"لفتت انتباهي من الوهلة الأولى، كان حضورها طاغياً، قالت إنها في أوائل الثلاثينيات، إلا أنها صُدمت حينما عرفت أنني في منتصف العشرينات، فحينما كنت أجادلها معظم الوقت نداً بند، ظنَّت أني بمثل عمرها، من هنا نشأ إعجاب متبادل بيننا".
هكذا حكى محمد، يعمل منسق لأمسيات ثقافية ويسكن الجيزة، قصة ارتباطه بفتاة كان فارق العمر بينهما يتخطَّى الـ6 سنوات، كان هو الأصغر، وهو أمر يكاد يكون نادراً في معظم شرائح مجتمعاتنا العربية، التي خلقت ما يشبه التابو في العلاقات العاطفية والزواج، يجعل الذكر لابد وأن يكون أكبر عمراً من الأنثى، حتى يتمكن من التحكّم بها، وإحكام السيطرة عليها بمنطق أبوي ذكوري، لكن هناك من كسر هذه التابوهات ولم يسر خلفها.
"حضور طاغي وعقل واعي"
أكمل محمد لرصيف22 قائلاً: "كان حضورها طاغياً وقوياً، استحوذت على الاجتماع الذي كان منعقداً بين أناس من أعمار مختلفة، بدت واثقة من نفسها، تتحدث بلباقة وبوعي، أسكتت الجميع، وظلَّت تتحدث لمدة طويلة دون أن يقاطعها أحد، صرحت بعمرها بسلاسة كما لو كانت تتحدث عن موعد مع مصفف الشعر".
لم يكن فارق السن يشكل عائقاً بالنسبة لمحمد، استمرت العلاقة أكثر من عامين، كانت كافية ليغير هو رأيه إلى النقيض، قال لنفسه إنَّ الارتباط عاطفياً بفتاة أكبر سناً هو الأنسب له، إذ إن الفتاة الأصغر تكون متطلبة نفسياً وعاطفياً، وتحتاج لبذل مجهود كبير، وترهق من معها بشكل صعب لاحتواء الخلافات الفكرية، أما الفتاة الأكبر سناً فهي ناضجة، تتحدث بصراحة ووضوح، تعي جيداً ما تريده وتعرف كيف تصل إليه، كما تعرف حدودها النفسية والشخصية، ومتفهمة أن الحياة تشارك أكثر من كونها ندية، أو أن يكون هناك طرف هو المسيطر في العلاقة.
"انتهت العلاقة بسبب الأهل"
أما عبد الرحمن (اسم مستعار) من القاهرة، فيروي أنه تعرف على حبيبته السابقة على أحد مواقع التواصل، كان فارق السن بينهما كبيراً، كان في الثامنة عشر من عمره آنذاك، يقيم بالقاهرة وهي في السابعة والعشرين، تقيم بإحدى محافظات جنوب مصر التي تبعد عن القاهرة قرابة 5 ساعات بالسيارة، كانت لقاءاتهما الفعلية نادرة.
كثرت الدردشات بينهما، وامتدت علاقة طيبة وصداقة لعامين، ثم تحولت إلى حب لمدة عامين آخرين، يقول عبد الرحمن لـرصيف22، إنهما لم يشعرا بهذا الفارق رغم كونه كبيراً جداً يصل إلى 9 سنوات، بل كان يذوب ذلك الفارق لثقافة عبد الرحمن واطلاعه الجيد حسبما قال، وانخراطه منذ صغره في الحياة العملية.
"الفتاة الأكبر سناً ناضجة، تتحدث بصراحة ووضوح، تعي جيداً ما تريده، وتعرف كيف تصل إليه، كما تعرف حدودها النفسية والشخصية، ومتفهمة أن الحياة تشارك أكثر من كونها ندية، أو أن يكون هناك طرف هو المسيطر في العلاقة"
"العلاقات التي تُبنى بين رجل أصغر عمراً وامرأة أكبر، تكون هناك نقطة ضعف فيها، تتمثل في مجتمع الأصدقاء والأهل، باستثناء بعض المجتمعات المنفتحة في القاهرة والإسكندرية"
كان يقترب من نهاية دراسته الجامعية، دعمته بشكل كبير، وكانت تناقش معه، وتستشيره في كل أمور حياتها، حتى أنه لم يشعر أنها أكبر سناً، وينبغي أن يرضخ لرأيها في بعض الأمور بالنهاية بل كان الأمر معكوساً، كانت كلمته ورأيه ذا ثقل كبير في العلاقة، وبعد أربع سنوات انتهت العلاقة العاطفية لعدم رضا أسرتها، إلا أن صداقة لا تزال تجمع بينهما إلى الآن.
"شخصية قوية ومستقلة"
"التقينا للمرة الأولى في حفلة مسرحية، كانت تهتم بالفن وتتبع أحد الأنشطة الخاصة به، وكنت مولعاً بالمسرح. عرفتها عن طريق أصدقاء مشتركين. جذبتني منذ اللحظة الأولى، لم أعرف فارق السن بيننا لكنني ظننتها من نفس عمري، ثم فوجئت أنها أكبر مني بـ6 سنوات"، هكذا حكى مينا (اسم مستعار) مقيم في محافظة جنوب سيناء، لـرصيف22، قصته مع زوجته السابقة.
وأضاف أنه منذ ذلك اليوم، عرف أن شيئاً ما يجذبه ناحيتها، تطورت علاقتهما سريعاً، لم يقف أمام فارق العمر، ولم يره عائقاً، رغم تخوفها، وترددها هي في بعض الأحيان، ورغم "سخافة ما تعرضا له من المحيطين بهما"، إلا أنهما تزوجا بعد عامين من بداية لقائهما.
استمر زواجهما أربع سنوات، أنجبا خلالهم طفلين، لم يشعرا وقتها أن العمر يشكل مشكلة، بل كانت وجهات النظر تكاد تكون متقاربة، ولم تكن زوجته السابقة تشبه الفتيات الصغيرات، حسبما قال مينا، في الاهتمام بصغائر الأمور، ولا ممن يصابون بالذعر لأتفه الأسباب، بل كانت صاحبة شخصية قوية ومستقلة، لكن الزواج انتهى بعد أربع سنوات بالطلاق، ليس بسبب فارق السن، بل لاختلاف طبائعهما.
"لم يتحمل المسؤولية"
بعض الفتيات لم يستطعن كسر حاجز الخوف من الاقتراب من هذا التابو، والبعض الآخر، مثل إسراء من الإسكندرية، والتي قالت أنها تعرفت على شاب عن طريق أصدقاء مشتركين، كانت تعرف من البداية أنه أصغر عمراً منها، لكن لم تهتم كونهما أصدقاء من البداية.
تروي إسراء، تسكن القاهرة ولها أنشطة إبداعية، لـرصيف22 أنه بعد "تجربة عاطفية" مرت بأزمة انفصال، ثم اكتئاب، وهو كان قريباً منها بدرجة كافية في ذلك الوقت، وأصبح الاهتمام منه يأخذ شكلاً مختلفاً عن اهتمام الأصدقاء، ثم أصبح هناك مشاعر متبادلة بينهما.
لم تتقبل كل الأوساط ذلك الارتباط بين فتاة أكبر من شاب بـ7 أعوام، كان أصدقاؤه المقربون متقبلين لهذه العلاقة، بينما لم يتقبل أصدقاؤها ذلك ورأوا أن ما تفعله تخبط.
كان هناك معوقات تمنع الارتباط الجاد، أحدها أنَّ "الحبيب" في بداية عمره بالعشرينيات، ولم يكن قد أنهى تجنيده العسكري.
بعد فترة توطدت العلاقة بينهما، ونمت مشاعر إسراء تجاه حبيبها، لكنه بدأ في الإحساس برفض المجتمع لعلاقتهما، وكانت من الجانب الآخر تدعمه، وتحاول تخفيف الضغط عليه، وتتمسك به بشكل أكبر.
"كانت إسراء تدعمه، وتخفف عليه الضغوط، وتتمسك به"
توترت العلاقة بينهما، وأثارت أشياء صغيرة مشاكل بينهما، أدت في النهاية إلى الانفصال بشكل هادئ بعد قرار منهما، بعد عامين من الانفصال التقيا مرة أخرى، أفصح خلالها أنه أحس أن التجربة، ونظرة المجتمع أكبر منه، ولم يستطع مواجهتها، وكل ذلك كان يخرج في صورة مشاكل يفتعلها لأتفه الأسباب بينهما.
أوضحت إسراء أن الفارق في السن لم يشكل أي عائق، حينما أعادت التجربة مع شاب كان الفارق عامين بينهما، لكن حينما كانت التجربة وهي في الثلاثينيات مع شاب في الثلاثين أيضاً، لم يشكل فرقاً وقتها، إذ كلاهما كانا ناضجين حسما أمرهما، وتخبطا في الحياة، ثم اختارا طريقاً واضحاً، وتحملا المسؤولية بشكل كبير، لكن حينما تكون هي في نهاية العشرينيات وهو في أولها، لا يزال يتخبط، ولم يتعلم تحمل المسؤولية، ستكون هناك مشكلة وعائق في العلاقة بينهما.
احتواء وسيطرة
يوضح دكتور عاطف عدلي، استشاري طب نفسي، الخلفية النفسية للرجل والمرأة الذين يبحثان عن شريك أكبر سناً، من واقع خبرته في مجال عمله، قائلا: "تبحث المرأة عن رجل أقوى منها نفسياً ومادياً واجتماعياً ليحتويها، وحينما تكون المرأة أكبر تكون لديها خبرة أكبر، وبالتالي لا تتحقق أغلب هذه المتطلبات، أما عن الرجل الذي يلجأ للارتباط بفتاة أكبر منه سناً، ذلك لأنه لم يجد ما يبحث عنه في امرأة من مثل سنه ووجده في امرأة أكبر، وهو غالباً لديه مشكلة يبحث عن حلها، لكن هناك استثناءات".
"الرجل في المجتمعات الشرقية يبحث عن المرأة الأصغر ليقودها ويسيطر عليها".
وأضاف عدلي أن العادة درجت في كثير من المجتمعات الشرقية أن الرجل يبحث عن المرأة الأصغر ليقودها ويسيطر عليها، ولأنه لديه الخبرة وهي في بداية حياتها ليكون قائدها، كما أن المجتمع الشرقي يرى أن المرأة تعجز وتشيخ فيزيولوجياً قبل الرجل، لذلك ينبغي أن تكون الأصغر في العلاقة، لكن هناك استثناءات لهذه الحالات وتكون ناجحة وحقيقية.
وأشار عدلي إلى أن العلاقات التي تبنى بين رجل أصغر عمراً وامرأة أكبر، تكون هناك نقطة ضعف فيها، تتمثل في مجتمع الأصدقاء والأهل، لكن المجتمع الأوروبي والمنفتح يتقبل ذلك، وجغرافياً يرى دكتور عدلي أن ذلك الفارق ربما يصبح مقبولاً في بعض المجتمعات المنفتحة في القاهرة والإسكندرية، لكنه مرفوض تماماً في الصعيد والأرياف، إلا أنه ربما يصبح مقبولاً أيضاً فيهم، حينما تكون هناك ظروف استثنائية مثل الميراث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...