شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحبّ يتغيّر عبر الزمن لكن الألم الناتج منه يحتفظ بشكله الأبدي

الحبّ يتغيّر عبر الزمن لكن الألم الناتج منه يحتفظ بشكله الأبدي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 2 نوفمبر 201812:08 م

يفتتح محمد منير إحدى أغانيه بنداء: "حد عايز قلب فاضي، قلب طيّب/ قلب هادي/ قلب كله حنان وعطف/ يخطفك من الحب خطف/ مستعد يحب حتى قلب عايز ينسى ماضي؟". شخصيًا، أعرف على الأقل 50 شخصًا مستعدين لتلبية هذا النداء. لا بل يمكنني القول إننا نتندر في جلساتنا النسائية على أي نوع من الحب الرومانسي الذي بات عملة نادرة في أيامنا هذه.

لكن السؤال الذي يرافق كل هذا: هل تغيّر الحبّ بالفعل؟ أم أن أسئلتنا الكثيرة حول الحبّ وماهيته، ومحاولة فهمه بأبعاده النفسية المختلفة، وكذلك الجسدية، هي التي غيّرت تجربتنا وفهمنا لهذا النوع من المشاعر والأحاسيس؟ إن نوع الحبّ الذي أتكلم عنه ليس ذلك الذي نراه في علاقة أم بابنها أو أفراد العائلة الواحدة، أو ذلك الذي يكبر بين الأصدقاء، إنما ذاك الحبّ الذي يكبر بين شخصيْن. يحلو للبعض أن يصفوه بأنه تلاق على مستوى الطاقات بين شخصين، أو كيمياء متجانسة ومتقاربة أو إعجاب جسدي، لن أخوض في التفسيرات لكنه ذلك الحبّ الذي نسمع عنه في الأغاني ونقرأ قصصه وأفلامه.

من المؤكد أن كل حياتنا المعاصرة تختلف عن الحياة التي كتبت فيها معظم القصص التي شكّلت فكرة الحبّ بالنسبة للوعي الجماعي حول الكوكب باختلاف تفاصيله. هناك إحساس بأننا توارثنا وعينا لفكرة أو شعور الحب، ونبحث عنها باستمرار في حياتنا اليومية عبثًا. والعبث نابع من عدم اقتناعنا بتغيير المعنى وتمسكنا بالمعنى الكلاسيكي في ظل انعدام الظروف الموضوعية لذلك.

على سبيل المثال لا الحصر، لو فكرنا في فكرة الرسائل، التي تعتبر وسيلة التواصل الأكثر شيوعًا بين المحبين. ولو فكرنا بالمشهد القديم الذي فيه تجلس امرأة أو رجل لكتابة رسالة لمن تحبّ/ يحبّ، تجلس/ يجلس إلى طاولة أو ركن مفضّل، تفكر في كل مشاعر الشّوق للحبيب وتعصرها على ورق أبيض. كل هذا يتطلب مجهودًا ووقتًا وتفكيرًا لم نعد نملك رفاهية ذلك كله. لو استمررنا في تخيّل الموقف وصولًا إلى مواقف الغضب والشجار بين الحبيبيْن، فإن حتمًا ذلك سيحتاج إلى وقتٍ أطول للتعبير عنه عبر الرسائل، حيث المساحة والوقت لاختيار الكلام بتأنٍ وصياغته في جملّ نعرف بأنها ستُرسل لمن نحبّ.

بالإضافة إلى الوقت الذي كانت تتطلبه كتابة الرسائل، فلنتخيّل الوقت الذي تحتاجه الرسائل لتصل بين إلى المتلقي. والوقت في مسائل الحبّ والعواطف، كفيل بكل شيء، وامتدادًا لفكرة مواقف الغضب، فالوقت قادر على تبريد القلوب والأفكار المشتعلة، كان زمن الرسائل المكتوبة يعطي مسافة لمشاعرنا لتخبو نارها. وبالتالي، هذا الوقت كفيل بتغيير طريقة استقبالنا لكلّ ما هو مُرسَل.

الآن، لو أردنا المقارنة بين زمن الرسائل القديم وبين اليوم في عصر الواتساب، الذي يحتوي على رسائل مختصرة بلا مقدّمات، مباشرة وبعدية عن التلطيف، تصل بسرعة ويصل الرد عليها إلينا أسرع. لكننا، ومع الاختلاف بين العصريْن، المتجسّد بالرسائل، نبحث عن نفس معنى الحبّ الذي احتواه عصر الرسائل الورقية. إلا أن الحبّ قد يتغيّر معناه وتعريفنا له، لكن، ما لا يتغيّر، هو وجع انتهائه.

انتهاء الحبّ، هو ذاته رغم اختلاف الأزمنة

فإن ابتعد الحبّ عن شكله الكلاسيكي والرومانسي الذي نعرفه، يحتفظ الفراق بكل دراميته بأكثر الطرق الكلاسيكية الممكنة. يختلف كيف نحبّ من شخص لآخر، ويختلف كيف نحزن أيضًا، لكن صوت انكسار الرّوح، يتشابه فيما بيننا.

توصلت من مدة زمنية إلى نظرية، أحبّ أن أذكّر نفسي والأصدقاء بها، وهي نظرية لما بعد الانفصال عن حبيب/ة. فأنا مقتنعة بأن شعورنا لا يتغيّر، وأن ما يلي الانفصال هو جروح. بمعنى، لا ينقطع شعور الحبّ، بل نواصل الإحساس به، كما نشعر بانحساره بشكل مؤلم يشبه شعور انحسار الجرح العميق، هو إحساس بالألم لكنه دفين، كأنواع الآلام الدفينة التي نحملها معنا بشكلٍ يومي فنعتادها ونتوقف عن الإحساس بغرابتها، رغم عدم توقف هذه المشاعر. إنه نوع الألم الذي فجأة لا ننتبه لوجوده حتى نتعافى منه، وعندما نتعافى، نعيد الانتباه إلى أننا كنا محملين به كل الوقت الذي مرّ.

عند انحسار الألم، تتباعد المسافة الزمنية بين وخزة وأخرى، تارة يوخزك الألم أكثر من تارة أخرى. هذه الوخزات هي دليل ذاتي على سيرورة التئام الجرح. وأثناء ذلك، تفكر مطوّلًا إن كنت سوف تشتاق إلى نفس الألم، وتعد نفسك بأنك ستحمي روحك من جروج مشابهة. نتمسك أكثر بكل ذكرياتنا الجميلة المخدرة لإحساس الألم خوفًا من أن نفقد ذاك الإحساس. لكننا لماذا نخاف من أن يختفي إحساس نوّد الشفاء منه؟ أم تُرى هذا الخوف هو الحاجة لأن نتمسك بكل ما يربطنا بالشخص الذي افترقنا عنه، الذي كان بالأمس كل عالمنا؟

ا بل يمكنني القول إننا نتندر في جلساتنا النسائية على أي نوع من الحب الرومانسي الذي بات عملة نادرة في أيامنا هذه.
لكن السؤال الذي يرافق كل هذا: هل تغيّر الحبّ بالفعل؟ أم أن أسئلتنا الكثيرة حول الحبّ وماهيته، ومحاولة فهمه بأبعاده النفسية المختلفة، وكذلك الجسدية، هي التي غيّرت تجربتنا وفهمنا لهذا النوع من المشاعر والأحاسيس؟
من المؤكد أن كل حياتنا المعاصرة تختلف عن الحياة التي كتبت فيها معظم القصص التي شكّلت فكرة الحبّ بالنسبة للوعي الجماعي حول الكوكب باختلاف تفاصيله
فإن ابتعد الحبّ عن شكله الكلاسيكي والرومانسي الذي نعرفه، يحتفظ الفراق بكل دراميته بأكثر الطرق الكلاسيكية الممكنة.

بنفس الوقت، هل هذا التمسك هو تمسك بالشخص أم بالحاجة لشعور الحبّ؟ أو هو تمسك بأنفسنا؟ حيث أن في كثير من الأحيان، يكون الحبّ هو حبّ لنفسنا، قد نحبّ يومنا وشكل حياتنا أو شكلنا الخارجي خلال مرحلة الحبّ. وقد يكون الخوف من الألم، هو أن يعكس هذا الشعور فقدان شكلنا المفضّل لأنفسنا ونحن نحبّ، أو خسارة صورة الشخص الذي كنّاه ونحن في علاقة عاطفية نحبّها. لكنه أيضًا، الخوف من الوحدة، ومن البحث عن حبّ من جديد، ومن خوض تجارب جديدة، وخوف من أن يتكرر هذا الإحساس من الألم، ومن إعادة إنتاج نفس التجارب، علمًا أن التجارب العاطفية لا تتكرر، بل تختلف باختلاف الأشخاص الذين يشكّلونها، ومع ذلك، لا نفكر بكل ذلك، بل نواصل الغرق بإحساسنا بالألم، ونتمسك بآخر وخزاته.

مع مرور الوقت، ومع التئام الجرح، ننظر إلى كل ما مرّ كندبة على الجسد، تنظر إليها وتتذكر ألمها ككل الذكريات القديمة التي تخيّلت يومًا أنك لم تنسَها. حتى ترى الندبة من جديد، وتقول لنفسك كم كنت دراميًا عندها وظننت أني لن أنسى!

سيعود صوت محمد منير يغنّي في رأسك، ستشعر أن قلبك جاهز لأن يعيد الكرة، وهذه المرة من ندبة جديدة. من منا لا يحبّ الندوب؟ من قد يفضّل جسدًا مثاليًا على آخر فيه ندوب؟ في المرة القادمة، قد تصادف قلبًا مليئًا بالندوب، أو خاليًا منها، لكن بكل تأكيد تعرّف على ندوبك، وتعلم مع الوقت أن تتقبلها وتحبّها… وأسأل نفسي الآن: "أليس كل هذا نهجًا كلاسيكيًا ورومانسيًا؟"، يشبه فكرتنا القديمة عن الحبّ؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image