شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ألم الرفض أو ألم انتزاع ضرس العقل... أيهما أشد؟

ألم الرفض أو ألم انتزاع ضرس العقل... أيهما أشد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 28 نوفمبر 201906:12 م

لا شك أن الرفض مؤلم وموجع جداً ولا يُستثنى أحد "من شرّه"، فجميعنا تعرضنا للرفض في مرحلة ما من حياتنا، سواء كان ذلك عندما انخرطنا في علاقة حب من طرف واحد، أو عندما تم استبعادنا عن وظيفة معيّنة، أو حين جرى نبذنا من قبل أقرب المقربين إلينا، فشعرنا حينها بالوحدة القاتلة وبأننا "مضطهدون" واختبرنا آلاماً نفسية مبرحة وجراحات كان من الصعب تضميدها بسرعة.

لماذا ننزعج إلى هذا الحد من الرفض والنبذ؟ وهل يخشى الناس الرفض بنفس الطريقة التي يخشون بها جرحاً أو الماً جسدياً؟

شبح الرفض

ليس هناك حدود تقف بوجه "شبح" الرفض الذي يطال أوجه الحياة المختلفة، بحيث أنه يتربص بنا في المواقف الاجتماعية والعاطفية والمهنية على حدّ سواء، فنشعر مثلاً بطعنة في القلب وبصعوبة في التنفس حين يخبرنا الشريك أنه قرر الانفصال عنّا، أو تهتز ثقتنا بنفسنا حين يُعلمنا رب العمل أنه قرر "الاستغناء عن خدماتنا" وتوظيف شخص آخر مكاننا، أو نستشيط غضباً حين نعلم أن أعز الأصدقاء قد خططوا للخروج والاستمتاع بوقتهم دون علمنا.

في هذا الصدد، كشف موقع salon أن الرفض يمكن أن يخلّف وراءه 4 جروحات نفسية، تعتمد شدتها على الحالة والصحة النفسية، ولكن على العموم، تثير حالات الرفض آلاماً عاطفية تؤثر على تفكيرنا وتغمرنا بموجة من الغضب، وتقضي على ثقتنا بنفسنا واحترامنا لذاتنا، كما أنها تزعزع شعورنا بالانتماء.

وتعليقاً على تأثير الرفض على نظرة المرء لنفسه، قالت أستاذة علم النفس في جامعة كولومبيا جيرالدين داوني، لصحيفة هافيغتون بوست: "الرفض أمر مروّع لأنه يجعل المرء يشعر أنه غير محبوب أو غير مرغوب به، أو أنه لا يتم تقديره بشكل أو بآخر".

هذا وأشارت داوني أنه كلما تعلم الناس كيفية التنبؤ بالرفض كلما أصبحوا "أكثر حساسية" تجاهه، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى رفضهم لذاتهم: "الرفض يجعلكم تشعرون بالضيق تجاه أنفسكم وأن لا أحد يريد أن يكون إلى جانبكم. هذا ما يجعلكم تشعرون بالغضب".

الآلام المصاحبة للرفض

سواء كان النبذ الذي نواجهه كبيراً أم صغيراً، فإنه يؤلم بصورة تفوق التوقعات، إذ إن الشعور بالرفض قد يؤدي إلى آلام تشبه الآلام الجسدية، بحيث يرتبط الألمان، العاطفي والجسدي، بطريقة معقدة، خاصة في حالة الرفض الاجتماعي.

فقد أظهرت دراسة نشرت في العام 2011 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، أن مناطق الدماغ الفعالة عند التعرّض المرء للرفض تتشابه مع المناطق الفعالة عند التعرض للألم الجسدي، بمعنى آخر، إن المخ لا يستطيع أن يحدد مثلاً الفرق بين الآلام الناجمة عن الانفصال العاطفي وبين الآلام التي يختبرها المرء عندما يكون هناك كسر في العظام أو عند خلع أضراس العقل التي نخرت فيه السوس...

وفي كتابه Emotional First Aid: Practical Strategies For Treating Failure, Rejection, Guilt, and Other Everyday Psychological Injures، أكد الأخصائي في علم النفس غي وينش، أن الرفض شعور قوي لدرجة أن الجسم يسجّل الإحساس كما لو كان ألماً بدنياً، فعلى سبيل المثال عندما يرفضكم الحبيب ويعبر عن رغبته في إنهاء العلاقة، فإن هذا يجعلكم تشعرون بالاختناق وصعوبة التنفس أو بألم حاد في صدركم...

المخ لا يستطيع أن يحدد مثلاً الفرق بين الآلام الناجمة عن الانفصال العاطفي وبين الآلام التي يختبرها المرء عندما يكون هناك كسر في العظام

أوضح وينش أن التجربة الإنسانية للرفض تعود جذورها الى فترة زمنية قديمة، بحيث أن النبذ من القبيلة كان يعني فقدان الوصول إلى الغذاء والحماية والتزاوج، ما يجعل من الصعب للغاية البقاء على قيد الحياة، شارحاً ذلك بالقول: "عندما كنّا صيادين ونعيش في قبائل، كان الموت ثمن النبذ. لن تنجو من دون قبيلتك، لن تحصل على دفء الموقد وحماية النار".

من هنا كشف وينش في حديثه مع صحيفة هافيغتون بوست، أن البشر قاموا بتطوير نظام إنذار مبكر- الشعور بالرفض- للتنبيه عند مواجهة خطر النبذ، وكلما كانت تجربة الرفض أكثر إيلاماً، كلما عمد البشر إلى تغيير سلوكهم لتجنب عملية النبذ، ولكي يكونوا قادرين على البقاء على قيد الحياة ونقل جيناتهم، وفي الوقت نفسه، فإن أولئك الذين لم يختبروا الرفض كانوا أقل عرضة لتصحيح سلوكهم وتمرير جيناتهم.

هذا وأكد وينش أن الإنسان هو "حيوان اجتماعي"، ما يجعل وقع الرفض مؤلماً من الناحية العاطفية.

 الرفض ليس بالأمر السهل على الإطلاق، ولكن من المهم التعامل معه كتجربة حياتية لا مفرّ منها، والأهم معرفة كيفية الحدّ من الأضرار النفسية التي يُحدثها وكيفية استعادة الثقة بالنفس، فهذا من شأنه أن يساعد على التعافي سريعاً من الجروح والآلام

بدورها شددت الأخصائية في علم النفس نرمين مطر، على أن الإنسان بطبيعته يسعى دائماً كي يكون جزءاً من مجموعة معيّنة، ويعمل جاهداً كي يكون محبوباً ومرغوباً به من قبل الآخرين.

وفي حديثها مع موقع رصيف22، اعتبرت مطر أن الرفض هو من أصعب المواقف التي قد يتعرّض لها المرء في حياته، مشيرة إلى أنه لا يوجد أحد يتمتع "بحصانة" من التعرّض للرفض، إذ أن الإنسان كائن اجتماعي والرفض هو بمثابة "خلل معيّن في التواصل بين الأشخاص"، على حدّ قولها.

وأشارت مطر إلى أن الحلّ الأنسب للتغلب على الألم الناجم عن الرفض يكمن في البحث عن أشخاص يعرفون جيداً قيمتنا ويقدرون ما نحن عليه: "لا داعي للتصالح مع هذا الشعور، بل يجب البحث عن أشخاص يجيدون التعامل معنا، عوضاً عن إضاعة وقتنا وطاقتنا على أشخاص لا يستحقون عاطفتنا".

هذا واعتبرت نرمين مطر أن الرفض قد يشكل درساً مهماً لنا في الحياة، لأنه يعيد تأجيج مشاعر لطالما كانت مكبوتة: "من الممكن أن يجعلنا نتعمق بأنفسنا وبهويتنا"، وفق ما ذكرته.

كيف نتعامل مع الرفض؟

ذكر موقع Ted أن هناك طرقاً معيّنة للرد على الرفض، وبعض الأمور التي يمكن القيام بها للحدّ من الاستجابات غير الصحية وتهدئة الآلام العاطفية وإعادة بناء الثقة بالنفس.

عدم جلد الذات: قد يكون من المغري سرد جميع الأخطاء التي اقترفناها بعد التعرض للرفض ومعاقبة أنفسنا على تصرفاتنا الطائشة، ولكن لا داعي لأن نكون مجحفين بحق أنفسنا ونجلد ذاتنا، بل الأفضل أن نفكر بعقلانية بما يجب علينا فعله في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خطأ شائع نرتكبه في العادة، وهو اعتبار الرفض مسألة شخصية، في حين أن معظم حالات الرفض، سواء كانت رومانسية أو مهنية أو اجتماعية، تعود الى ظروف معيّنة، كأن يكون الشخص غير مستعد مثلاً للانخراط في علاقة عاطفية... وعليه فإن إجراء نقد ذاتي لمحاولة فهم سبب الفشل ليس فقط غير ضروري ولكنه مضلل أيضاً.

تقدير الذات: بدلاً من التركيز على نقاط الضعف، من المهم أن نذكّر أنفسنا دائماً بما لدينا من أمور جيدة، ولعل أفضل طريقة لتعزيز مشاعر القيمة الذاتية بعد الرفض هي التأكيد على الجوانب التي نعرف أنها جيدة وقيّمة، وعليه بإمكان المرء أن يعدّ قائمة تتضمن 5 صفات مهمة لديه، ويقوم بعدها باختيار صفة واحدة من بينها وتدوين السبب الذي يجعلها مهمة في العلاقة مع الآخرين، بهذه الطريقة ستتعزز الثقة بالنفس وتخف حدّة الألم العاطفي ويتم بناء الثقة بالنفس للمضي قدماً في الحياة.

تعزيز مشاعر التواصل الاجتماعي: لكوننا "حيوانات اجتماعية"، فإننا بحاجة للشعور بالرغبة والتقدير من قبل مختلف الفئات الاجتماعية التي ننتسب إليها، إذ إن الرفض يزعزع حاجتنا إلى الانتماء، ويجعلنا نشعر بعدم الاستقرار وبعدم الارتباط من الناحية الاجتماعية، وعليه فإننا نحتاج إلى تذكير أنفسنا دوماً بأن هناك من يقدرنا ويحبنا حتى نشعر بأننا أكثر ارتباطاً مع الآخرين.

باختصار، إن الرفض ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فهو بمثابة "طعنة" في القلب وينجم عنه آلام نفسية مبرحة اشبه بالآلام الجسدية ولكن من المهم التعامل معه كتجربة حياتية لا مفرّ منها، والأهم معرفة كيفية الحدّ من الأضرار النفسية التي يُحدثها الرفض وكيفية استعادة الثقة بالنفس، فهذا من شأنه أن يساعد على التعافي سريعاً من الجروح والآلام، والمضي قدماً في دروب الحياة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image