شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"لا نضحك بصوت عال ولا نخرج وحدنا"... كبت المطلقات في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 2 أكتوبر 201907:31 م

"بمجرّد حصولي على الطلاق دخلت في دوامة القيل والقال، وباتت تحوم حولي الشائعات في جميع طلعاتي ونزلاتي، لدرجة أني أصبحت أشعر بالضيق من بعض النظرات من الأهل والمعارف".

تقول سلوى العلمي (33سنة)، مطلّقة وأم لطفلين، في حديث لرصيف22، وهي تحكي تجربتها مع الطلاق،  تضيف أن "المرأة المطلّقة، في الوقت الذي عليها أن تحتفل لكونها أصبحت حرة طليقة من وضع صعب كانت تعيشه، تجد نفسها أصبحت فريسة لمجتمع يرى أن المرأة المطلّقة مجرد "عاهرة" تفتقر إلى العفة والشرف".

أما عن تجربتها بعد الطلاق، تحكي العلمي: "وجدت نفسي وحيدة، لا سقف يأويني عاطفياً ونفسياً، سواء من طرف الإخوة الذين كانوا غير راضين عن وضعي الجديد، حيث يعتقدون أن طلاق أختهم يمس شرفهم، أو من طرف الصديقات اللواتي ابتعدن عني بناء على طلب أزواجهن الذين يرفضون أن تصاحب زوجاتهم امرأة مطلّقة، مخافة أن تنقل إليهن أفكاراً سيئة، معتبرين أن شرف المرأة يصبح على المحكّ بعد طلاقها".

وتوجز العلمي كلامها عن نفسها قائلة: "ما أريد أن أقوله: أنا لست عاهرة، أنا امرأة انعتقت من ظلم كانت تعيشه في كنف رجل ظالم، ويجب أن تتوقف هذه النظرة الدونية لكل امرأة مطلّقة".

"أنت مطلّقة إذن أنت خادمة"

يرى الأستاذ الباحث في علم الاجتماع فؤال بلمير، أن ما يحدث للمطلقات في المغرب "طبيعي" بسبب الثقافة العامة التي تحكم الغالبية، يقول: "نجد داخل المجتمع المغربي، إلى جانب مجتمعات عربية أخرى، عقليات محكومة بثقافة معينة تجعل من المرأة كائناً دونياً، ومحيطاً ذكورياً يعطي الأهمية القصوى للذكر، بجعله السيد الذي يتصرف في المجتمع بالشكل الذي يرضيه، نفسياً وثقافياً واجتماعياً".

أما بالنسبة للمجتمع المغربي، يضيف بلمير، حصلت مستجدات تخص المرأة اجتماعياً، ولكنها "لم تصل إلى المستوى المأمول"، وأنه لا زالت نسبة داخل المجتمع المغربي تنظر للمرأة باعتبارها كائناً بيولوجياً، دونياً، خُلق من أجل أن يخدم ويلبي كل رغبات الذكر، وبالتالي فلا زال هناك داخل المجتمع من يأخذ بذلك المثل الذي يقول إن "المرأة بدون رجل كالحديقة بدون سياج"، بمعنى أنه لا يمكن أن تعيش المرأة بدون حماية الرجل ووصايته، وتغيير هذه العقلية مسألة ثقافية تتطلب الوقت".

"عقليات محكومة بثقافة تجعل من المرأة كائناً دونياً"

فرحت سناء (30 عاماً) بطلاقها من شخص اعتاد ضربها، ولكن فرحتها لم تتجاوز الليلة الأولى بعد الطلاق، تقول سناء لرصيف22: "وجدت نفسي في بيت عائلتي، أُحاسَب على كل طلعة ونزلة، أحاسب على طريقة الجلوس والكلام والضحك، فإذا ضحكت بصوت عال أتلقى كمّاً من التوبيخ من والدي وإخوتي، كوني امرأة مطلّقة، لا يحق لي الضحك بصوت مرتفع، وطريقة ضحكي قد تعطي صورة سلبية عني وعن العائلة".

"بقيت على هذا الحال" تضيف سناء، "انتهى بي الأمر لأجد نفسي خادمة، أطبخ، واغسل، وأكنس، وممنوعة من الخروج، في الوقت الذي كنت أحتاج فيه صدراً حنوناً يتفهّم آلامي، ومعاناتي، ويعطيني أملاً في الحياة لأبدأها من جديد، لكن مع الأسف إذا كنت مطلّقة فأنت خادمة".

"وجدت نفسي في بيت عائلتي، أُحاسَب على كل طلعة ونزلة، على طريقة الجلوس والكلام، وإذا ضحكتُ بصوت عالٍ أتلقى التوبيخ، لأني امرأة مطلّقة، لا يحق لي الضحك بصوت مرتفع"
"بعد طلاقي عاملني الزملاء في أماكن العمل باعتباري سهلة المنال، ودائماً ما يكون أمامي خياران، إما أن أغادر عملي لأجد نفسي بدون عمل، أو أرفض لتتم معاقبتي بشكل غير مباشر، من خلال تكليفي بأعمال شاقة ومتعبة تفوق قدراتي البدنية والنفسية".

تُجرّد نظرة المجتمع المغربي للمطلقات الإصلاحات القانونية في قانون الأسرة من معناها، في الماضي لم يكن دستور 1996 يعطي للمرأة حق "التطليق" أو "الخلع"، وبعدها جاء قانون الأسرة الجديد سنة 2004، الذي أعطى المرأة الحقَّ في طلاق الشقاق، إلا أن الكثير من العائلات داخل المجتمع المغربي لا تزال ترفض حالة "المرأة المطلّقة"، وتعتبر الطلاق عيباً ويمس بصورة المرأة داخل المجتمع.

وتشهد المغرب، من بين دول عربية أخرى، ارتفاع في معدلات الطلاق، بحسب إحصائيات مسجلة في المحاكم، وعرضها موقع محلي، فقد شهدت الفترة الممتدة من سنة 2012 إلى  2016 ارتفاعا في تلك الحالات، حيث انتقلت من 833 حالة طلاق سنة 2012 إلى 25377 حالة طلاق خلال 2016، ما يعني أن المغرب سجل في هذا العام حوالي 69 حالة طلاق يومياً.

يثمّن بليمر الإصلاحات الحكومية في قانون الأسرة، ويقول: "من كان يظن أن المرأة في يوم من الأيام تستطيع طلب الطلاق، أو أن يكون هناك قانون ضد التحرّش الجنسي والاغتصاب".

ولكن من جهة أخرى، يشدّد على ضرورة إحداث تغيير ثقافي، يحوّل نظرة المجتمع إلى المرأة من كائن بيولوجي إلى اجتماعي.

المطلّقة في الوظيفة "سهلة المنال"

تحكي ثريا (35سنة) مطلّقة وأم لطفلين، عن المضايقات المستمرة التي اختبرتها منذ تحرّرها من الزواج، تقول لرصيف22: "بعد طلاقي تعرضت للكثير من المضايقات كوني مطلّقة، حيث كان الوضع صعباً في البداية، عندما خرجت لأعمل لأعيل أبنائي، المضايقات كانت غالبها من أرباب العمل والمشغّلين، الذين ينظرون إلى امرأة مثلي "مطلّقة" على أنها سهلة المنال، يمكن أن تنصاع وراء رغباتهم الجنسية مقابل تشغيلها أو زيادة راتبها".

تتنهد ثريا، وتكمل بصوت مرتعش: "في هذا الموقف دائماً ما يكون أمامي خياران، إما أن أغادر عملي لأجد نفسي بدون عمل، أو أرفض لتتم معاقبتي بشكل غير مباشر، من خلال تكليفي بأعمال شاقة ومتعبة تفوق قدراتي البدنية والنفسية".

تضيف ثريا: "المرأة المطلّقة مع الأسف، خاصة التي لا تملك شهادات تعليمية ومنصب محترم، تعيش الأمرّين داخل مجتمعها الصغير "العائلة"، وداخل المجتمع الكبير "سوق الشغل"، وتعاني من التحقير والنظر إليها على أساس أنها كائن لا يصلح لشيء، حتى أن المرأة المطلّقة يصعب عليها أن تبني حياة زوجية جديدة ومستقرة مرة أخرى، ويرفض الكثير من الرجال الارتباط بامرأة مطلّقة، ولها أبناء".

مختلفة ومتميزة وقويّة

في الوقت الذي يعتبر فيها الطلاق في شمال البلاد ووسطها عيباً، فهو في الجنوب، خاصة عند المجتمع الصحراوي، يقام له احتفال، إذ يتم الاحتفال بالمرأة المطلّقة وكأنه زواج، بإقامة عرس احتفالي من طرف أهل المرأة لإشعارها بأنها لاتزال موضع ترحيب في بيت أبيها، وذلك من خلال الوشم بالحناء، وإقامة الزفة، والزغاريد، ويتم نحر ناقة وتقديم الولائم للحضور، اعتقاداً أن المرأة الصحراوية المطلّقة ستتمكن من الخروج مرة أخرى لاستكمال تعليمها وتحقيق استقلالها مالياً وفكرياً عن الرجل.

"المطلقة في الجنوب يفضلها الرجال لأنها صاحبة تجربة"

والمعروف أيضاً في المجتمع الصحراوي، أن المرأة المطلّقة تكون مطلوبة للزواج مرة أخرى أكثر من التي تتزوج للمرة الأولى، لحصولها على تجربة في الحياة الزوجية، ولهذا يكون مهرها الثاني أكثر من مهرها الأول.

تقول أمينة تبالي، ناشطة صحراوية تهتم بشؤون المرأة في الصحراء، لرصيف22: "ربما قد يكون طقساً غريباً لدى الكثير من المجتمعات، إلا أنه عند العائلات الصحراوية من الطقوس الاحتفالية التي لا بد منها، فالمرأة المطلّقة في المجتمع الصحراوي هي عروس، تعود إلى بيت أهلها، معززة، مكرمة، يتم الاحتفال بها واستقبالها مرة ثانية في بيت أهلها بالزغاريد والطبول والنحر، وذلك لكونها انتصرت أو خرجت من جو المشاكل والضغوط النفسية التي كانت تعيشها، وفي ذلك نوع من الإشهار لها، باعتبارها جاهزة للزواج مرة ثانية، ولتبدأ بحياة جديدة".

خلافاً لكثير من المجتمعات، تضيف تبالي، التي تنظر إلى المرأة المطلّقة بنوع من التحقير، وأرجعت "هيبة المطلّقة" في الجنوب إلى عادات تعود إلى "موروث ثقافي قديم"، يعتبر المطلّقة، مميزة، ومختلفة، وقوية، وتمتلك خبرة في الحياة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard