كريم بطل رواية سليم البيك الأخيرة "سيناريو"، شاب فلسطيني يعيش في فرنسا بعد أن أتى إليها من سورية، تحديداً من مخيّم العائدين في حمص. هو كاتب سيناريوهات للسينما، كتبها وكان مصيرها أن ترمى في درج قد لا تخرج منه لسنين.
المؤلف، سليم البيك (فلسطين)، الناشر: دار الأهلية (عمان)، عدد الصفحات، 182، الطبعة الأولى، 2019
يصادف مرات عدة فتاة تجلس مواجهه في المقهى، فيبدأ بكتابة يومياته التي تتسلل الفتاة إليها، وهو لا يعرف ما إذا كانت هذه الكتابة ستتحول إلى سيناريو أم إلى رواية في نهاية المطاف. نصدّق كتابته فلا نعود نعرف إن كان ما يكتبه هو ما حدث فعلاً أم ما تخيّله، هل اسم الفتاة شارلوت فعلاً؟ هل حكاية الحب التي نشأت بينهما حقيقية أم أنها جزء من سيناريو متخيّل لا يمت للواقع بصلة؟
"أردت كتابة يوميات، أو نص جديد، عن علاقة حب بيني وبين شارلوت، ولم أتقصد ذلك، فقط رأيتها تطيل الحضور في اليوميات، رأيتها لا تترك مجالاً لغيرها فيها، فقررت ولم يكن لدي خيار آخر، ألا أكتب إلا عنها، وأن تتحوّل اليوميات إلى قصة حب بيننا، لأخرج قليلاً من أجواء حيفا في السيناريو الأخير".
أياً يكن ما يكتبه كريم، فإنه يتوسع وينمو وتدخل فيه شخصيات جديدة، إذ عن طريق شارلوت سيتعرف إلى صديقتها ميلاني، وهذا ما يقوده للالتقاء مجدداً بـريما بعد أن كان قد التقى فيها مصادفة وبطريقة عابرة من قبل. ومع دخول ريما القادمة من حيفا إلى "السيناريو"، سيتخذ هذا منحى مختلفاً، وستصبح حيفا التي تمنى أن يخرج من أجوائها في سيناريوه الجديد، هي القضية والمركز فيما يكتبه.
يطرح البيك في روايته موضوعاً حضوره خجول في الروايات الفلسطينية –بحسب ما قرأته-، وهو سؤال هل يعرف الفلسطيني المهجّر فلسطين الراهنة حقاً، أم أن ما يعرفه هو المدن كما ظلت في ذاكرة أهلها، لا كما صارت الآن بعد أن تغيّرت؟ فبطله لا يعرف حيفا الحقيقية، إنه يعرفها كما يرويها له من عاشوا فيها من أهله، وهذا ما يعني أن حيفا التي يعرفها لا توجد في الواقع، بل في رأسه فحسب، بينما "ريما" القادمة منها بمساعدة منحة تحكي له عن بلد مختلفة، عن بلدٍ يتمنى شبابها أن يغادروها، وتصدمه بعبارتها: "العالم بدها تترك البلد وإنت جاية تلاقيها؟"
"هل يعرف الفلسطيني المهجّر فلسطين الراهنة حقاً، أم أن ما يعرفه هو المدن كما ظلت في ذاكرة أهلها، لا كما صارت الآن بعد أن تغيّرت؟" سؤال تطرحه رواية "سيناريو"
"فلسطيني عاش في مخيّم ثم صار لاجئاً في بلد أوروبي بفعل الحرب السورية، فعانى من التهجير مرتين، إلى أي بلدٍ يعود إذا ما أراد نفي منفاه؟" سؤال تطرحه رواية "سيناريو"
يتشابك مع هذا الموضوع موضوع إشكالي آخر، عن العلاقة مع المكان والمنفى، وأيضاً عن انتماء الجيل الذي ولد وعاش في المخيّمات الفلسطينية، فكريم حين يحلم بالعودة إلى حيفا يحلم أيضاً بالعودة إلى المخيّم الذي عاش فيه في سورية، وكأن طريق العودة لا بدّ أن يمر فيه. يناقش الإقامة والمنفى، فالحديث عن المنفى بالنسبة له لا يكتمل دون الحديث عن الإقامة، وخاصة لفلسطيني عاش في مخيّم ثم صار لاجئاً في بلد أوروبي بفعل الحرب السورية، فعانى من التهجير مرتين، إلى أي بلد يعود إذا ما أراد نفي منفاه؟ ويجيب كريم عن هذا السؤال في مقالة يكتبها ضمن السرد، أن ابن المخيّم إذا ما اختار العودة لمكانٍ ينفي فيه منفاه الأوروبي فإنه سيختار المخيّم.
"حيفا المخيّم هي نقصان حيفا المدينة، حيفا المخيّم هي نيغاتيف حيفا المدينة، هي أصلها، هي الحيفا التي عرفها أهلنا حتى عام النكبة، هي التي لم يُدخل الاحتلال عليها تعديلاته، تشويهاته، المدينية الأوروبية. هي المدينة العربية المشرقية الفلسطينية، هي أخت حمص وحلب والشام، وصيدا وطرابلس وبيروت. النقصان في حيفا هناك هو حيفا هنا، في مخيّم حمص الصغير".
يعيش كريم علاقات مختلفة مع أربع نساء في الرواية، الأولى هي كلارا التشيلية التي يجد فيها شبهاً له، لجهة أنها تشعر بالحنين إلى المكان/ البلاد، والثانية هي شارلوت التي يبدأ النص منها، وعلاقته به تبدو كأنها علاقة جنسية فحسب، أما صديقتها ميلاني فشعوره نحوها يشبه شعوره نحو محل إقامته/ منفاه الجديد، وأخيراً ريما الآتية من فلسطين التي تكشف له حقيقة ما في خياله عن حيفا. كل امرأة من هؤلاء يقطع حضورها حضور الثانية، ويقطع حضور الأخيرة حضور المدينة.
يترك البيك في روايته مجالاً واسعاً للعلاقات الحسية الجنسية، فيسهب في وصف العلاقات الجنسية التي يعيشها بطله، بألفاظ يختارها مباشرة دون مواربة أو تلميح.
"نهضت، تأملت جسدها المفرود على طول السرير، ذراعاها ممدودتان أمامها، رسغاها مضمومتان كأنهما مقيّدتان إلى أعلى. كاحلاها مضمومان كذلك كأنها مصلوبة. نزلت إليهما، قبّلت كعبيها، صعوداً إلى فخذيها وردفيها. قبلتهما أكثر، عضّيتهما أكثر، حاولت ابتلاعهما مجدداً ولم أستطع، أكثر وأكثر إلى أن بدأ جسدها يلين ويستجيب ويستعيد دفأه".
أخيراً، بالعودة إلى عنوان الرواية "سيناريو"، ففضلاً عن أن كريم بدأ به وهو لا يعرف ما إن كان يكتب يوميات لتتحوّل في النهاية إلى رواية أم إلى سيناريو، فإن الكاتب سليم البيك وهو يكتب روايته لجأ إلى استخدام تقنيات سينمائية في تقطيع نصّه، وفي ترتيب مشاهده وتركيب مصادفاته واللعب بالتقديم والتأخير فيه.
سليم البيك: كاتب من فلسطين، يقيم في باريس. يكتب مقالات في الثقافة والسياسة والنقد السينمائي. وهو محرر مجلة "رمان الثقافية". صدر له خمسة كتب: "خطايا لاجئ"، "ليس عليك سوى الماء"، "تذكرتان إلى صفورية"، "سيناريو"، والمجموعة القصصية "كرز، أو فاكهة حمراء للتشيزكيك" التي نالت جائزة الكاتب الشاب التي تنظمها مؤسسة القطان. يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون