كان الانتقال عبر نهر النيل من الأمور الهامّة والمستدامة في الحضارة المصرية القديمة، فقد استخدمت المراكب للسفر والصيد والتجارة منذ عصور ما قبل الأسرات، بل إن الإنسان المصريّ القديم تصوّر الآلهة، خاصة إله الشمس، يتنقل بتلك القوارب، وفق ما ذُكر في كتاب "قراءة الفنّ المصري" القديم" لريتشارد هـ. ويلكنسون، ترجمة د. يسرية عبد العزيز، والصادر عن المجلس الأعلى للآثار في مصر.
أما "الأتوبيس النهري" فنشأ خلال حكم جمال عبد الناصر، ربما في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. لكنّ أهميته ضعفت في التسعينيات مع أهمية الوقت وضعفِ منافسة النقل النهري أمام النقل البري. وكان قديماً هناك عدة مراسٍ تعمل لهيئة النقل النهري بالقاهرة بين مصر القديمة والنيل وجامعة القاهرة والتحرير، غير أن المرسييْن الأخيرين هما من يعملان فقط بالقاهرة، بينما يُعتبر مرسى التحرير هو المرسى الرئيسي فيه، بالإضافة إلى مرسى القناطر الذي تصله رحلات من مرسى التحرير، فضلاً عن مرسيين بمحافظة الدقهلية، أحدهما في مدينة المنصورة، والآخر في مدينة طلخا.
تقع محطة الأتوبيس النهري بالتحرير على كورنيش النيل بين مبنى الإذاعة والتلفزيون وميدان التحرير، وهو عبارة عن استراحة على شاطئ النيل بها صفّان من مجموعات الكراسي؛ كلُّ صفّ به مجموعتان، وكلّ مجموعة عبارة عن خمسة كراسٍ، وتتصل الاستراحة بالمرسى من خلال معبرين معدنيين صغيرين أحدهما للدخول إلى المرسى، والآخر للخروج منه.
يقول أ.د. احمد عيسى في كتابه "أمّ الدنيا": إن آلهة نهر النيل أربعة؛ الأول هو منبثق من تصور جغرافي يشير إلى كهف أسفل الجنادل الصخرية جنوب أسوان يقبع فيه خنوم سيد منطقة الشلال وربّ منابع النيل وهو المسؤول عن تدفق النيل من ذلك الكهف؛ أما الثاني فهو أوزير، ربّ الخصب وسيد عالم ما تحت الأرض، وتقع مسؤوليته في خروج نهر النيل من تحت الأرض؛ والثالث هي الإلهة (محت ورت) التي تسكن السماء على شكل بقرة ضخمة وتتسبّب بأمطار الخير ومجيء النيل؛ أما الرابع فهو حابي أو حعبي والذي يمثل روح النيل الذي يدفعه إلى أرض مصر وقوّته الفاعلة.
في الأتوبيس قابلت الباحثين عن التنزه، وتكلفة تذكرته 4 جنيهات فقط. والرحلة من أمام التحرير تصل إلى محطة الجامعة في غضون عشرين دقيقة، وتتكون المحطة من مرسيين معدنيين يمكن الوصول إليهما من خلال سلم نازل ومنه إلى جسر معدني صغير، ويخرج من المحطة إلى شارع مراد، ومنه إلى شارع أحمد نسيم، ثمّ يساراً، لنجد تمثال نهضة مصر وإلى جواره حديقة الحيوان بالجيزة. واتجاهاً نحو اليمين وعبر شارع طويل نسبيًا تصلون في النهاية إلى بوابة الجامعة الرئيسية، مرورًا بحديقة الأرومان للنبتات.
يعتبر الأمر السلبي الوحيد بالتحرّك عبر الأتوبيس النهري هي الوقت، فالفارق بين وصول الأتوبيس وتحرّكه يصل إلى حوالي نصف الساعة، وبالتالي قد تتراوح رحلتكم منذ وصولكم للاستراحة بالتحرير حتى تحرّك الأتوبيس ووصولكم للمرسى بالجيزة مابين 25 دقيقة (في حال وصولكم المرسى قبيل التحرك مباشرة) و40 دقيقة.
في المركبين من الطراز الأول، يمكنكم تناول بعض المشروبات الساخنة، وأيضاً المشروبات الغازية التي ستنال اهتمام "النوستالجيين" بسبب شكلها التقليدي القديم
لكن، بغض النظر عن ذلك، فالأتوبيس النهري بهدوء الصوت الذي لا يقطعه إلا صوت محرك الأتوبيس، والعين لا يشغلها إلى سطح النهر، والفنادق والمقاهي التي قد لا يستطيع راكبو الأتوبيس دخولها لارتفاع تكلفتها، والتي تحجب النهر عن الرؤية من داخل القاهرة، وبعض التجمعات الشجرية التي لا يمكن رؤيتها داخل القاهرة إلا في ما ندر. كما أن الهواء المشبع بـ"طرواة" ماء النهر يزيد الرحلة جمالًا حتى في الشتاء.
خط التحرير –جامعة القاهرة يعمل به ثلاثة مراكب يتطلب الانتظار نصف ساعة. المراكب ذات طرازين؛ الأول يبدو عليه القِدم، وهو مقسم إلى قسمين؛ الأكبر يتشابه مع أتوبيسات النقل العام، وهو عبارة عن مساحة طولية يشغلها صفّان من الأرائك، بينهم ممرٌّ للحركة، والقسم الأصغر عبارة عن مكان مفتوح وهو يوحي بفكر التنزه أكثر منه التنقل.
وفي المركبين من الطراز الأول، يمكنكم تناول بعض المشروبات الساخنة، وأيضاً المشروبات الغازية التي ستنال اهتمام "النوستالجيين" بسبب شكلها التقليدي القديم. أما الطراز الآخر فيبدو عليه الحداثة بعض الشيء، وهو مركب واحد عبارة عن قسم طولي يشغلها صفوف متوازية من الكراسي البلاستيكية بينهم ممرّ واحد للحركة.
وبعد الساعة الخامسة ينتهي عمل الأتوبيس النهري التقليدي، لتدخل مراكب أخرى –تابعة لهيئة النقل النهري أيضاً- لكنها أكبر حجماً بقليل ومصمّمة للرحلات فقط. تتميز بلونها الأزرق ورسوماتها البسيطة والتي تتكوّن من رسومات تحاكي رسومات من الحضارة المصرية القديمة ورسومات أخرى مختلفة تعبر عن الاحتفال.
في أيام الجمعة، نظراً للإقبال على التنزّه تتحرّك تلك المراكب في التاسعة صباحاً، من التحرير حتى القناطر الخيرية، ليتمتّع الرّاكبون بالتنزّه هناك
ويتكون المركب من دورين؛ الأول يتحوي على مصفوفات من الكراسي، والثاني مفتوح، ويحتوي على أرائك خشبية متوازية بشكل طولي مع المركب. وتخرج تلك المراكب في نزهة نيلية تكلفتها 20 جنيهاً، وتستمرّ ساعة يتخللها "دي جي"، يجمع ما بين أغانٍ قديمة وأغان شعبية تقارب مع ما يتمّ إطلاقه في مراكب زهيدة السّعر على النيل.
وتستمرّ تلك المراكب في نقل الراكب طالما وُجدوا، لذا فمن الممكن أن تتوقف تلك المراكب عن العمل في بعض الأحيان. وفي أيام الجمعة، نظراً للإقبال على التنزّه تتحرّك تلك المراكب في التاسعة صباحاً، من التحرير حتى القناطر الخيرية، ليتمتّع الرّاكبون بالتنزّه هناك، ومن ثمّ العودة في الثالثة مساءً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...