الصورة النمطية للمرأة المتزوجة في المغرب أنها تقليدية، مطيعة، وجودها في الحياة آلة، حياتها روتينية، شخصيتها ضعيفة، ليس لديها سلطة على حياتها، وأيامها محصورة بين غسل، تكنيس، تغيير الحفاضات، وتلبية رغبات الزوج.
بالمقابل، تنظر المتزوجات للعازبات على أن حياتهن فارغة دون أهداف، ويعشن حياة غير مستقرة، ومتزوجات أخريات يرين أنهن تخلين عن أحلامهن عندما تزوجن بالمقارنة مع العازبات.
"الحياة الزوجية قنبلة موقوتة"
"أشعر أنني من بين العديد من النساء اللواتي يعشن التعاسة في حياتهن الزوجية، ويبقين غير قادرات على البوح بذلك، أو لربما لم نعترف بحجم الذنب الذي اقترفناه في حق أنفسنا، وأتساءل كل يوم: هل أنا خادمة؟ أيامي باتت بين طبخ، وغسل، وتنظف، وتلبية رغبات أهل الزوج نهاراً، وتلبية رغبات الزوج ليلاً".
تضيف نجوى الحفيان، (29 عاماً) ربة بيت وأم لطفلين، من مدينة الدار البيضاء لرصيف22: "أنا كالكثيرات من ربات البيوت اللواتي يعانين في صمت، أشعر أنَّ عجلة الحياة مُتوقّفة لا تدور، الحياة بعد الزواج أصبحت روتينية ومملَّة، أشعر بالخجل من نفسي عندما أرى أخريات أكملن دراستهنّ، حققن أحلامهن وأصبحت لهن سلطة ذاتية على قرارتهن في الحياة".
"أشعر بالخجل من نفسي عندما أرى أخريات أكملن دراستهنّ، حققن أحلامهن".
تشير نجوى إلى أنه بعد سنوات من الزواج، تفتقد لحظات السعادة التي كانت قد عاشتها في بداية حياتها الزوجية، وبدأ الملل والمشاكل، والحسابات، لتتحول الحياة إلى "قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة".
أما خديجة لمنور، (30 سنة) من الدار البيضاء، ربة بيت وأم لطفلة، فتقول لرصيف22: "أتمنى أن يرجع بي الزمن قليلاً إلى الوراء، حتى أصحح الخطأ الذي اقترفته تجاه نفسي، عندما قررت قبل سنتين أن أكون زوجة، فالصورة المثالية التي كنت قد أخذتها عن الحياة الزوجية ومؤسسة الزواج، سرعان ما تبخرت بعد فترة قصيرة من الزواج، حيت وجدت أن الواقع ليس كما كنت أحلم، بعد الأسبوع الأول من الزواج ينتابك شعور أنه لا شيء تغير في حياتك سوى أنك أصبحت خادمة، خاصة إذا لم يكن لديك استقلالية مادية".
الأولوية تحقيق الذات
وقد أشار تقرير "السكان والتنمية لسنة 2019" الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، إلى تحول كبير حدث في المغرب منذ 2010، حيث تراجع عمر المتزوجين للمرة الأولى.
وقد جاء في التقرير أن العزوبة عند النساء وصلت إلى حوالي 24%، والتي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 عاماً، حيث لم يتزوجن من قبل.
كما وأشار التقرير إلى أن العزوبة الدائمة تخصّ أكثر من 11% من النساء، ما بين 45 و49 عاماً، ما يعني أن نسبة النساء غير المتزوجات تصل إلى 35%.
ومعدل العمر هذا بالنسبة للنساء يتغيّر حسب الظروف، من خلال الاستجابة للأزمات، خصوصاً الأزمات المتعلقة بالظروف الاقتصادية المواتية.
وقد انخفضت نسبة سن الزواج للمرة الأولى عند المرأة المغربية منذ 2004، وذلك من 26.3 سنة في 2004 إلى 25.7 سنة في 2014، و25.5 سنة في 2018، وشمل الانخفاض النساء القرويات، حيث انتقل من 25.5 سنة في 2004 إلى 24.8 سنة في 2014 و23.9 سنة في 2018.
وتصاعد سن الزواج للمرأة الحضرية في عام 2018، حيث كان 27.1 سنة في 2004، وارتفع إلى 26.4 سنة في 2014، و26.6 سنة في 2018.
وتميل الحضريات إلى تأجيل مشروع الزواج، وأولويتهن تحقيق الذات والحصول على استقلال مالي، لذا يفضلن مواصلة الدراسة والعمل، بحسب تقرير المندوبية.
سيادة خطاب التحرر
يرى باحثون أن المجتمع المغربي بدأ يراكم مجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تحولات على أساس المعايير التي تؤسس القيم، ما فتح الباب أمام سيادة خطاب التحرر، على اعتبار أن الشخص عندما يكون عازباً تكون له حرية الاختيار، خاصة في صفوف الفتيات اللواتي أصبحن يرفضن الزواج.
"لا يمكنني أن أقيد حريتي، وأغير نمط حياتي بتواجدي في قفص واحد مع رجل، أطبخ، أغسل وألبي رغباته الجنسية"
"صحيح نحن العازبات ينظر إلينا بدونية لكن على الأقل نحن نبقى سيدات أنفسنا وقراراتنا وحياتنا، ثم إنني لا أريد أن أتزوج فقط كيلا ينعتوني بـالعانس"
في هذا الصدد تقول أمل شباش، اختصاصية العلاج النفسي والجنسي لرصيف22: "الملاحظ هو أن عقلية المرأة المغربية اليوم تغيرت، إذ أصبحت ترى الحياة من منظور حداثي مختلف عن المرأة التقليدية، التي كانت تقدس المؤسسة الزوجية، وتضعها على أولوياتها في الحياة، اليوم نجد الفتاة تحررت من أفكار التي تربط المرأة بالرجل من قبيل "الرجل غطاء رأس المرأة"، و"الزوج هو السند"، وغيرها من العبارات التي تقيد المرأة بالرجل".
"مقيدة بتلبية رغبات رجل واحد"
لا تزال المفاهيم الموروثة تتردد داخل المجتمع المغربي، عن مديح زواج المرأة في سن مبكرة، كما أن هناك بعض الأوساط تعتبر أن المرأة تبقى ناقصة إذا لم يُكَمِّلها زوج.
تتفق حليمة عرباش، رببة بيت وأم لثلاثة أطفال، نسبياً مع تلك الأفكار الموروثة، تقول لرصيف22: "كنت أسمع أمي وجداتي يقلن إن الزواج سترة المرأة، وفي الزواج وجدت استقراري، سعيدة بزواجي، وجدت فيه سترتي، اهتم بأبنائي وزوجي، صحيح لابد من مشاكل ومن مطبات ببن الزوجين، لكن أرى أن المرأة لابد لها من شريك ولابد لها من تأسيس أسرة، عكس حياة العزوبية التي يكون فيها الشخص، سواء امرأة أو رجل، مشتتاً لا شريك له في الحياة".
"مفاهيم المجتمع التقليدية تبرر خضوع المرأة التام لزوجها، لتبقى ضعيفة"
وتعارضها أحلام الريكي، (33 سنة) محاسبة في شركة للمواد الاستهلاكية، تقول لرصيف22: "هل يعقل اليوم أنه لازالت مثل هذه المفاهيم تتردد، وكيف يعقل أن تكون هناك نساء لازلن يؤمن بهذه المفاهيم المتعلقة بالزواج، ويقبلن بها، وهي المفاهيم التي تبرر خضوع المرأة التام لزوجها مهما كانت الظروف والمواقف، لتبقى كل حياتها ضعيفة وخاضعة".
وتكمل أحلام مشددة على كلامها: "لا يمكنني أن أقيد حريتي، وأغير نمط حياتي بتواجدي في قفص واحد مع رجل، أطبخ، أغسل وألبي رغباته الجنسية".
وترى أحلام أن "حرية المرأة اليوم هي الأساس في كل أمور حياتها، دون أن يتحكم رجل فيها أو يفرض عليها الانصياع لأوامره، وأرى أن المرأة التي تقبل على نفسها أن تكون تابعة لرجل تبقى ضعيفة الشخصية طوال حياتها".
وترى جميلة الفقير، موظفة في أحد البنوك، أن حريتها واستقلاليتها فوق كل اعتبار، وما يتم تداوله بخصوص حياة المتزوجين بات غير مشجع كي تتخلى عن اختيارها، تقول لرصيف22: "صحيح نحن العازبات ينظر إلينا بدونية لكن على الأقل نحن نبقى سيدات أنفسنا وقراراتنا وحياتنا. ثم إنني لا أريد أن أتزوج فقط كيلا ينعتوني بـ"البايرة" أو العانس".
ترى شباش، أنه اليوم أصبح للفتاة اهتمامات أخرى أهم، كسعيها لتحقيق ذاتها من خلال رفع مستواها التعليمي والحصول على منصب وظيفي معين، المهم كل ما يمكن أن يحقق لها استقلالاً ذاتياً ومعنوياً ومالياً، كيلا تكون تابعة للرجل أو محسوبة عليه.
وتنصح فاطمة القادري، (26سنة) موظفة فندق، من مدينة المحمدية جنوب الدار البيضاء، المغربيات بالسفر والاستمتاع بالحياة بدلاً من التفكير في الزواج، تقول : "شخصياً فكرة الزواج مؤجلة إلى أجل غير مسمى، أنا من اللواتي يحببن الحياة والاستمتاع بها قدر المستطاع، وليس عندهن استعداد لتقييدها في وقت مبكر، بزواج قد تجدين فيه جميع متطلباتك وتحققين فيه أحلامك أو لا، لذا فأنا أقول لكل فتاة متوقفة حياتها على (فارس الأحلام) أن تجمع المال وتسافر حتى ترى الحياة من زاوية أخرى مختلفة وكبيرة جداً، تتجاوز حدود أربعة جدران ما يسمى (بيت الطاعة)، تكون فيه المرأة خاضعة وتابعة لرجل قد تتوفر فيه مقومات الرجولة وقد لا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه