ما إن وطئت أقدامه الأرض، حتى بدأ الإنسان بخوض رحلة استكشاف لذاته وللعالم من حوله، ولعلّ أول ما فعله هو اكتشاف مكامن اللذة في جسده عن طريق اللمس.
والواقع أن العلاقة الحميمية مع الجسم تبدأ في مرحلة الطفولة، حيث يحاول الطفل أن يكتشف وظيفة ودور كل عضو من أعضاء جسده، ولا تتوقف عملية البحث والاكتشاف عند هذه المرحلة، إذ إنه كلما تقدم المرء في العمر كلما ازداد فضوله وأراد أن يعرف المزيد والمزيد عن نفسه، وعن الطرق التي تثيره.
وقد يضحك البعض لمجرد أن يسمع مصطلح "العادة السرية"، لكونه يعيده بالذاكرة إلى المرة الأولى التي كان يمارس فيها الاستمناء في غرفته وتم فتح الباب فجأة وكشف أمره من قبل أهله، فتمنى حينها لو كان بوسعه أن يختفي عن هذه الأرض.
واللافت أن هذا الشعور بالخجل والذنب والمصاحب لعملية الاستمناء يرافق الكثير من الأشخاص طوال حياتهم، بحيث يشعر البعض بأنه ارتكب خطيئة ما لمجرد أن قام بتمرير يده على أعضائه التناسلية وانغمس في لذة ذاتية.
وصمة عار وخطيئة؟
في العام 1716، صدر كتاب بعنوان Onania: Or the Heinous Sin of Self Pollution (الخطيئة الشنيعة للتلوث الذاتي) وقد كان صاحبه قلق بشأن موضوع الاستمناء، فقد وصفه بـ"الرذيلة المخزية" وبأنه "الفعل الأناني لإمتاع الذات"، واتفق المؤلف مع أولئك الذين يعتبرون أنه لا يجب أبداً أن نتحدث عن الاستمناء أو حتى نلمح إليه، لأن مجرد لفظ اسمه قد يشكل خطراً على البعض، سواء كانوا من الرجال أو النساء.
قد يضحك البعض لمجرد أن يسمع مصطلح "العادة السرية"، لكونه يعيده بالذاكرة إلى المرة الأولى التي كان يمارسها فيها الاستمناء في غرفته وتم فتح الباب فجأة وكشف أمره من قبل أهله
وقد ذكر موقع Aeon أنه في العام 1760، ظهر كتاب آخر بعنوان L’onanisme لصاموئيل أوغوست تيسوت، والذي اعتبر أنّ كل ما جاء في كتاب Onania ليس إلا معتقدات لاهوتية وأخلاقية.
وقام صاموئيل تيسوت بالتركيز على المضار الجسدية الناجمة عن العادة السرية، وقدم دراسته الخاصة عن رجل فقد عقله لكثرة ما استمنى، فقال: "لقد كنت أرى ذلك الرجل جثّة هامدة، مستلقياً على القش، هزيلاً، شاحباً، قذراً، له رائحة نتنة وغير قادر على الحركة".
وبعد الترويج لهذه المنشورات سرعان ما انتشر الخوف من العادة السرية، إلا أن الغريب في الأمر أن العادة السرية لم تكن أمراً مرعباً في التاريخ كما صُوّر في تلك الفترة، ففي العصور القديمة لم يتم ذكر أي شيء عن الاستمناء والذي كان ينظر إليه على أنّه تصرف مبتذل قليلاً، واستمر الوضع على حاله في العصور الوسطى، فما الذي تغيّر؟
في الواقع، إن الدين والطب اجتمعا لخلق حالة معادية للاستمناء في المجتمعات، فقد كانت هناك فكرة سائدة بأن الروح موجودة في السائل المنوي ومن الضروري الاحتفاظ بهذا السائل، لأن هدره هو أمر غير أخلاقي وخطير، وعليه اعتبر الناس في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر أن الاستمناء "خطيئة" و"رذيلة" و"تدمير للذات".
ومع مرور الوقت تغيّرت النظرة تجاه العادة السرية، فاعتبرها العديد من العلماء جزءاً طبيعياً من النشاط الجنسي عند البشر، إلا أن هالة الرعب التي تلف "العادة السرية" لم تختف، وبقي الاستمناء موضوعاً شائكاً، وسلوكاً جنسياً نادراً ما يتم مناقشته في العلن، ووصمة عار تلحق بفاعله، بخاصة في المجتمعات التقليدية أو بالنسبة إلى الأشخاص الملتزمين دينياً، بالرغم من أنه لم يرد نص صريح في القرآن ولا في السنة النبوية يستدل به على الاستمناء، إلا أن البعض يؤكد أن العادة السرية محرمة في الشريعة الإسلامية، وفق ما ذكره الشيخ صالح الكرباسي لموقع islam4u، مستنداً إلى الآية التالية: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ هذا ووصف الشيخ الكرباسي العادة السرية بأنها "عَبَثُ الإنسان البالغ ــ ذكراً كان أو أنثى ــ بأعضائه التناسلية أو المناطق الحساسة في الجسم، عبثاً منتظماً ومستمراً بُغية استجلاب الشهوة و تهييجها طلباً للاستمتاع و اللذة الجنسية".
أما بالنسبة للإنجيل، فلا يأتي على ذكر ما إذا كانت ممارسة العادة السرية خطيئة أم لا، بطريقة مباشرة، إلا أن هناك بعض الآيات التي تدعو إلى التّنبه لتأثير ما نقوم به بأجسادنا على حياتنا الروحية، واعتبار الجسد هيكل لله، من بينها: "أمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ". (رسالة القديس بولس الرّسول إلى أهل كورنثوس 6 :19 -20).
في هذا الصدد، أكّدت الأخصائية في علم النفس ستيفاني غانم، أن الشق الديني يلقي بثقله على موضوع العادة السرية: "في الدين لا نتكلم عن الـ self-pleasure (إمتاع الذات) على اعتبار أن كل ما يتعلق بالتجربة الجسدية يجب أن يكون مرتبطاً بصورة مباشرة بتأسيس عائلة، من خلال إقامة علاقة جنسية مع شريك فعلي تهدف إلى الإنجاب وليس إلى اللذة"، مضيفة: "الدين ينظر إلى العادة السرية كخطيئة".
وفي حديثها مع موقع رصيف22، اعتبرت غانم أن النقص في المعلومات الجنسية يساهم بدوره في الشعور بالذنب الذي يختبره البعض عند القيام بالعادة السرية: "في المدارس والأنظمة التربوية لا يتم شرح موضوع الاستمناء بطريقة علمية وواضحة، وبالتالي عندما يكون لدى المرء نقص في معلومات معيّنة، وبخاصة فيما يتعلق بعالم الجنس وخفاياه، فإن هذا الأمر يجعله يشعر بأنه في الظلام، وهذا يخلق لديه شعوراً بالذنب، لأنه وبكل بساطة يجهل حقيقة العادة السرية".
هذا وأشارت ستيفاني غانم إلى أنه في تربيتنا الدينية وتنشئتنا الاجتماعية، عادة لا نتطرق إلى موضوع الإشباع الذاتي، أي التركيز على رغبات جسدنا بمعزل عن رغبات الشريك/ة، وهذا أمر أساسي جداً على حدّ تأكيدها: "ليس بإمكاننا أن نسعد الطرف الآخر ونشبع رغباته الجنسية إذا لم يكن بوسعنا أن نشبع رغباتنا الخاصة، وهذا يعارض تماماً الفكرة القائلة بأن العادة السرية تؤثر سلباً على العلاقة العاطفية"، مشددة على أنه كلما تمكن المرء من إمتاع نفسه كلما نجح في تلبية رغبات الشريك/ة.
الخرافات
نظراً للأفكار السلبية التي تحيط بممارسة العادة السرية، من الطبيعي أن يشعر البعض بالخجل والإحراج من التحدث بشكل صريح عن الاستمناء، فحتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يخجلون عادة من التعبير عن رغباتهم الجنسية ويجاهرون بعلاقاتهم الجنسية، فإنهم يحاولون التكتم عن ذكر موضوع العادة السرية، ذلك يعود بشكل أساسي إلى الصور النمطية والخرافات التي تلاحق هذه الممارسة.
في هذا الصدد، تحدث موقع psychcentral عن أبرز الخرافات المرتبطة بالعادة السرية، مشيراً إلى أن الزعم بأن الاستمناء يسبب العمى، أو نمو الشعر في راحة اليد، أو يسبب العقم في المستقبل، أو يقود الى اضطرابات عقلية... كلها نظريات لا أساس لها من الصحة وقد دحضها العلماء مرات كثيرة، ولكن يبدو أن البعض لا يزال يتداول هذه الخرافات الشعبية، بحيث يعبّر بعض الشبان مثلاً عن خشيتهم من أن تؤدي العادة السرية إلى انحناء قضيبهم عند الانتصاب، وتخشى بعض النساء من الإقدام على الاستمناء على اعتبار أن هذا التصرف يؤثر على عذريتهنّ وعلى فرصهنّ في الإنجاب في وقت لاحق.
الزعم بأن الاستمناء يسبب العمى، أو نمو الشعر في راحة اليد، أو يسبب العقم في المستقبل، أو يقود الى اضطرابات عقلية... كلها نظريات لا أساس لها من الصحة
وأكد الموقع أن العادة السرية تم تسجيلها على مدى العصور، ولا آثار طبية سلبية لها، فلا عمى ولا تغيير لشكل القضيب ولا عقم ولا اضطرابات عقلية أو أي شيء من ذلك، بل على العكس فإن الإقدام على الاستمناء قد يكون مفيداً من الناحية الطبية.
متعة مع فوائد
يمارس الكثير من الشبان والشابات العادة السرية، حتى المتزوجين، ليس لأنهم لا يستمتعون مع شركائهم بل لأنهم يبحثون عن طرق جديدة للحصول على المتعة، بحيث يعدّ الاستمناء واحداً من الطرق القليلة التي يحصل بها الإنسان على المتعة بنفسه ودون الحاجة إلى أي وسيلة أخرى.
فقد كشف المسح الوطني للصحة والسلوك الجنسيين (NSSHB) أن هناك بين 72% و84% من الرجال الذين يمارسون العادة السرية على الأقل مرة واحدة في الشهر، وذلك بحسب عمرهم، إذ تبيّن أن ما يقرب من 84 % من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25-29 يمارسون العادة السرية أكثر من غيرهم، والأمر نفسه ينطبق على الفئة العمرية نفسها لدى النساء.
وأكدت دراسات وجود الكثير من الفوائد الصحية للعادة السرية، فقد أوضح موقع The Conversation أنه بالنسبة للنساء فإنها قد تساعد في منع حدوث التهابات عنق الرحم والتهابات المسالك البولية، كما تخفض من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وتقلل من الشعور بالأرق من خلال إطلاق الهرمونات والتخلص من التوتر.
أما بالنسبة للرجال، فتساعد العادة السرية في خفض الإصابة بسرطان البروستاتا، وتحسّن من أداء الجهاز المناعي عن طريق زيادة مستوى الكورتيزول، والذي بإمكانه تنظيم العمل المناعي بجرعات صغيرة، كما تساعد في خفض أعراض الاكتئاب عن طريق زيادة كمية الأندورفين في مجرى الدم.
ويساعد الاستمناء بشكل غير مباشر على منع حدوث العقم، عن طريق حماية الأشخاص من الأمراض المنقولة جنسياً، هذا ويضمن الحصول على أقصى نشوة جنسية ممكنة، والتي تتضمن العديد من الفوائد مثل خفض التوتر وخفض ضغط الدم وزيادة احترام الذات وتخفيف الآلام.
وبالرغم من أن العادة السرية يمكن أن تكون وسيلة فعالة للتخلص من التوتر والضغوط اليومية، أو طريقة يلجأ إليها البعض بين الحين والآخر لإشباع رغباته الجنسية، بخاصة في ظل غياب شريك فعلي، فإنها قد تتحول إلى إدمان ونشاط قهري يجعل المرء يعيش في عزلة عن الجنس الآخر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...