تحدثنا في مقالٍ سابقٍ على رصيف 22، عن تاريخ الهزاز واستعمالاته وكيف كان الأطباء يستخدمون الهزاز الجنسي في القرن التاسع عشر لعلاج النساء من حالة "الهستيريا"، وهو مصطلح طبي تخطى المفهوم الجنسي، إذ بات يشمل في يومنا هذا العديد من الحالات النفسية من الصداع وصولاً إلى التوتر العصبي. تشير بعض الروايات والأفلام الوثائقية إلى أن الهزاز كان يستخدم كحل أساسي لبعض المشاكل الجنسية خاصة أنه يتيح للنساء إمكانية الوصول إلى النشوة الجنسية بمعزل عن الاستمناء واستخدام اليد. وبالرغم من أن مثل هذه القصص العالقة في أذهاننا قد تبدو مثيرة فإن موقع "بي بي سي" يعتبر أننا "وقعنا فريسة الحكايات التي نسجناها بأنفسنا"، خاصة أن الأدلة تظهر أن قصة الهزاز ليست أكثر من قصة خيالية لا تمت إلى الواقع بصلة.
نظرية ناقصة
لقد سمع الكثيرون منا القصة التي تقول بأن الأطباء في العصر الفيكتوري كانوا أول من تستخدم الهزاز على المريضات لعلاجهنّ من "الهستيريا"، ولكن يبدو أن هذه القصة ليست سوى قصة خيالية. إن فكرة لجوء الأطباء إلى الهزاز لإيصال النساء إلى النشوة الجنسية يمكن إرجاعها إلى كتاب يحمل عنوان: The Technology of Orgasm: "Hysteria," the Vibrator, and Women’s Sexual Satisfaction، الصادر في العام 1999 على يد مؤرخة التكنولوجيا "راشيل ماينز"، الباحثة في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة الأميركية.تكذيب أسطورة الهزاز الجنسي: لم تكن المسألة أن الأطباء الذين كانوا يجهلون ما كانت عليه النشوة الجنسية استخدموا مثل هذه الأجهزة لعلاج النساء من حالات الهستيريا.
لا يوجد دليل على أنه كان يتم تدليك النساء للوصول إلى النشوة الجنسية في مكاتب الأطباء"، لكن لا يستبعد فكرة وجود بعض الأطباء السطحيين الذين أقدموا على التحرش بالمريضات، ولا يوجد دليل يثبت أن الهزاز كان علاجاً طبياً للاستمناء.فقد اعتبرت الكاتبة أنه من أيام أبقراط حتى عشرينيات القرن الماضي، كان تدليك المريضات من أجل إيصالهنّ إلى النشوة الجنسية من الأمور الجوهرية في الممارسة الطبية التي يلجأ إليها الأطباء الغربيون في علاج "الهستيريا". وفي كتابها، ركزت "ماينز" على "الهستيريا"، وهي المشكلة التي كانت شائعة ومزمنة بين النساء وكيفية معالجتها على مر العصور مع اعتبار الهزاز أداة طبية مشروعة، إضافة إلى تأكيدها أن الأطباء لم يصنفوا هذه الممارسة على أنها جنسية نظراً لكونها لا تنطوي على اختراق المهبل.
وبالرغم من الشعبية الكبيرة التي حصل عليها الكتاب ومنحه جائزة "هربرت فيز"، فإن نظرية "راشيل ماينز" تفتقر إلى الأسس العلمية الواضحة والأدلة والبراهين التي تثبت أن الهزاز كان يستخدم للحث على هزات الجماع بحسب ما أكدته دراسة نشرت مؤخراً في مجلة النشاط الجنسي الإيجابي، بعنوان: A Failure of Academic Quality Control: The Technology of Orgasm وتعتبر من أحدث الأبحاث التي يقوم بها العلماء الذين يسعون إلى تقويض "تكنولوجيا النشوة" وقبضتها على تاريخ الخيال الجنسي. تقول "هالي ليبرمان"، المشاركة في الدراسة ومؤرخة التكنولوجيا في معهد جورجيا:" من خلال ما أعرفه عن تاريخ الجنس، بدا من غير المرجح أن يقوم الأطباء بذلك". ومن هذا المنطلق، تقترح "ليبرمان" وجهة نظر بديلة: نعم إن الأجهزة الميكانيكية المعروفة باسم "الهزاز" كانت تستخدمها النساء بطرقٍ حميميةٍ في سنوات الـ1900 والـ1910 ولكن ليس هناك من دليل على أن الهزاز استخدم قبل العام 1900، عندما كان يتم تسويق الهزاز للأطباء وليس مباشرة للمستهلكين، وبالتأكيد لم تكن المسألة أن الأطباء الذين كانوا يجهلون ما كانت عليه النشوة الجنسية استخدموا مثل هذه الأجهزة لعلاج النساء من حالات الهستيريا.
واعتبرت الدراسة أن نجاح كتاب Technology of Orgasm هو بمثابة قصة تحذيرية لكيف يمكن أن تصبح الأكاذيب جزءاً لا يتجزأ من العلوم الإنسانية.
بداية الأسطورة
بالعودة إلى القرن التاسع عشر، تم التسويق للهزاز الكهربائي في المجلات والدوريات والأدب الطبي والصحف. يظهر إعلان ورد قرابة العام 1904، إمرأة مسترخية تميل رأسها إلى جانبٍ واحدٍ، ويقف وراءها رجل أشبه بالطبيب يرتدي معطفاً أبيض ويلمس رقبتها، ويحمل في يده جهازاً معدنياً مزوداً بكابل أسود سميك: هزاز كهربائي مصمم لتخفيف إجهاد تدليك المرضى، هذا ولا توجد أي إشارة في الصورة إلى أنه سيتم استخدام هذا الهزاز في أي مكانٍ آخر غير عنق المريض.وفي إعلانٍ آخر يظهر هزاز "سانوفيكس" على شكل مصفف للشعر ويأتي في صندوق خشبي صغير، وفي سلسلة من الصور الفوتوغرافية يمكن رؤية إمرأة ترتدي ثوباً أبيض مكشوفاً تحمل هذا الهزاز وتصوبه نحو جبينها، فكها، حلقها وصدرها.
كان الهزاز عبارة عن "جهاز منزلي يظهر النساء وكأنهن يحصلن على تدليك طوال اليوم"هذه الإعلانات أثارت إعجاب "راشيل ماينز" ، خاصة أنها قضت 19 عاماً وهي تبحث في المكتبات في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في محاولة للعثور على المزيد من المعلومات المتعلقة بتاريخ الهزاز، وبالرغم من شح المعلومات فإن "ماينز" تمكنت في النهاية من إصدار كتاب حول هذا الموضوع، شارحةً فيه نظريتها المتعلقة بكيفية استخدام الهزازات كأجهزة لعلاج هستيريا النشوة الجنسية، وهي تقنية قام بها العديد من الأطباء لعلاج أكبر عددٍ ممكن من المرضى، هذا وكتبت "ماينز" أن الأطباء كانوا يستخدمون العادة السرية لعلاج الهستيريا لدى النساء حتى فترة ما قبل الرومان.
إلا أن نظرية "راشيل ماينز" لم تنل إعجاب بعض الباحثين، فالاعتقاد القائل بأن الأطباء في العصر الفيكتوري كانوا يستخدمون الهزاز مع نقص كبير في المعرفة، قد تبدو فكرة بعيدة المنال بالنسبة إلى ليبرمان التي تؤكد أنه كان هناك وعي بالجنس وبالحياة الجنسية للمرأة في ذلك الوقت، في حين أن "ماينيز" في كتابها صورت المسألة وكأن الأطباء كانوا يجهلون مفهوم النشوة.
في المقابل، أكدت "راشيل" أنها ترحب بانتقادات "ليبرمان" إلا أن ذلك لن يغير وجهة نظرها:"إنه بالطبع مناسب تماماً للباحث الشاب بأن يطعن في عمل كبار العلماء".
علاجات متعددة
ما نعرفه أن الهزازات تستخدمت في الجسم كدواء لكل علاج ٍممكنٍ تقريباً، فقد أثبتت فعاليتها ضد الأرق، الشلل، الألم العصبي، الصرع، عرق النسا، آلام الظهر، التقيؤ، الإمساك، البواسير وغيرها من المشاكل الصحية.واللافت أن "الهستيريا" كانت في قائمة الحالات التي تم استخدام فيها الهزاز، ولكن توضح "ليبرمان" أنه بالنسبة إلى المريضات كان الهزاز يستخدم لتدليك الظهر والرقبة وليس المناطق الحميمة: "لا يوجد دليل على أنه كان يتم تدليك النساء للوصول إلى النشوة الجنسية في مكاتب الأطباء"، ومن دون أن تستبعد فكرة وجود بعض الأطباء السطحيين الذين أقدموا على التحرش بالمريضات، إلا أن "ليبرمان" تؤكد أنه لا يوجد دليل يثبت أن الهزاز كان علاجاً طبياً للاستمناء.
مخترع الهزاز الجنسي
إن لم يكن الأطباء، فمن الذي اخترع الهزاز كلعبةٍ جنسيةٍ؟ يكمن الجواب في بعض الإعلانات التي وجدتها "راشيل ماينز"، رغم أن بعض الأكاديميين اليوم ينتقدون التفسيرات التي أعطتها هذه الأخيرة. عندما بدأ الأطباء يدركون في أوائل القرن العشرين أن الهزازات لم تكن الحل السحري للمشاكل الصحية، فإن الشركات المصنعة لهذه الأجهزة وقعت في ورطة، إذ كانت هناك صناعة كاملة مكرّسة لصنع هذه الأجهزة: نسخة محمولة باليد، تطورت إلى نماذج تعمل بالطاقة البخارية التي بدورها تطورت إلى أجهزة تعمل بالطاقة الكهربائية، وكان عدد قليل من الأطباء يحرصون على شرائها. وفي العام 1903، قامت شركة واحدة بخطوة جريئة حين أعلنت عن أجهزة Hygeia الجنسية للرجال والنساء، إلا أن بيع الهزاز علانية كجهاز جنسي كان أمراً نادراً لأنه كان يعتبر فاحشاً. وفي العام 1915، أصدرت الجمعية الطبية الأميركية بياناً اعتبرت فيه أن اللجوء إلى الهزاز للاستخدام الطبي هو "وهم وفخ"، كاشفةً أن أي تأثير لدى المريضات هو نفسي وليس طبياً. وبالتالي بدلاً من قتل صناعة الهزاز، فإن الشركات المصنعة واصلت ببساطة تركيزها من الأطباء إلى المستهلكين، وبحسب "ليبرمان"، فقد كان الهزاز عبارة عن "جهاز منزلي يظهر النساء وكأنهن يحصلن على تدليك طوال اليوم"، واللافت أنه مع مرور الوقت بات يظهر في الإعلانات رجال ونساء مع بلوزات منخفضة يعرضن الهزاز بسعادة. وتعترف "ليبرمان" بأن الأدلة الجديدة التي كشفت عنها تجعل القصة أقل جذباً من الفرضية الأصلية التي تبدو كسيناريو لفيلمٍ إباحي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 20 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...