"يجب علينا أن نفعل شيئاً"... بهذه الكلمات توجه رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في تموز/ يوليو الماضي مخاطباً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، خلال مؤتمر صحافي جمعهما.
بعد الحديث عن "محنة العالم الإسلامي ومشاكله"، أعلن مهاتير تشكيل تحالف ثلاثي ذا صبغة دينية بحتة يجمع تركيا وماليزيا وباكستان من أجل "الدفاع عن الإسلام وتوحيد الأمة وتحقيق استقلالها".
وبجدية كبيرة، كالتي أظهرها مهاتير، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الشهر الماضي تدشين قناة تلفزيونية على غرار الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لـ"مكافحة الإسلاموفوبيا والدعوة لوحدة الأمة".
وحده أردوغان بدا الأقل حديثاً عن هذا التحالف، بينما كان قد أعلن رؤية 2023 التي تتضمن الدعوة لوحدة إسلامية.
التحالف الذي يُتوقع أن تتضاعف قوته بانضمام دول أخرى، لديه تعداد سكاني يصل إلى 327 مليون نسمة، وهو ما قد يوازي الدول العربية كافة، ولديه ناتج قومي يتجاوز 3 تريليون دولار وموقع جغرافي متصل بأوروبا عبر تركيا ودول شرق آسيا عبر ماليزيا، وفي الوسط باكستان التي تمنح التحالف قوة كبيرة عبر امتلاكها سلاحاً نووياً عبّرت أنقرة أخيراً عن رغبتها في امتلاكه.
لماذا تحالفت الدول الثلاث؟
في 15 أيار/ مايو الماضي، بدأت تركيا وباكستان وماليزيا في عقد اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية.
أول الاجتماعات كان في مدينة جدة السعودية، على هامش القمة الرابعة عشرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ثم عقدت الدول الثلاث اجتماعاً على مستوى القادة في نيويورك في أيلول/ سبتمبر الماضي خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاركة أردوغان وخان ومهاتير.
وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلن الرئيس التركي ورئيس الوزراء الماليزي أن تحالف الدول الثلاث يستهدف "إطلاق نهضة إسلامية وتوحيد العالم الإسلامي".
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع مهاتير في أنقرة، قال الرئيس التركي إن التضامن بين تركيا وماليزيا وباكستان ضروري للوحدة في العالم الإسلامي، بينما رد مهاتير قائلاً: "التعاون بين ماليزيا وتركيا سيساعد في تخفيف اعتماد الأمة الإسلامية وإخضاعها من قبل الآخرين".
وبشأن أسباب هذا التحالف، يقول تقرير صحافي ماليزي إن الدول الثلاث تعاني أزمة اقتصادية، ولا سيما باكستان التي لا تمتلك احتياطياً نقدياً يكفي حاجات البلاد من العملة الأجنبية لشهرين فقط ـ وفي الوقت ذاته تعاني تركيا أيضاً من هبوط عملتها وارتفاع مستوى الدين، لذا تحتاج أنقرة وإسلام آباد دعماً مالياً من المؤسسات النقدية الدولية بشكل عاجل للخروج من الأزمة الحالية.
وبحسب التقرير، تتعرض باكستان لابتزاز أمريكي وغربي كبير من أجل الموافقة على منحها الدعم المالي المطلوب، إذ تشترط واشنطن على إسلام آباد ألا تستخدم الدعم لسداد ديونها إلى الصين، كما تفرض شروطاً أخرى في عدد من الملفات.
من جهة ثانية، يواجه الرئيس التركي صعوبات كبيرة في اللجوء لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي لأنه عبّر عن انتقادات حادة لهاتين المؤسستين قبل وصوله للحكم عام 2002، كما أن للمؤسستين شروطاً ستقوض سياسته الداخلية وصورته.
بناء على ما سبق، ترغب باكستان وتركيا في العمل الجاد مع ماليزيا لاستكشاف إمكانية التوجه إلى الشرق، وهو تأمين مساعدة الصين واليابان وكوريا الجنوبية والبنوك الأخرى في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، لمنح هذين البلدين الشريان الحيوي المالي اللازم في أقرب وقت ممكن.
في هذا السياق، يقول الخبير الأمني والباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط عارف رفيق: "لا يوجد تحالف بين ماليزيا وباكستان وتركيا حتى الآن، بالمعنى الذي تعنيه هذه الكلمة، على الرغم من أن رئيس الوزراء مهاتير محمد قد استخدم هذه الصياغة في الحديث عن المشروع الجديد".
ويضيف رفيق، وهو باحث من أصول باكستانية مقيم في الولايات المتحدة، لرصيف22 موضحاً أن "الدول الثلاث تهدف إلى تشكيل شيء أكثر تواضعاً مثل توحيد جوانب سياساتها الخارجية وبناء تعاون اقتصادي ودفاعي أكبر"، بينما لفت إلى أن الدول الثلاث وافقت أخيراً على مكافحة التعصب المناهض للإسلام من خلال مبادرة إعلامية.
ويشير رفيق الى أن ماليزيا وتركيا أصدرتا بيانين لدعم موقف باكستان من قضية كشمير في النزاع الحالي مع الهند، مضيفاً أن هناك فراغاً في قيادة العالم الإسلامي الذي يشهد انقساماً كبيراً، وتسعى هذه الدول الثلاث إلى ملء هذا الفراغ إلى حد ما، ولكن بطرائق رمزية.
وبرأيه: "تتطلع الدول الثلاث أيضاً إلى تنويع شراكاتها الدولية، إذ تسعى باكستان وتركيا، على وجه الخصوص، إلى تقليل اعتمادهما على الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة".
في أيار/ مايو الماضي، بدأت تركيا وباكستان وماليزيا عقد اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، كان هدفها تشكيل تحالف لـ"الدفاع عن الإسلام وتوحيد الأمة وتحقيق استقلالها"... فما شكل هذا التحالف وما توقعات نجاحه؟
"على الرغم من الثقل الاقتصادي والامتداد الجغرافي للدول الثلاث، فمن المرجح أن تجد المبادرة التركية الماليزية الباكستانية صعوبة في تلقي صدى إيجابي لدى الدول العربية... لكن التحالف مهم، وضروري مراقبته في وقت يتشكل عالم ما بعد الغرب"
من جهته، يرى الكاتب التركي إسماعيل ياشا، في مقال له، أن التحالف الذي أعلن عنه مهاتير خطوة مهمة لكبح جماح صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ورفاقه العرب ولمواجهة خططهم التي تضمن انتزاع القدس ونهاية القضية الفلسطينية.
أما المحلل السياسي التركي بركات كار، فيقول لرصيف22: "يحاول أردوغان منذ زمن بعيد أن ينصّب نفسه خليفة جديداً للعالم الإسلامي، لكن هذه الفكرة فشلت في المنطقة بسبب سياسته المنحازة بقوة للتيارات السلفية والتدخلات في سوريا وغيرها مع الدول العربية، والآن يتحالف مع دول من خارج الإقليم".
شكوك في نجاح التحالف الجديد
يقول الكاتب الباكستاني غازي صلاح الدين حول إنشاء قناة للتحالف الثلاثي أن هناك بالفعل "قناة الجزيرة" التي تبث باللغة الإنكليزية والتي أطلقتها قطر بجرأة للتنافس مع "بي بي سي" و"سي أن أن" و"فوكس نيوز"، مضيفاً يبدو أن المشروع المقترح للقناة الجديدة الذي ذكره عمران خان له أهداف مختلفة. علاوة على ذلك ، فإن العالم الإسلامي يتحدث بأصوات مختلفة وأي محاولة لتحسين صورته ككيان جماعي يمكن أن تسبب له هزيمة داخلية.
ويوضح الكاتب الباكستاني أن "باكستان وتركيا وماليزيا لديها وجهات نظر متشابهة بشأن بعض القضايا، وتدعي أنها ديمقراطية، لكن هناك فجوات في ما بينها في كيفية إسقاط أيديولوجياتها وأولوياتها الوطنية"، متسائلاً عن "كيفية تغطية المحطة الجديدة للأوضاع في اليمن أو الحرب الأهلية في سوريا مثلاً؟".
ويضيف صلاح الدين: "في إسقاط على مشاكل تركيا مع دول المنطقة، فإن ماليزيا مجتمع تعددي ولا يوجد فيه عداء مع أطراف خارجية"، مشيراً الى أن مهاتير قال ذات مرة: "إذا نظرت إلى جميع أنحاء العالم، فإن معظم الدول التي تتشاجر مع جيرانها تُحل مشاكلهم من خلال العنف ومن خلال الحروب، وفي النهاية، يخسر الطرفان".
ويشير الكاتب الى أن القادة الثلاثة يريدون إنشاء محطة على غرار "بي بي سي" ويعتبرونها نموذجاً يحتذى به، إلا أن القادة المسلمين لا يرغبون في السماح بمنفذ إعلامي كهذا مستقل بشكل احترافي في بلدانهم، قائلاً:"ليس لدي معلومات كافية عن حالة وسائل الإعلام في ماليزيا، لكن يبدو أن تركيا تفوقت على باكستان في تكميم وسائل الإعلام المنشقة".
وكان موقع "مالاي ميل" (Malay Mail) الماليزي قد وضع مهاتير في موقف حرج خلال المؤتمر الصحافي مع أردوغان في تركيا عندما سأله كيف تعرض ماليزيا وتركيا قيادتيهما للعالم الإسلامي وسط صمت يصم الآذان بشأن بعض القضايا مثل قمع الأقليات المسلمة كالأيغور من جانب الصين؟
يضيف الموقع :"ماليزيا وتركيا امتنعتا عن المشاركة في رسالة وجهتها 22 دولة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في وقت سابق من هذا العام تدين الاعتقالات التعسفية الجماعية للمسلمين في الصين والانتهاكات ذات الصلة".
ويذكر الموقع أن مهاتير، في رده الفوري، قال إن الإدلاء ببيان سهل لكن العمل أصعب بكثير، ومع ذلك لم يذكر الصين بالاسم ولم يتطرق إلى اضطهاد المسلمين هناك.
أما الكاتب التركي ألتاي أتلي، المحاضر في قسم العلاقات الدولية في جامعة كوتش في إسطنبول، فـيرى أن التساؤلات عن إمكانية أن يؤدي التنسيق الثلاثي بين تركيا وماليزيا وباكستان إلى مزيد من الوحدة في العالم الإسلامي هو سؤال ليست سهلة الإجابة عنه، معتبراً أن القرائن التاريخية غير واعدة.
ويشرح أتلي أن هذه البلدان الثلاثة كانت من الأعضاء المؤسسين لمنظمة مجموعة الدول الثماني النامية "D8"، وهي لا تزال بعيدة عن الوصول الى الأهداف الإسلامية العليا لمؤسسيها ويقتصر شغلها حالياً على مبادرات أصغر حجماً مثل وفود تجارية والبرامج الاجتماعية.
ويشير الكاتب الى أنه على الرغم من الثقل الاقتصادي والامتداد الجغرافي للدول الثلاث حتى طرفي القارة الآسيوية، فمن المرجح أن تجد المبادرة التركية الماليزية الباكستانية صعوبة في تلقي صدى إيجابي لدى الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنه في المقابل اعتبر التحالف مهماً، منبهاً إلى ضرورة مراقبته في وقت يتشكل عالم ما بعد الغرب.
في الشهر الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن المنطقة لن تكون مستقرة في ظل وجود الإسلام السياسي أما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تستضيف بلاده مقر منظمة التعاون الإسلامي فأظهر خلال العام الماضي معاداة بلاده للإسلام السياسي، وهو ما يؤشر إلى أن الطرفين لن يكونا ضمن تحالف إسلامي.
هل يشتبك التحالف الجديد مع مصالح السعودية؟
في أول اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث في جدة، ناقشوا سبل إصلاح منظمة التعاون التي تتخذ من السعودية مقراً لها.
"باكستان عرضت التوسط بين إيران والسعودية. وقد قام خان بزيارة قصيرة إلى طهران قبل زيارة الرياض، ومن الواضح أن الشراكة بين باكستان وماليزيا وتركيا تم تشكيلها من دون نوايا عدائية تجاه إيران أو المملكة".
ويقول المحلل الأمني والباحث عارف رفيق إن الشراكة الثلاثية الجديدة لا يبدو أن لها علاقة بالمنافسة الإيرانية السعودية، مضيفاً أنها محاولة لتعزيز التعاون بين الدول الإسلامية مع عدم الانحياز وتجنب الحرب الباردة بين إيران والسعودية.
ويضيف شارحاً: "باكستان عرضت التوسط بين إيران والسعودية. وقد قام خان بزيارة قصيرة إلى طهران هذا الشهر قبل زيارة الرياض، ومن الواضح أن الشراكة بين باكستان وماليزيا وتركيا تم تشكيلها من دون نوايا عدائية تجاه إيران أو المملكة العربية السعودية".
قي هذا الشأن يقول الكاتب السعودي مشعل أبا الودع إن هذا التحالف الذي تريد تركيا منه جمع العالم الإسلامي السني حولها، سيفشل بسبب عدم وجود المملكة فيه، مضيفاً أن ماليزيا مثل باكستان دولة صديقة للرياض وتتبنى سياسة معادية لطهران، ولن تدخل أي تحالف قد يكون شوكة في ظهر السعودية.
ويضيف أبا الودع لرصيف22: "تركيا لديها مشروع خلافة، تريد السيطرة من خلال تحالفات على الأراضي العربية كما يحدث في سوريا والعراق، والمملكة لن تكون عضواً في هذا التحالف الذي يستهدف استقرار الدول العربية الصديقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...