاع بتجربة قائمة النبيذ اللبناني الخاصة والحصرية جدّاً Boutique wines، والتي ليست من ماركات النبيذ المعهودة التي تتواجد في الأسواق.
النبيذ عند بارون
ما تحبه سيسيليا تحديدا في شارعي الجميزة ومار مخايل والمنطقة المجاورة هو ذلك التزاوج المتجانس بين القديم والحديث، فتجد أرضيات البيوت والأمكنة من البلاط التقليدي القديم جداً مع أثاث عصريّ حديث.
شارع الجميزة شارع أثري مهم وقد سمّي بهذا الاسم نسبة إلى شجرة "الجُمّيز" الضخمة في أوله، وكان تاريخياً شارعاً سكنياً بمبانيه ذات الطابع العثماني والفرنسي
هناك الكثير من المحلات الصغيرة الجميلة، كمحل "Plan B" الذي لديه نزل للضيوف مرتبط به، وله حديقة صغيرة جميلة، وفيه تباع منتوجات لبنانية حرفية من شغل اليد، بوسترات ومطبوعات. بالإضافة الى محل حقائب اليد المصنوعة يدوياً الشهير Sarah’s Bags.
مطعم مايريغ
الثقافة الأرمنية حاضرة
في منطقة مار مخايل هناك الكثير من السكان الأرمن، وسيسيليا مهتمة جدّاً بالثقافة الأرمنية، والتي يمكن للمرء التعرّف عليها هناك من خلال المطاعم الأرمنية التي تقدم أكلاً رائعاً، فقد أكلت عند مطعم سيزا Seza. أما نادر حولّا (خبير في التواصل والتسويق)، فهو يفضل مطعم مايريغ الأرمني، الذي يقع في بيت بيروتي قديم، وبإمكان الزوار أن يجلسوا في الجنينة، وفي غرف المنزل المختلفة، وهناك غرفة صغيرة بإمكان الزبائن أن يشتروا منها المونة والمنتوجات الأرمنية.
مطعم سيزا
بالنسبة للمطبخ الإيطالي في المنطقة، تحبّ ريما ناصر (باحثة اقتصادية في الجامعة الأمريكية في بيروت) مطعم Tavolina في مار مخايل لأنه، برأيها، أفضل مطعم إيطالي في لبنان، وهو عبارة عن محلّ صغير والديكور فيه بسيط وحميم. بإمكان المرء الجلوس داخلاً أو خارجاً على الرصيف، فهناك أربع أو خمس طاولات.
البارات في الشارع
تجد سيسيليا بيلليسنيمي أن البارات في الجميزة ومار مخايل رائعة وبمستوى نيويورك؛ فالكوكتيلات لذيذة جداً ومحضرة بطريقة محترفة، والشارع ممتلئ بالناس دائماً. ومن أماكنها المفضلة لشرب كأس هو بار Bohemian, وأنيسة، وعلى سطح فندق Albergo.
أما ريما ناصر فتفضّل في الجميزة Cafe Standard ، لأن الموسيقى فيها ليست عالية جدّاً، و"بإمكاننا أن نتحدّث والمكان مفتوح على الطريق".
بينما نادر حولا من باراته المفضلة في شارع مار مخايل هو Emilia نسبة لرائدة الطيران الأميريكية Emilia Erhardt. وفي داخل المكان مجسم للطائرة التي عبرت بها الأطلسي وحيدة. المكان رحب والفئة العمرية فيه أكبر نسبياً من 30 عاماً وما فوق. ورواده من جنسيات متنوعة. في المكان بار طويل جداً وبالإمكان الجلوسُ عليه أو على الطاولات داخلاً أو خارجاً على الرصيف. أحياناً هناك فرق تعرض الموسيقى الحيّة.
درج مار نقولا أو درج الجميزة
يعتبر هذا الدرج أحد معالم المنطقة، ويفصل بين منطقتي المدور والرميل. يستضيف الدرج أعمالاً فنية ومعارضَ للرسم، ومهرجانات للسينما بشكل دوري.
درج مار نقولا
منطقة اليوغا
منذ حوالي ثلاث سنوات أصبحت مار مخايل مقصدَ محبي رياضة اليوغا الأساسي في بيروت، بحسب ريما ناصر، التي ترتاد مدرسة Saravam لليوغا حوالي ست مرات بالأسبوع، مع أنها تسكن في المقلب الآخر من المدينة.
وبرأيها هذه مدرسة اليوغا الأحسن في الجميزة مع أن هناك مدارس أخرى كثيرة، لأنه في أستوديو اليوغا هذا بإمكان الشخص أن يجرّب أنواعاً عديدة من اليوغا بالإضافة إلى وجود معلمين أكفّاء. يقع الأستوديو في مبنى قديم من الحجر الطبيعي، وسقفه عالٍ وفيه جنينة. كلُّ هذا يعطي جوّاً من النوستالجيا على المكان، ويساعد ممارسي اليوغا على الاسترخاء. وبحسب ريما، يأتي للمدرسة الكثير من السيّاح والأجانب (حوالي 20٪) الذين يسكنون المنطقة، لأنها أكثر منطقة كوزموبوليتية في بيروت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...