شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ليش الفلسطينيات

ليش الفلسطينيات "طالعات"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 26 سبتمبر 201902:06 م

في العام الثاني من دراستي الجامعية، كنت آنذاك أدرس للقب أوّل في جامعة حيفا، قرّرت ومجموعة من الطالبات الفلسطينيات تأسيس حركةٍ نسويةٍ فلسطينية، تعمل على قضايا نسوية وسياسية متعلقة بواقع الطالبات والنساء الفلسطينيات في الداخل الفلسطيني، عندها وصلتنا تعليقات، منها مباشرة ومنها عن طريق سلسلة من التلفونات "غير المكسورة"، بأنه: "هاد مش وقته".

وطبعاً، لا يكمن أن تكوني نسويةً فلسطينيةً في سياق الاستعمار إلّا وأن تسمعي الجملة الذكورية: "هاد مش وقته"، بلهجاتٍ فلسطينيةٍ متنوعة. وبالطبع، هذه الجملة غير مفروضة فقط على الفلسطينيات، إنّما على نسويات المنطقة العربية كلّها، في سياق سيرورة التحرّر من الأنظمة الديكتاتورية والقمعية من المحيط إلى الخليج.

طيّب، شو هو اللي مش وقته؟ الإجابة هي، "مش وقتنا إحنا النساء"، أي بالنسبة لكثيرين: هذا ليس وقت لرفع قضايا وأصوات نسائية ونسوية، لأن هنالك دائماً ما هو "أهمّ" في سيرورة النضال السياسية، وكأن الشعب الفلسطيني بكامله مكوّن من الرجال، وتأتي المرأة لخدمة ذلك، تماماً كما تُدار مساحات كثيرة في مجتمعاتنا، في فضاءاتها العامّة والخاصّة، كأننا ماكينات، علينا أن نعيش وفقاً لتعاليم معيّنة كي تواصل المنظومة الذكورية سُلطتها. لكن، كما في التاريخ، ومواكبة نضال النسويات الفلسطينيات على مدار سنوات عديدة، هنالك دائماً من يقلن "لا" ويغيّرن هذا الواقع، ولوّ ببطء شديد.

منذ بداية العام 2019، قُتلت في فلسطين 28 امرأة فلسطينية، كانت آخرها إسراء غريّب.

منذ بداية العام 2019، قُتلت في فلسطين 28 امرأة فلسطينية، كانت آخرها إسراء غريّب. لا يمكن قراءة واقع العنف المتواصل ضد النساء بمعزل عن ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية قامعة، سواء في ظل منظومةٍ استعمارية أو في ظل مجتمع أبوي وذكوري. ولا يمكن اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، أن نرى نضال الشعب الفلسطيني في كل مكان، من أجل حريته وكرامته، بعيداً عن أولوية حرية المرأة الفردية والجمعية.

لم تكن جملة "هاد مش وقته" كادعاء فقط، ولكن في كثير من الأحيان، وحتى في أطر تقدمية كما اعتبرناها، كان هذا الادعاء شبيهاً بفرض ما. وبالرغم من أن العنف ضد النساء الفلسطينيات عامة والنسويات الفلسطينيات خاصة، جاء غالباً من أطر وعقليات رجعية، شاركناها الهمّ الوطني والفعل السياسي، فشُتمت الفتيات علناً عند أوّل تظاهرة مناهضة لسياسات إسرائيل، لأن الفتيات ارتدين ملابس لم تُعجب بعض الرجال أو الأطر السياسية!، وبنفس الوقت، لم يخلُ الأمر أيضاً من أن نواجه مثل هذه الادعاءات حتّى في دوائرنا التقدمية الدافئة، وهنا كان الألم الأكبر.

لذلك، تأتي مبادرة "وطن حرّ نساء حرّة"، لتلمس الجرح تماماً وتطيّبه وتمنح مساحة أمل واسعة، وهي مبادرة أقامتها "مجموعة من النساء الفلسطينيات اللواتي يناضلن ضد كافة أشكال العنف الممارس على النساء الفلسطينيات في جميع أماكن تواجدهن". وجاء في بيانها التعريفي: "نحن نعيش في ظلِّ منظومةٍ استعماريةٍ عنيفة، عملت على تهجير وتفكيك مجتمعنا الفلسطيني وشرذمته ومنع تواصله. يواجه هذا المجتمع، ونواجه كجزء منه، عنفَ النظام الإسرائيلي بشكل يومي. وفي هذه الظروف، لا يشكّل مجتمعنا الفلسطيني حيزاً آمناً لنا ولكافة أفراده، وتُدفن حكايات ترويعنا وتبقى طي الكتمان. إن من شأن تضامن نسوي فلسطيني عابر للشرذمة أن يكوّن حيزاً للشفاء والتضامن بيننا، وأن يرمم مجتمعنا ليكون عادلاً وآمناً في ظل نضالنا نحو حرية وطننا".

طيّب، شو هو اللي مش وقته؟ الإجابة هي، "مش وقتنا إحنا النساء"، أي بالنسبة لكثيرين: هذا ليس وقت لرفع قضايا وأصوات نسائية ونسوية، لأن هنالك دائماً ما هو "أهمّ" في سيرورة النضال السياسية، وكأن الشعب الفلسطيني بكامله مكوّن من الرجال، وتأتي المرأة لخدمة ذلك

اختارت المجموعة أن يرافق الحملة الإلكترونية حراك في الشارع، بما تحمله هذه الخطوة من إعادة الاعتبار للشارع/ للفضاء العام، حامل الصلة الأقوى بالجماهير، امتداداً لما يمكن للفضاء الرقمي أن يفعله وفعله، بتشكيل مساحة تشعر النساء  فيها بأنهن لسن لوحدهن في هذه المعركة 

رافق الإعلان عن المبادرة إعلانات عن سلسلة تظاهرات في بلدات فلسطينية عديدة، بعنوان "طالعات"، يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2019، لتخرج اليوم الفلسطينيات في كل من غزّة، حيفا، رام الله، الجش، عرابة، الطيبة، يافا، وتنضم إليهن فلسطينيات ولبنانيات وسوريات في بيروت، إضافة إلى تظاهرة في برلين. ورافقت الإعلان عن التظاهرة جملة: "#طالعات لنحارب الأبوية في كل مكان، ولنحارب الاستعمار والأبوية في فلسطين، لأن لا عودة ممكنة دون وجود لوطن حرّ إلا بنساء حرّة".

اختارت المجموعة أن يرافق الحملة الإلكترونية حراك في الشارع، هنالك أداء أساسي تحمله المجموعة بإعادة الاعتبار للشارع/ للفضاء العام، بأنه يحمل الصلة الأقوى بالجماهير، امتداداً لما يمكن للفضاء الرقمي أن يفعله وفعله، بتشكيل مساحة تشعر النساء الفلسطينيات والعربيات فيها بأنهن لسن لوحدهن في هذه المعركة على حيواتهن، هن وأخواتهن من النساء، كما وإعادة الاعتبار للمبدأ الأساسي: أننا كشعوب لن نكون أحراراً إلا لو عاشت النساء حرية امتلاك أجسادهن وأفكارهن وقراراتهن. وهذا يمشي يداً بيد مع الحراك في المنطقة العربية، خاصّة ما بعد الثورات العربية.

المبادرة أيضاً اختارت وسائط كالفيديو لنشر الرسالة، فعملت على أفلام قصيرة تعطي صوراً لأشكال العنف الذي تعيشه النساء الفلسطينيات، والذي بالتأكيد تُشبه أدواته أدوات العنف الممارس على المرأة العربية في كل مكان. إلّا أن قوة حراك "وطن حرّ نساء حرّة"، يربط المعادلة الأساسية، بأن الحرية السياسية لا يمكن أن تكون بلا حرية الفلسطينيات، وأن قضايا العنف ليست قضايا جنائية فردية، فذكرت المجموعة في بيانها التعريفي أيضاً: "قضايا العنف ضد الفلسطينيات هي حالة اجتماعية ممتدة تعتاش على منظومات من العنف والفساد البنيوي المتجذّر، كالمنظومات الطبية والتربوية والقانونية وغيرها. بالتالي، فإن العنف ضد النساء ليس شأن الضحايا وحدهن، بل شأن كل فلسطيني وفلسطينية".


برلين... امتداداً لفلسطين والمنطقة العربية

"في كافة أماكن تواجدهن" تؤكد المبادرة على ذلك. فانضمت إليها مجموعة من النساء الفلسطينيات في برلين، بالتعاون مع مجموعة "فلسطين بتحكي". هذه المدينة التي أعيش فيها وتعيش فيها مجموعة من النساء الفلسطينيات لأسباب عديدة، هي التي أيضاً نُظِّمت فيها يوم الأحد الماضي تظاهرة ضد نظام السيسي والحكم العسكري في مصر، هذه المدينة التي كما قال صديق في منشور كتبه في فيسبوك: كإنها مدينة في فلسطين التاريخية، ومجازاً هي أيضاً كأنها مدينة في مصر أو سوريا أو تونس، وفقاً للمساحات التي تخلقها والتي جمعتنا فيها من جيل شباب اختارها أو لجأ إليها قسراً.

 تأتي مبادرة "وطن حرّ نساء حرّة"، لتلمس الجرح تماماً وتطيّبه وتمنح مساحة أمل واسعة.

ففي تظاهرة الأحد الماضي، كنت أتأمل وجوه أصدقاء وصديقات عرفتهم في بلادهم بداية الثورات وقبلها بقليل، أو تعرفنا إلى بعضنا البعض عبر الفضاءات الرقمية، فأصبحنا كلنا هنا لأسبابنا العديدة، الفردية (والتي هي ليست فردية فقط) وكذلك السياسية العامّة. اجتمعنا كلنا في تظاهرة نهتف فيها نفس الهتافات، الكثير من الحزن والأمل أيضاً لأن الأصوات ما زالت حيّة.

لا يختلف هذا الشعور عمّا أشعره اليوم، بمناسبة تظاهرة "طالعات" في برلين، والتي أساساً تُطالب بالحدِّ من العنف الممارس على الفلسطينيات أينما كُنَّ، لكن في برلين تأخذ منحى آخر، تحمل في طياتها دعوة لكل النساء العربيات في هذه المدينة، اللواتي يواجهن العنف الممارس ضدهن في المجتمعات، وكذلك في القانون والأنظمة السياسية القامعة، بتوحيد صفوف النضال ضد كل أشكال المنظومات الأبوية، وبهذا تقول التظاهرة بأن حريّة بلادنا كلّها هي من حرّية النساء، في فلسطين ومصر وتونس ولبنان والجزائر والمغرب والبحرين والعراق وغيرها.

إن مبادرة "وطن حرّ نساء حرّة"، شكّلت المساحة الآمنة الأولى، وكلّنا أمل أن تضغط هذه المبادرة على خلق مساحات آمنة لكل نسائنا أينما كنَّ، لحياةٍ حرةٍ وكريمةٍ بلا خوف… لأنه هاد هو دايماً اللي وقته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard