في حياتنا اليومية، نصادف بعض النساء اللواتي ينخرطن في علاقات عاطفية مع شريك لا يقدرهن ويمارس سلطته بأشكال متنوعة، بما في ذلك تعنيفهن، سواءً نفسياً أو جسدياً.
في أشكال العلاقات هذه، نجد أن بعض النساء تزداد تعلقها بهؤلاء الرجال، مما تقع المرأة ضحية ما يُسمى بالعلاقات العاطفية العنيفة... وعلى الرغم من توجيهات من تحيطها من صديقات وأفراد عائلة، أو حتى الإدراك الذاتي للمرأة لإشكالية العلاقة العاطفية التي تعيشها، أحياناً يكون من الصعب الخروج من "هذه الدوامة"، خاصّة عندما تكون المرأة ضحية عنف معنوي يربطه الرجل في الحب والحماية، لمواصلة فرض سيطرته عليها، سواء بإدراكه الكامل أو عدم إدراكه.
أشكال علاقات عديدة نسمع عنها ونعرفها، الكثير منها يتمحوّر حول صورة "الرجل السيئ"، سواء كانت شخصيته كذلك خارج العلاقات، فتٌعجب بعض النساء بها أو يُصبح دور الرجل كذلك داخل العلاقات العاطفية.
والسؤال هنا، هل فعلاً تنجذب بعض النساء إلى الرجل "السيئ"(bad boy)؟ وما هو تعريف الرجل "السيئ"؟
"اصطياد" النساء
تحوّل المجرم الأميركي جيريمي ميكس، إلى محبوب نساء وفارس أحلام فتيات في مختلف دول العالم، وذلك بعد ساعات قليلة من نشر صورته على صفحة مفوضية الشرطة على الفيسبوك، حيث أعربت الآلاف من النساء عن تعاطفهن الشديد معه، ووصل "هوس" البعض به إلى حد الإعلان عن رغبتهن في الارتباط به وتكبيلهن إلى جانبه.
صحيح أنه قد مضى على هذه القصة بعض الوقت، إلا أنها تقدم مثالاً حيّاً عن انجذاب بعض الفتيات نحو "الرجل السيئ"، والذي قد لا يتمتع بالضرورة بسجل إجرامي على غرار ميكس، إنما قد يكون "سجله العاطفي" حافلاً بالمغامرات العاطفية والعلاقات العابرة ولا يحب الالتزام، ومع ذلك فإنه بجذب نساء إليه، رغم طباعه وغروره وعدم انكساره أمام رغباته وعواطفه.
وقعت أماني (اسم مستعار) في حب شاب يكبرها في العمر، وكن قلبها يدق بمجرد أن يمر بسيارته في الحيّ الذي تقطنه، وهو يشغل الموسيقى بصوت مرتفع جداً: "كنت بنطرو تيمرق واعتبر إنو كل غنية حاططة عم بيهديني ياها، مع إنو من جواتي كنت عارفة إنو مش شايفني ولا مهتم فيي أصلاً".
وتكشف هذه الشابة العشرينية أنها كانت تسمع من الجميع عن "طباعه السيئة"، بالأخص أنه "طائش"، حسب تعبيرها، وتضيف: "الكل بيقول عنّو دونجوان ومغرور... بس أنا كنت ضلني قول إنو يمكن بعد ما تعرف على بنت تخلّي يركز وينسى كل هالحركات".
والرغم من "سمعته سيئة"، حسب تعبير أماني، إلا أنها قررت أن تستسلم لمشاعرها وأحاسيسها وحاولت أن تتقرب منه وتثير أعجابه، فكانت خيبة الأمل بانتظارها: "ما بستحي قول إني ركضت وراه وأول ما بلشنا نضهر مع بعض كان كل شي منيح، بس بعدين بلشت شوف الوجه التاني منّو: كتير عصبي ومتشبث برأيه وبيعاملني كإني بنت زغيرة....".
وتضيف لرصيف22: "دايماً كنت لاقيلو تبريرات وقول أكيد الظروف الصعبة هي يلي عم بتخلّي يكون هيك، وأنا بقدر غيّرو وخلّيه شخص تاني، بس بصراحة تعبت معو لأنو بدي إشحد الكلمة الحلوة منّو، وبالمقابل يجرحني بتصرفاتو الطايشة".
وعن السبب الذي جعلها تنجذب إليه، تجيب: "بعرف كتر منيح إنو عندو caractere (شخصية) زفت، بس في شي كان يشدني ويخلّيني سامح وأرجع أعطي فرص من أول وجديد... ما بعرف يمكن المشكلة كانت فيي أنا".
الرجل "السيئ" وبراعته الجنسية؟
غالباً ما يُنظر إلى النرجسيين، أي الأشخاص الذين يظهرون مستويات عالية من الأهمية الذاتية والغطرسة والرغبة في التلاعب بالآخرين، على أنهم يتمتعون بجاذبية عالية، والسبب قد يعود إلى الجهد الكبير الذي يبذلونه للظهور بأبهى حلة.
فقد أظهرت الدراسات أن النساء النرجسيات يملن إلى وضع المزيد من الماكياج وارتداء الملابس المكشوفة أكثر من غيرهن، كما أن الرجال الذين يتمتعون بشخصية نرجسية يقضون وقتاً أطول في الاعتناء بأجسادهم وتقوية عضلاتهم.
واللافت أنه على المدى القصير، يمكن أن يبدو الشخص النرجسي أكثر تكيفاً ولطفاً ومتعة، إلا أنه على المدى الطويل يجد النرجسيون صعوبة في الحفاظ على انطباع جيد، ويتم النظر إليهم على أنهم أكثر عدوانية وغطرسة، وبالتالي ليس من المستغرب أن تشير الأدلة إلى أن الشخص النرجسي لا يحب العلاقات طويلة الأمد ولا ينجح أصلاً بالانخراط بها.
أشكال علاقات عديدة نسمع عنها ونعرفها، الكثير منها يتمحوّر حول صورة "الرجل السيئ"، سواء كانت شخصيته كذلك خارج العلاقات، فتٌعجب بعض النساء بها أو يُصبح دور الرجل كذلك داخل العلاقات العاطفية. لكن، هل فعلاً تنجذب بعض النساء إلى الرجل "السيئ"؟
غالباً ما يُنظر إلى النرجسيين، أي الأشخاص الذين يظهرون مستويات عالية من الأهمية الذاتية والغطرسة والرغبة في التلاعب بالآخرين، على أنهم يتمتعون بجاذبية عالية، والسبب قد يعود إلى الجهد الكبير الذي يبذلونه للظهور بأبهى حلة
في هذا الصدد، كشفت دراسة أعدها غريغوري لويس كارتر من جامعة دورهام، أنه بالمقارنة مع النساء، يتمتع العدد الأكثر من الرجال بما يسمى "الثالوث المظلم" Dark triad، وهو مجموعة من ثلاث سمات شخصية: النرجسية، المكيافيلية والاعتلال النفسي، وهذه السمات الثلاث تكسبهم المزيد من النجاح على المستوى الجنسي مقارنة مع أقرانهم، وفق ما ذكره موقع سيكولوجي توداي.
ومع ذلك، لاحظ كارتر أن العديد من الدراسات استندت إلى بيانات شخصية، أي إلى آراء الرجال الذين يتمتعون بـ"الثالوث المظلم" والذين زعموا بأنهم يتمتعون بالبراعة الجنسية.
وبالنظر إلى هذه النظرة أحادية الجانب، تساءل الباحثون عما إذا كانت النساء يجدن هؤلاء الرجال أكثر جاذبية من غيرهم.
بهدف الإجابة على هذا السؤال، استقدم كارتر وفريقه 128 طالبة جامعية مع وصف نوعين من الشخصيات الذكورية: الثالوث المظلم وشخصية "السيطرة"، ويشمل الثالوث المظلم بعض السمات من قائمة "العشرات القذرة" والتي تتضمن: الرغبة في الاهتمام، الإعجاب، البرستيج، التلاعب، الاستغلال، الخداع، قلة الندم، والسخرية....
وبعد الوقوف على آراء النساء وتحليلها، اتضح أن المرأة تنجذب أكثر نحو الرجال الذين يتمتعون بشخصية الثالوث المظلم، رغم أن هذا النوع من الذكور يميل إلى العلاقات قصيرة الأمد.
في هذا الصدد، تحدثت صحيفة هافيغتون بوست عن ثلاثة أسباب رئيسية، قد تكمن وراء انجذاب النساء نحو الرجال السيئين:
التشويق والإثارة: في العادة يميل "الرجال السيئون" لكي يكونوا أكثر تهوراً وحباً للمغامرة وأقل قابلية للتنبؤ من غيرهم، وبالتالي فإن العلاقة معهم تكون مختلفة، إذ تكون فيها جرعة "الأدرينالين" مرتفعة، وبالتالي فإن المرأة برفقة هذا النوع من الرجال تشعر كل مرة بأحاسيس مختلفة ومتفاوتة، وبنوع من التشويق والإثارة وكأنها تخوض "معركة" مستمرة لتفوز بقلبه.
خلق الأعذار: عندما تتعرف الشابة على "رجل سيء" تبدأ فوراً بخلق الأعذار والتبريرات، كالقول مثلاً: "أنه رجل رائع يتمتع بقلب طيب" أو "داخل هذا الفتى الشرير هناك رجل رائع"، بمعنى آخر، فإنها تقنع نفسها بأنها قادرة على تغييره، إلا أنه على أرض الواقع يتضح أن هذا الرجل لن يتغير ما دام غير مستعد لذلك.
ربط الحب بالأذى: هذا السبب قد يكون الأكثر شيوعاً، إذ تختبر بعض النساء بعض العلاقات المؤذية، سواء كان ذلك مع أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء أو العشاق السابقين، بحيث تكتشف المرأة أن الشخص الذي من المفترض أن يحبها أكثر هو الذي يمعن أكثر في إذيتها، وتصبح صورة الشخص الذي يحب "مشوشة" في ذهنها، وعليه عندما تختبر الأذى على يد "صبي سيء" فإنها تربط بين الأذى الذي لحق بها في السابق ومشاعر الحب التي اختبرتها.
واللافت أن هذه الظاهرة تطال بشكل خاص الشابات اللواتي لديهن آباء يتمتعون بالقسوة، بحيث تبقى صورة الأب الصلب راسخة في عقل الفتاة، فتحاول أن تستنسخ منه صورة للحبيب.
الهرمونات الأنثوية
بمعزل عن السعي وراء الإثارة والأذى والتبريرات، هناك عامل آخر يتحكم في عملية الانجذاب بنسبة كبيرة نحو "الرجل السيئ": الهرمونات الأنثوية.
فقد كشفت دراسة نشرت في مجلة علم الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، أن فترة الإباضة تؤثر على خيارات النساء اللواتي يوهمن أنفسهن بأن الرجال "السيئين" سوف يصبحون شركاء مخلصين وآباء جيدين، ما يعني أنه يمكن الاعتماد عليهم بشكل واضح.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت الباحثة في جامعة تكساس الأميركية، كريستينا دورانت، إن المرأة خلال فترة الإباضة تنجذب إلى رجال مثيرين ومتمردين ووسيمين مثل جورج كلوني أو جيمس بوند.
وأضافت دورانت لموقع live science: "تحت التأثير الهرموني للإباضة، توهم النساء أنفسهن في الاعتقاد بأن الرجال الأشرار المثيرين سيصبحون شركاء مخلصين وآباء أفضل"، وعليه يمكن القول إن هناك جزءاً من عملية الانجذاب إلى "الرجل السيئ" هو بيولوجي، تتسبب فيه الهرمونات الأنثوية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...