يأتي هذا المقال ضمن الملفّ المُعدّ لشهر ديسمبر 2019, في قسم "رود تريب" بـرصيف22، والمعنوَن: "فلنتسكّع معاً في الشّوارع".
أصبحت مدينة الدار البيضاء مع بداية القرن العشرين واجهة للمدينة الحديثة، ومختبراً لبيت المستعمر، حيث فيها ظهرت كلُّ معالم الحياة العصرية، إذ شكلت المباني الجديدة والشوارع الكبيرة التي تتمركز وسط المدينة، كتلة حية جسدت نمطَ عيش جديد ميّز فترة الحماية في البلاد، مما جعل مدينة الدار البيضاء في مقام المدن الكبرى في العالم مثل مدينة برازيليا في البرازيل، ومدينة شونديكار في الهند.
شارع محمد الخامس ذاكرة مدينة
يعتبر شارع محمد الخامس الذي كان يسمى سابقاً بشارع المحطة، من أقدم الشوارع الرئيسية في مدينة الدار البيضاء، يرجع تاريخ انشائه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وتمتدّ مساحته على أكثر من 2 كلم، من ساحة الأمم المتحدة القريبة من باب مراكش إلى محطة الدار البيضاء للمسافرين. تتخلل الشارع العديد من العمارات والمقاهي والمحلات التجارية، التي تستقطب الزوّار من كلّ مكان، ومن مختلف دول العالم، ليكون واحداً من الشوارع النابضة بحياة المدينة.
يقول لَحْسن كريم (74 سنة) الذي كان يمتهن بيعَ الحمام تحت أطول بناية بالشارع، والتي تضمّ 17طابقاً قبالة مدار "إميل زولا"، لرصيف 22: "وجود شارعٍ بحجم شارع محمد الخامس، وبأهميته الاقتصادية والثقافية والتاريخية يمكننا اعتباره بطاقة تعريف لكلّ البيضاويين". ويضيف كريم: "لطالما كان شارع محمد الخامس محطة تباهي البيضاويين من خلال واجهاته التي تجسد أناقة المعمار الفرنسي الشاهدة على ثراء حضاري لسنوات ما بين الأربعينيات والخمسينيات، ولطالما كان محجاً للأوروبيين والبورجوازيين ممن كانوا يرتادون معارض (لافييت) التي كانت تقام في الشارع".
رمزية وطنية
تعود تسمية هذا الشارع إلى ستينيات القرن الماضي بعد وفاة الملك الراحل محمد الخامس، حيث اجتمعت الحكومة آنذاك وقرّرت إجراء مباراة دولية لأشهر النحّاتين في العالم لإقامة تماثيل للملك الراحل في بعض الساحات الكبرى ببعض المدن المغربية، تقديراً لبطولته وكفاحِه.
ويُحكى أنه بعد انتشار الخبر، اجتمع عددٌ من العلماء المغاربة ليصدروا فتوى تحمل توقيع ثلاثة وعشرين عالماً، تشرح حالة التنافي بين الشرع وإقامة النصب والتماثيل، وعندما وصل نصُّ تلك الفتوى إلى الملك الراحل الحسن الثاني أوقف كلّ شيء، ونقل عنه أنه قال: "إذا كان العلماء لا يريدون ذلك، فإذاً لا أفعله". ولكنه سمي الشارع بـ"محمّد الخامس" دون إقامة تمثال.
معمار فرنسي
يجسّد شارع محمد الخامس بصمةَ مخطّط المعمار الفرنسي هونري بروست، وسط المدينة، ما جعل منه شارعاً شاهداً على تطور الهندسة المعمارية في المدينة؛ فيما يضمّ الشارعُ بين جنباته العديدَ من المحلّات التجارية لأفخم الماركات العالمية الشهيرة. هذا بالإضافة إلى عمارات ومحلات تستقطب الزوّار من كلّ صوب وحدبٍ لاكتشاف واحدٍ من الشوارع النابضة بمدينة الدار البيضاء.
يجسّد شارع محمد الخامس بصمةَ المعمار الفرنسي هونري بروست، ما جعل منه شارعاً شاهداً على تطور الهندسة المعمارية في المدينة؛ فيما يضمّ الشارعُ العديدَ من المحلّات التجارية لأفخم الماركات العالمية الشهيرة، بالإضافة إلى عمارات ومحلّات تستقطب الزوّار من كلّ مكان
يقول عبد الغني أفريط، عضو جمعية "كزا ميموار"، في تصريح لرصيف22: "شارع محمد الخامس الذي كان يسمى بـ(شارع المحطة)، هو من أول الشوارع التي تمّ تهيئتها معمارياً وإنشاؤها في فترة الحماية الفرنسية من طرف الجنرال الفرنسي (اليوطي) الذي كان يقيم بمدينة الدار البيضاء، والذي كان من أهدافه أن يجعل من المدينة ولايةً مصغّرة عن فرنسا. فما يمكن الإشارة إليه، يضيف أفريط، أنه على مستوى شارع محمد الخامس كان هناك تقاطع لمجموعة من الأراضي الفلاحية لملّاك مختلفين، وبالتالي كان يصعب على السلطات الفرنسية إنشاء هذا الشارع دون الرجوع إلى التفاوض مع الملاك، وهنا سيقع شيء طريف هو أن أحد الملاك سيرفض التشاور، وكان له نفوذ، وهو من كان يملك بقعة تتواجد بها الآن بناية مقهى (فرنسا).
الزائرون للشارع سينبهرون بأبنيته الرائعة التي تمزج في بنائها وفنونها المعمارية بين الطابع الإسلامي الأندلسي والطابع الأوروبي القديم خاصة الفرنسي منها والإيطالي، كما يمكن لزائري الشارع أن يتناولوا مشروبهم ووجبتهم المفضلة ضمن مجموعة المقاهي والمطاعم الشهيرة التي تقدم أشهى الأطباق المغربية التقليدية الشهيرة في المطاعم المحيطة به.
الزائرون للشارع سينبهرون بأبنيته الرائعة التي تمزج في بنائها وفنونها المعمارية بين الطابع الإسلامي الأندلسي والطابع الأوروبي القديم خاصة الفرنسي منها والإيطالي
يشير عبد الغني أفريط، كان دائماً شارع محمد الخامس محطَّ اهتمام من قبل شركات وطنية وعالمية، وتجّار كبار وشخصيات لهم نفود لبناء عمارات وبنايات وشركات على مستوى الشارع، ما جعله يتوفّر على العديد من المرافق، مثل البنوك، والجرائد، وبناية بورصة الدار البيضاء التي هي اليوم عبارة عن غرفة للتجارة والصناعة والخدمات، هذا بالإضافة إلى السوق المركزي، والكثير من الممرّات التي تتخلّل الشارع، مثل ممرّ "لكلاوي".
فندق "لنكولن"، حكاية صنعت جزءاً من تاريخ
معروف أن غالبية أقدم الفنادق الموجودة في مدينة الدار البيضاء لها حكايات صنعت جزءاً من التاريخ، و يعتبر فندق "لنكولن" واحداً منها.
كان "لينكون" مَعلَمة معمارية موغلة في القدم تحتلّ موقعاً هامّاً في قلب شارع محمد الخامس، تمّ تصميمها من طرف المهندس الفرنسي هيبير بريد، سنة 1917، وتقدّر مساحتها بحوالي ثلاثة آلاف متر مربع.
ولطالما كان الفندق ملتقى للعديد من الشخصيات العالمية والوطنية، وقبلة لفرق أجنبية حلّت بالدار البيضاء لمواجهة "الوداد" و"اليسام" و"اليوسا" و "الراك"، وغيرها من الفرق الاستعمارية. ولطالما كان اسم "لنكولن" يوحي إلى تحرير العبيد، فقد اتّخذه كثير من الأفارقة مقاماً لهم خلال زيارتهم للمغرب، منهم وزراء ومخبرون وسماسرة. إلا أنه سرعان ما فقد جزءاً من من أجزائه بعد 70 عاماً على تشييده، وذلك إثر تعرّض جدرانه للانهيار عدّة مرات، ليصبح مرتعاً للمتشرّدين.
السوق المركزي للبيضاويين "مارشي سانطرال"
قبالة فندق "لينكون"، يوجد السوق المركزي للدار البيضاء، أو كما يسمّيه البيضاويون "مارشي سنطرال". لا زال يحتفظ السوق حتى اليوم بخصائصه المعمارية التي جعلت منه مَعلمة تراثية وطنية، هو عبارة عن بناية مربعة الشكل، تعلوه طارمة واسعة يحتلّها بائعو الأسماك، والزقاق الداخلي الذي يسيجه محاطٌ بالحوانيت المتراصة على الجهة الخارجية لشارع محمد الخامس، والتي تتميز بطابعها البسيط؛ فلا تختلف عن أسلوب الأسواق الحضرية التقليدية المغربية.
تتوسط السوق أيضا سقايات من الزليج التقليدي، وثمة ثمانية مداخل تمكن من عبور السوق من كافة الاتّجاهات. ويتميّز المدخل الرئيسي بتأطيرات منقوشة بالزليج الأخضر والأصفر.
يؤكد عضو جمعية" كزا ميموار" أن الغاية كانت من إنشاء شارع محمد الخامس، هو ربط ساحة الأمم المتحدة والمدينة العتيعة ومحطة القطار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع