إذا كنّا نعيش في عصر يميل إلى الاستعراض، نُقلّب صفحات السوشيال ميديا، فنجد الإنجازات والرحلات والصحبة الحلوة والطعام المثير، والابتسامات تُزيّن الصحفات الشخصية لأصحابها، وكأنّنا نعيش في كوكب السعادة، فإنّ أكثر الأمور التي نميل إلى مُداراتها ومُواراتها، هي حياتنا الجنسية. صوفي فونتانيل، كاتبة فرنسية صاحبة كتاب "فنّ النوم وحيدة"، تحكي في مذكراتها أنّها وهي في السابع والعشرين من عمرها قرّرت أن تتوقف عن ممارسة الجنس لفترة امتدت حتى بلوغها الـ 39 من عمرها، تقول: "في الحقيقة لا يوجد ما هو أكثر إحباطًا من جنس مُخيّب للآمال"، وكان شريكها يخبرها دائما أنهما سعيدان جنسيًا، ولكن ما كانت تشعر به حقًا أنّها لم تكن سعيدة، وأنّ شريكها لا يرى ذلك، وقرّرت في فصل الشتاء أن تذهب للتزلج وحدها.
تصف رحلتها تلك التي غيّرَت في إحساسها بالجنس: وحيدة في الشمس والثلوج، أمتصّ الطاقة من السماء والجبال، تركتُ جسدي يتنفّس بهدوء، وولّدت فيّ الحرية وبياضُ الثلجِ والجبالِ نوعًا من النشوة، كأنّها الجنة، ممّا دفعها للتفكير حول إمكانات جسدها، وأحاسيسها الشهوانية، وسألَت نفسَها: "صوفي، هل حياتك الجنسية مُحفّزة للغاية، في الواقع؟" وكانت الإجابة: "لا"، وبدَت حياتها الجنسية مجرد حركات، فعلَتها لأنّ الجميع يفعلون ذلك، قرّرت أن تأخذ استراحة لتستعيد رغبتها الحقيقية.
لقد قطعَت رغبتها الجنسية 12 عامًا، واكتشفَت أنّ الأمر ليس بهذه الصعوبة التي تخيلَتها، بدأَت تكتشف أشياءَ أُخرى في عزوبتها الاختيارية المؤقتة، أنّ الناس تقبل جميع أنواع السلوكيات الجنسية، المهم في النهاية أن تفعلَ شيئًا مع جسدِك. إذا قابلتَ شخصًا سيُلقي في وجهك بأسئلة من قبيل: هل أنت عازب؟ متزوج؟ خاطب؟ مثلي الجنس؟ إنّه أمر مُعقّد، ولكن في النهاية يجب أن يكون هناك نشاط جنسي، لا بُدّ أن تفعل شيئًا ما. والحقيقة الاكبر التي اكتشفتها تقول: لا أعتقد أنّ هذه هي حياتنا الحقيقية، وإيقاعنا، نحن لسنا آلات، لا شيء مُرتباً في حياتنا الجنسية، نحن وحدنا في طريقة أحلامنا، نحن لا نمارس الجنس بالسهولة التي نتفاخر بها، وعندما نمارسه، لا يمتعنا بشكل دائم.
لا أعتقد أنّ هذه هي حياتنا الحقيقية، وإيقاعنا، نحن لسنا آلات، لا شيء مُرتباً في حياتنا الجنسية، نحن وحدنا في طريقة أحلامنا، نحن لا نمارس الجنس بالسهولة التي نتفاخر بها، وعندما نمارسه، لا يمتعنا بشكل دائم.
كلما تقدم بها العمر بات الجنس أكثر خيالاً وتطرفاً، أحياناً لا تنام حتى تتخيل أن كثيراً من الرجال حولها عراة ويمارسون معها الجنس، تغرق في خيالاتها تلك حتى تنام."نحن كذابون، كذابون ومساكين، نحاول أن نُربك بعضنا بعضًا، خاصة الفرنسيين، أنهم كذابون كبيرون بشكل خاص، ملآنون بالتناقضات، نحن مثيرون جنسيًا، ولكن ربما ذلك مجرد استعراض لإنقاذ سمعتنا". وتؤكد فونتنايل أنّها تعلّمَت أشياء مرتبطة بالجنس أثناء عزوفها عنه، تعلمَت الكثير عن جسدها، ودور الفن في الإثارة الجنسية، وقوة الأحلام، ونعومة الملابس، وأهمية الأناقة، وأنّها استمتعَت كثيرًا وهي تشاهد روبرت ريدفورد وهو يغسل شعر ميريل ستريب في "آوت أوف أفريكا" أكثر من كونه في السرير معها، وفي بعض الأحيان كانت تشعر بالمتعة فقط وهي تُحدّق في أعناق الرجال، وفي بعض الأحيان تستمتع لمجرد الاستماع إلى صوت رجولي، إنه الليبيدو.
كانت تشعر بالمتعة فقط وهي تُحدّق في أعناق الرجال، وفي بعض الأحيان تستمتع لمجرد الاستماع إلى صوت رجولي"ثقوا بي، إنها الرغبة، ولكن المجتمع لا يعترف بهذا النوع من البهجة، ولكن معظم الناس يرغبون في إثبات كفاءتهم الجنسية، هذا كل شيء، ويخجل الناس من الاعتراف بأنهم وحدهم في أسرّتهم، واكتشفتُ أنها متعة كبيرة". وتقول: "حتى المتعة يمكن أن تمنحها لنفسك، كثير من الناس يسألونني عن الاستمتاع الذاتي، أجيبكم: إنه الجنة، تدخلونها وحدكم، حرية كاملة، خيالكم ينام مع من يريد، حتى كاري غرانت كان أحد عشاقي في الحقيقة". شيء آخر اكتشفَته يتعلّق بمجتمعنا المعاصر: الخصوصية، الخصوصية لا تتعلّق بما تفعله ولكن بما يمكنك إخفاؤه، وفي مجتمعنا الحديث لا يوجد الكثير الذي يمكن أن تخفيه، الجنس هو عملية استعراضية بالكامل، الأطفال يعرفون الحياة الجنسية لآبائهم، والآباء يعرفون النشاط الجنسي للأطفال، أين "كنز الصمت"، عن الأشياء التي لا تظهر؟ أين الغموض؟ الانفتاح أمر جيد، ولكن في بعض الأحيان يُفسد الحالة، في كل مكان يتم الإجابة عن تساؤل: "من أنت؟" بهوية جنسية، وهذا سخيف، نحن أكثر من ممارساتنا الجنسية، نحن كائنات شاعرية عائمة، أحيانًا نكون سعداء جنسيًا، وأحيانًا فرحين ونحن بمفردنا. وفي النهاية تقول: أعتقد أنّ الهَجر ضروري أحيانًا، إنّها ضرورة للروح والجسد، والاستراحة، أن تحلمَ بدلًا من أن تفعل، وصدّقوني عندما يريد الجسد جسدَ شخصٍ آخر، سيعرف تمامًا كيف يتصرف، أنت تنظر إلى عين شخص ما، والطبيعة ستتولّى الأمر نيابة عنكم، لا يهمّ ما هو عمركم، لا يهم التجاعيد، لا يهم الأعراف.
"أشعر بالخواء والغربة وأريد الانتقام"
أما في بلادنا حيث الأجواء المحافظة، يصبح من الصعب الحديث بشكل صريح وصادق عن أمور تعتبر من التابوهات، ويميل الناس إلى أن يتباهوا بحياة غنية ومشبعة. وإذا اقتربنا أكثر فلن تخطىء عيوننا علامات الحرمان الجنسي، وتتدخل حسابات واقعية في هذا الحرمان: الخوف من السمعة السيئة، الشعور بالذنب، الخوف الناجم عن عقاب جسدي في الطفولة على قبلة مسروقة مع صديق أو "ابن الجيران". صديقتي صحفية في بداية العقد الثالث من عمرها، كلما تقدم بها العمر بات الجنس أكثر خيالاً وتطرفاً، أحياناً لا تنام حتى تتخيل أن كثيراً من الرجال حولها عراة ويمارسون معها الجنس، تغرق في خيالاتها تلك حتى تنام.
يتحدث أ.ع صحفي لم يمارس الجنس على الإطلاق، يقول واصفًا قسوة التجربة: "أشعر بالخواء رغم كلّ نجاحاتي التي أحققها في مجال مهنتي، أشعر أنّ الدنيا حالكة الظلام، وأنّ البهجة غائبة". ويضيف أنّ ما "يختلج في قلبي نقمة على العالم بسبب عدم قدرتي على ممارسة حقي الطبيعي في الجنس"، ومع الأيام بدأ يشعر بالغربة "أشعر أنّني أصير غريباً، حتى أنني بدأتُ أعتقد أنّ الفتاة هي كائن غريب نوعاً ما، لا تنتمي لفئتي التي أنتمي إليها، وبالتالي عدم قدرتي على التعامل معها".
ويختم: "أشعر أني أفقد الثقة في نفسي، وهذا أكثر ما يقتلني، أبلغ من العمر 29 عاماً ولم أمارس الجنس، أعتقد أن هذا أقصى ما أُنزل عليّ من عقاب حتى الآن". ويبرز هنا تساؤل بديهي: لماذا يرضى المجتمع أن يعيش أفراده لسنوات دون ممارسات جنسية؟ وهل يمكن أن يؤثر ذلك على سعادتهم؟ البعض يرى أن النجاح المهني والاجتماعي يعوضان "نشوة الأورجازم"،
في إجابة حول تساؤل طُرح على موقع "كورا": هل يمكن أن نعيش حياة سعيدة بدون جنس؟ تقول أنيكا أوبادهاياي، تعمل في برنامج ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إنها تعتقد أنّ الجنس قيمة مبالغ فيها أكثر من أي شيء آخر، حسنًا، تتساءل: ما هو أفضل شيء في الجنس؟ ممكن يكون الأورجازم أو حسية غير عادية، أو قد يكون حميمية يتشاركها شخصان، متوسط النشوة يستمر لعدة ثوان في حالة الرجال والنساء، وإن كانت قدرتك على التحمّل جيدة، يمكن أن تستمتع بالعديد من هزّات الجماع أيضًا، ولكن الأمر بات إلزاميًا لحياة سعيدة، ولكنّها ترى أنّ الحياة يمكن أن تكون سعيدة بدون جنس، واستشهدَت بشخصيات حقّقوا سعادة بإنجاز علمي أو مهني.
الجنس في الأديان
يحلل الفيلسوف البريطاني آلان واتس في محاضرة له تلك المشاعر السلبية التي تتلبّسنا أحيانًا ونحن نمارس الجنس، وتدفعنا لـ"العزوبة الاختيارية"، والتواطؤ الاجتماعي حول حظر الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج في مجتمعات محافظة بالغرب، وكثير من الدول الشرقية، يقول إنّ الجنس في العالم المعاصر له خلفيتان: إحداها سامية والأخرى يونانية، السامية تتجلّى عند المسملين واليهود، حيث يحمد المسلمون الله بأن رزقهم بالزوجات، وفي حكاياتهم ومأثوراتهم الدينية تحريض على الاستمتاع بالجنس الحلال، ولكن عبر الزواج، وفي اليهودية الجنس غرضه هو إعادة إنتاج النوع البشري، لذا يجب أن يُمارَس لهذا الغرض، وعليك ألّا تُضيّع طاقتك الجنسية لأغراض أخرى.
أما في التقاليد اليونانية، فنظرتنا للجنس تتأثر برؤيتنا الازدواجية للكون، حيث يتم تصوير الكون المادي كخدعة، تنحدر من مادة طنانة، كثيفة، عدائية للنور، وحرية الروح أن تحافظ على نفسك، كما جاء في النزعة الأفلاطونية، وهذا يعني أن تكون متحرّرًا من الوجود المادي لصالح الحالة الروحانية النقية، واستنادًا لتلك الرؤية فإن الانخراط في الجنس يعني انخراطًا في الكون المادي الخادع المعادي للنور، لذا حب المرأة في النهاية فخ كبير. يُعلّق واتس ساخرًا: "إنّها عقيدة تخرج من عقول الرجال بالطبع".
وبالعودة إلى أسطورة آدم وحواء، يقول آدم مُبرّرًا خطأه أنّ حواء هي التي أغوته ثمّ أكلَت التفاحة، ومنذ عصر النهضة تبنّى آباء الكنيسة أنّ الحالة الروحانية السامية هي "العذرية" مقارنة بالمتزوجين، والرغبة الجنسية مسموح بها فقط لإعادة إنتاج الجنس البشري تحت رباط الزوجية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون