نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قصة امرأة يهودية من أفغانستان تدعى سارة عمرام، يؤكد ابنها أنها تجسست لمصلحة إسرائيل في الأردن، وتوفيت عام 2018 تاركة مذكراتها التي تظهر الكثير عن حياتها في الماضي.
يحكي إسرائيل عمرام، ابن سارة، عن ولادته عام 1947 في المستشفى المسيحي في المجمع الروسي في القدس، وكان اسمه حينذاك إيفان ألكساندروف. كانت والدته سارة مهاجرة يهودية من أفغانستان تبنت هوية وهمية كامرأة مسيحية روسية تدعى كاترينا ألكسندروفا، وكان والده جندياً مسيحياً أوكرانياً خدم في جيش أندرس البولندي في الحرب العالمية الثانية قبل أن ينتهي به المطاف في إسرائيل.
لكن لماذا اختارت المرأة الأفغانية اليهودية وضع صليب حول عنقها لتظهر أنها مسيحية؟ يقول ابنها عمرام إنها في البداية فعلت ذلك لتسهيل المرور إلى الجانب الآخر من الأسوار الشائكة التي تفصل بين شطري المدينة، لشراء الطعام من السوق في الأردن.
يحكي إسرائيل أنه عندما بلغ عمره عاماً واحداً عاد والده إلى أوروبا ولم يكن له أي اتصال آخر به، فيما ذهب هو ووالدته لاحقاً للعيش في الحي المسيحي في البلدة القديمة في القدس، والذي كان آنذاك تحت الحكم الأردني، ويضيف أن والدته استخدمت جرأتها، ومهاراتها اللغوية والحياتية، وجمالها لبناء حياة جديدة ومثيرة لنفسها.
حكاية الجاسوسة الصهيونية
يقول إسرائيل إنه قرأ مذكرات والدته بتركيز شديد أكثر من مرة، وهذا ما جعله يدرك أنها "خلال بضع سنوات فقط، فعلت أشياء لا تصدق"، سارداً بعض الوظائف المهمة التي شغلتها في الأردن، منها، وفق قوله، سكرتيرة لرئيس الوزراء الأردني، وعملت مع الشرطة الوطنية، ونائب رئيس تحرير صحيفة شعبية، ومع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبسبب علاقتها القوية بالملك عبد الله وحفيده حسين، أدركت إسرائيل أن والدته كانت "تتمتع بمكانة عالية جداً في الأردن".
وتقول هآرتس إنه على الرغم من صعوبة التحقق من تفاصيل كثيرة لهذه القصة، يبدو من المؤكد أن سارة عمرام، أو كاترينا ألكساندروفا، استخدمت حياتها الجديدة للتجسس لمصلحة إسرائيل.
ويقول ابن سارة إن هناك أحد الأدلة على قصة والدته، وهو مصباح زيت قديم يحتفظ به أخوه غير الشقيق، مؤكداً أن هذا المصباح هو الذي دانها وأدى في النهاية إلى عودتها إلى إسرائيل. حدث ذلك عام 1953 عندما كان إسرائيل في السادسة من عمره. يقول: "لن أنسى أبداً مشهد قائد الشرطة الأردنية عند باب منزلنا الأمامي".
ويكمل مخبراً أن رجال الأمن فتشوا كل شيء في المنزل، وكانوا يتصرفون في ما يبدو بناءً على معلومات حصلوا عليها، ثم سقطت عيونهم على مصباح الزيت في غرفة المعيشة. أخذه أحد الضباط وكسره، فسقطت من داخله عشرات القطع الصغيرة من الورق، وبعض الأموال الأجنبية.
تقول سارة في مذكراتها إنها كتبت على هذه الأوراق جميع الأسرار والمعلومات الحساسة التي جمعتها عن الجيش والحكومة الأردنيين. على مر السنين، كانت تنقل هذه المعلومات إلى إسرائيل عبر أحد الجيران الذي عمل لدى الأمم المتحدة، وفق قوله ابنها.
"خلال بضع سنوات فقط، فعلت أشياء لا تصدق"... سارة عمرام، يهودية من أفغانستان عملت كجاسوسة لإسرائيل في الأردن، نشرت صحيفة "هآرتس" قصتها نقلاً عن ابنها الذي وجد مذكراتها بعد وفاتها العام الماضي
تم تخفيف عقوبتها بعد أن كشفت للسلطات معلومات استخباراتية حصلت عليها تتعلق بعلاقة الحكومة الأردنية بحركة شيوعية تعمل تحت الأرض في البلاد... كيف عملت سارة عمرام كجاسوسة إسرائيلية في الأردن؟
وبحسب مذكرات الأم، فقد زارها الملك حسين بنفسه بعد اعتقالها. وقال لها: "اعترفي فقط وستكون نهاية الأمر. أنت يهودية، لقد عملت نيابة عن شعبك وبلدك، وهذا جيد". لكنها رفضت الاعتراف وحُكم عليها بالسجن 12 عاماً.
تم تخفيف العقوبة بعد أن لعبت إحدى البطاقات التي احتفظت بها بالقرب من صدرها، والتي كشفت للسلطات معلومات استخباراتية حصلت عليها على مر السنين تتعلق بعلاقة الحكومة الأردنية بحركة شيوعية تعمل تحت الأرض في البلاد.
وتكتب سارة في مذكراتها إنهم "خفضوا مدة العقوبة إلى ثلاث سنوات فقط، وفي اليوم التالي، كانت العناوين الرئيسية في الصحف الأردنية تتحدث عن إسقاط الحكومة بسبب المعلومات التي وفرتها لهم الجاسوسة الصهيونية".
ويتابع أنه فجأة قيل له، وكان قد تم إيداعه داراً للأيتام، إن والدته سيُفرج عنها وإنهما سيذهبان للعيش في إسرائيل. يقول: "كنت في حالة صدمة". كان الابن في التاسعة من عمره، وقد نشأ كفتى مسيحي بين العرب الفلسطينيين، واعتبر نفسه أحدهم. عندما تم إطلاق سراح والدته، قادهما الجنود الأردنيون إلى المعبر الحدودي مع إسرائيل، حيث كانت ممثلة روسية تنتظر مقابلتها، إذ أصرت أمه دائماً على أنها مواطنة روسية بريئة وليست جاسوسة إسرائيلية.
ولكن لدى صعودهما إلى الشاحنة الإسرائيلية، صرخت أمه أمام الجميع: "اسمي سارة عمرام، أنا يهودية، وأقيم في إسرائيل".
أخذت الكثير من الأسرار معها
يحكي إسرائيل أنه وجد نفسه مرة واحدة في إسرائيل، وهناك التقى بجده، وعماته وأعمامه. كلهم يتحدثون العبرية، وهي لغة لم يعرفها بعد. في المدرسة، وصفه الأطفال الآخرون بأنه "عربي" وضربوه. في الكنيس تعرض لمضايقة المصلين الآخرين الذين تساءلوا لماذا لا يعرف لغة الصلوات.
بعد فترة وجيزة، تم ختانه في مستشفى في يافا، بناءً على إصرار والدته. ويقول إن العملية التي أجريت دون تخدير، عندما كان في العاشرة من عمره، تركت في وجدانه ذكريات مؤلمة. في الرابعة عشرة من عمره، نقش نجمة داود في ذراعه، في محاولة أخرى لإثبات يهوديته.
ويؤكد أن والدته لم تندمج جيداً في إسرائيل وأصبحت امرأة متقلبة المزاج وغير سعيدة، وكانت تنتقده أحياناً بعنف شديد، لكنه وجد بعض الراحة من كل التوتر في الصالة الرياضية حيث أخذ يمارس كمال الأجسام.
وعندما توفيت أمه قبل عام، أخذت الكثير من الأسرار معها إلى القبر، لكنها تركت مذكراتها، التي جعلته يتعرف على قصتها التي لطالما كانت لغزاً بالنسبة إليه، ونشر بعد ذلك كتاباً باللغة العبرية يحوي قصتهما معاً بعنوان "أمي، الجاسوسة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...