شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
فيلم

فيلم "جوكر"... لماذا علينا أن نكون الطيّبين في مسرحية الحياة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 7 أكتوبر 201903:14 م

الغضب الساطع آتٍ.

الغضب.

الكثير من الغضب.

لست متأكدة من أنني اكتفيت من مشاهدة فيلم Joker (للمخرج تود فيليبس) الذي اعتبرته درساً ارتبكت فيه كلما سرحت بمشهد ما وسهيت عن تفاصيل المشهد الذي يليه. أردت ورقة وقلم لتدوين ملاحظاتي، أو الدروس التي يمكنني تسجيلها تحت عنوان: كيف نقضي على الأنظمة؟ بكل أشكالها وأنواعها، الخفيّة والواضحة.

لقد تمّت برمجتنا نحن البشر، لنضحك عندما يرغبون أن نضحك ولنبكي عندما يريدون منا ذلك، لنتفاعل أو لنتجمد. فممنوع على "آرثر فلِكْ" الذي تحوّل إلى جوكر، الضحك في القطار، حتى لو كان الأمر خارجاً عن استطاعته. يحتاج بطاقة تثبت مرضه العقلي وعدم قدرته على التحكّم بنفسه.

لا مبررات للقتل ولا للعنف، ولكن الممثل Joaquin Phoenix، الذي سيفوز حتماً بأوسكار أفضل ممثل العام المقبل، يرينا كيف يُحطّم المرء ويُدفع دفعاً للتحوّل إلى مجرم ومنتقم، مرغماً المشاهد- أنا على أقل تقدير- للتعاطف معه وتبني قضيته، نعم... تعاطفت مع قاتل حاول الدفاع عن نفسه بعدما تعرّض للضرب المبرح من قبل 3 أشخاص. ربما أراد الدفاع عن كرامته لا أكثر.

الكثير من الأفكار راودتني خلال مشاهدة الفيلم. كلها أفكار "سوداء". فكّرت بالمستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوّة. خطر على بالي كمّ البشر الذين يواجهون يوميات مشابهة ليوميات آرثر المُهلكة.

"أفكار سوداوية" كثيرة راودتني حقاً. شعرت أنه أقوى منّي. وضعت نفسي محلّه في الكثير من المشاهد، ولم أستطع تجاوز أي منها "داخل عقلي". فشلت فيها كلها. والأسوأ من كل هذا أنني تمنيت أن أنصحه بالانتحار لإنهاء المسرحية التراجيدية التي تجري في حياته، تلك التي وصفها بـ"الكوميدية".

الانتحار فكرة مأساوية، لم أفكر يوماً بها، ولكنني خُنقت. خنقني ما تعرّض له آرثر. خنقتني المشاهد. لم أشعر بمدى قوّته حتى كتابتي هذه السطور. تحمّل سخرية وعنفاً نفسياً وجسدياً. تحمّل نظرات مريبة. ولكن لا بأس، تحوّل إلى مجرم لصدّ الهجمات. أليس هذا ما يريده المعنِّف؟ أليس هذا ما يريده كل متنمّر وساخر؟ كل متسلط ومستبد؟

فكرة مأساوية أخرى تراودني حالياً: لماذا علينا أن نكون الطيّبين في مسرحية الحياة؟ تلك التي تُمارس بحقنا شتى أنواع الجرم والعنف المبطّن؟ لماذا علينا أن نبقى هادئين مسالمين لا محاربين؟ أهو الخوف من كلمة "مجرم"؟ وما قيمة هذه التهمة أمام كمّ الجرم المبطّن الذي يحيط بنا؟ أصبح جوكر مجرماً ليواكب الحياة لا أكثر. ولكن المؤسف أن الجرم "المكشوف" يُصبح حديث البلد، أما ذاك المبطّن، الذي يوّلد أمراضاً نفسية وعقلية، فلا خطر منه.

الأمر لا يقتصر على أفراد في الفيلم. الجرم المبطّن يبدأ من الحكومة التي قررت تقليص ميزانيتها ملغيةً خدمات اجتماعية لمساعدة المرضى النفسيين، كما أنها أظهرت اهتمامها بتعزيز مصالح الأغنياء على حساب الفقراء... كالعادة.

اللافت أن شرطة نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو "تراقب عن كثب دور السينما التي تعرض الفيلم" بسبب "مخاوفها من اندلاع عنف"، فيما يقول صانع الأفلام الأمريكي مايكل مور (65 عاماً): "كل ما سمعنا عنه نحن الأمريكيون هو أننا يجب أن نخاف من الفيلم ونبتعد عنه. إنه عنيف ومريض وفاسد ويحرّض على القتل ويحتفل به. قيل لنا إن الشرطة ستتواجد في كل دور عرض في حال وقوع أي مشكلة. لكنني أقترح العكس تماماً: الخطر الأكبر على المجتمع يكمن في عدم مشاهدة هذا الفيلم".

وتابع: "لا يدور الفيلم حول ترامب، بل حول الولايات المتحدة التي منحتنا ترامب. عن الولايات المتحدة التي لا تشعر بحاجتها إلى مساعدة المنبوذين. الولايات المتحدة حيث يصبح الأثرياء أكثر ثراء وقذارة".

ألا ينطبق كلامه على كل دول العالم؟

لماذا علينا أن نبقى هادئين مسالمين لا محاربين في الحياة؟ أهو الخوف من كلمة "مجرم"؟ وما قيمة هذه التهمة أمام كمّ الجرم المبطن الذي يحيط بنا؟ 

أثار الفيلم غضبي. لا أعتقد أن أحداً خرج دون أن يثور على نفسه. غضبت من كل شيء ولعنتُ جميع الأنظمة. كلّنا بحاجة إلى أطباء نفسيين لنستطيع العيش مع المجرمين. سنكون نسخة طبق الأصل منهم إن لم نفعل.

أثار الفيلم غضبي. لا أعتقد أن أحداً خرج دون أن يثور على نفسه. غضبت من كل شيء ولعنتُ جميع الأنظمة. كلّنا بحاجة إلى أطباء نفسيين لنستطيع العيش مع المجرمين. سنكون نسخة طبق الأصل منهم إن لم نفعل.

لن أُفسد نهاية الفيلم. كما لن أتحدّث عن أي تفصيل منه، سوى أنه درس أتمنى اتباعه في كل المؤسسات التعليمية. من حقّ الجميع أن يرى جُرم الحياة الذي يُمارس على بعض الأشخاص. يحوّلهم إلى أضحوكة. يُمرمر أيامهم حتى يتحولوا إلى مجرمين.

سأُذكّر فقط بمقولة وقصيدة، واحدة قالها جوكر في الفيلم وهي: "أسوأ ما بإصابتك بمرض عقلي هو توقّع الناس حولك أن تتصرف وكأنك لست مصاباً به".

أما القصيدة فهي لفاروق جويدة، تقول بعض أجزائها:

اغضب فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين

اغضب فإن الأرض تُحني رأسها للغاضبين

اغضب

فإن الناس حولك نائمون

وكاذبون

وعاهرون

ومنتشون بسكرة العجز المهين…

"اغضبي"... هذا ما قاله لي جوكر الذي رأى أن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image